2024: عام الحروب

واشنطن – تشير سوق النفط إلى أن المستثمرين قد تعلموا التعايش مع الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات بين الصين وتايوان، لكنهم يبقون بحاجة إلى الحذر من مخاطر الحرب الأخرى التي لا تلاقي اهتماما كبيرا.
وذكرت مجلة الإيكونوميست في 22 يناير 2024، أن معهد أوسلو للسلام حدد أن عدد الصراعات القائمة على مستوى الدول يقترب من 50، وهو الرقم الأعلى منذ سنة 1946.
و تقول الباحثة أليستر نيوتن في تقرير نشره موقع عرب دايجست، إن التوقعات لهذا العام بُنيت جلّها منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 2022 والصراع بين إسرائيل وحماس في 2023، لتحدد أن احتمال اندلاع حرب كبرى أخرى في 2024 ليس صغيرا.
وبرز غزو الصين لتايوان في عدد كبير منها، مما يخاطر بإغفالنا عددا متزايدا من الصراعات العنيفة الأصغر حجما والمثيرة للقلق. ويخبرنا التاريخ أننا يجب أن نتوقع هذا النمط الأوسع في نهاية الهيمنة، وهو ما وصفته مجلة الإيكونوميست بـ”الظروف العالمية الفوضوية”.
كما ذكر المقال أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد عكست بعض الأضرار الناتجة عن سياسات سابقتها التي قوضت نفوذ الولايات المتحدة وتحالفاتها، إلا أن هذه الإصلاحات ستكون قصيرة الأجل إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات المقبلة. ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الصارمة، قد تتراجع فعالية مبدأ بايدن.
ومع الاعتراف بأن على “محور المقاومة” الإيراني الشامل الإجابة على عدد من الأسئلة العالقة، تشمل الديناميكيات المعقدة في الشرق الأوسط العديد من الحالات القادرة على مفاجأة الجميع.
وعلى سبيل المثال، بينما لا ينبغي أن تكون الضربات التركية على الميليشيات الكردية في العراق وسوريا مفاجئة، من كان يتوقع أن يشن الأردن ضربات ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا؟ أو أن تتبادل إيران وباكستان الضربات الصاروخية ضد الانفصاليين البلوش؟
وذكرت مراسلة بي بي سي ليز دوسيتفي في مقال بتاريخ 20 يناير، أن الأسبوع مثّل تذكيرا عن عدم القدرة على التنبؤ والمخاطر في هذه اللحظة من الحرب الآخذة في الاتساع والتفاقم بين إسرائيل وغزة.
ولكن هذا لا يعني أن المخاوف من المواجهة المحتملة بين إيران والولايات المتحدة ليست مبررة، وخاصة بعد أن سجّلت الولايات المتحدة مقتل عسكريين من قواتها في 28 يناير. لكن الهراء الذي تروج له واشنطن والذي يعتبر طهران “المحرضة الرئيسية” لهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وأن هذه الهجمات ليست مرتبطة بغزة، يساعد على خلق مناخ مهيأ لاتخاذ خطوة خاطئة، خاصة إذا كان صناع السياسات يصدقون هذه الادعاءات.
وكما أشارت نشرات إخبارية أخيرة عديدة، تسلّح طهران بالتأكيد الحوثيين المستقلين الحربيين والمعادين للسامية، لكن تأثيرها عليهم يبقى محدودا. وذكرت عرب دايجست في 15 يناير، “أن للحوثيين رسالة واضحة إلى القوى الغربية: استغلوا نفوذكم لإجبار الإسرائيليين على وقف إطلاق النار، وإلا فلن نوقف هجماتنا على السفن في البحر الأحمر”.
ويرتكب الحوثيون خطأ في المبالغة في تقدير نفوذ واشنطن على إسرائيل. وهو محدود (حتى لو كان دونالد ترامب في البيت الأبيض). ويمكن قول الشيء نفسه عن الحكم المؤقت لمحكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
ورغم تسجيل بعض التقدم الدولي نحو هدنة مؤقتة، إلا أن القوى داخل إسرائيل نفسها هي التي تتمتع بأفضل فرصة للتوصل إلى وقف كامل للأعمال العدائية ضمن ضغوط تأمين إطلاق سراح الرهائن، بالإضافة إلى “تدمير” حماس، بما في ذلك داخل مجلس الحرب. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يُظهر حتى الآن أي استعداد للتحرك في هذا الاتجاه، رغم موافقته في يناير على التحول الإستراتيجي نحو حملة أكثر استهدافا، مما ساهم في انخفاض عدد القتلى المدنيين الذي لا يزال مرتفعا.
ويبقى أن نرى إلى متى سيستمر هذا التحول. فمن غير المؤكد أن تكون القوات الإسرائيلية قادرة على إخراج حماس من معاقلها، وخاصة في خان يونس ودير البلح المكتظتين بالسكان، دون أن ترتفع أعداد الضحايا المدنيين مرة أخرى. لكن الفشل في اقتلاع الحركة سيجسّد “هزيمة إستراتيجية” لإسرائيل، حسب قول صحيفة وول ستريت جورنال في 16 يناير. ومع الاعتراف بأن الكثيرين يعتقدون أن نتنياهو يتحرك حسب مصالحه الشخصية، سيكون قبول هذا الفشل صعبا في ظل أي ظرف، مما يشير إلى أن الطريق لا يزال طويلا قبل تحقيق بعض مظاهر السلام.
وكتب ستيوارت كيرك مقالته الافتتاحية التي نشرتها صحيفة “فاينانشيال تايمز” في 19 يناير، وحملت عنوان “هل ينبغي للمستثمرين أن يهتموا بالجغرافيا السياسية؟”. وقدم فيها بعض التحليلات الإرشادية المفيدة. ونظر المحلل في “قلق” المستثمرين، وأظهر أن اندلاع الحرب يؤدي إلى انخفاض أولي في الأسواق قبل أن يُسجّل انتعاشا وأداء قويا لاحقا خلال مسار الصراع. لكنه ربما أساء فهم طبيعة “الغموض” في مثل هذه الظروف. فمن المؤكد أن حالة من عدم اليقين تسود في الفترة التي تسبق الحرب (هل ستندلع حرب أم لا؟).
ولكن بمجرد اندلاعها، يشهد العالم قدرا أقل من الغموض بشأن ما يجب على الأسواق أن تتعامل معه. وبطبيعة الحال، تجلب الحرب تهديدات عالية التأثير ولكن الأسواق تستطيع في الغالب تجاهل هذه الأمور إذا لم تضربها مباشرة.
ولا يزال الاعتقاد أن أسواق النفط اختارت الطريق الصحيح، على الرغم من أن المخاطر تميل إجمالا نحو الارتفاع بسبب التوترات المتزايدة، ما أبقى سعر خام برنت في 31 ديسمبر عند 70 دولارا للبرميل، حتى مع استمرار التقلبات المنتظرة في الطريق.