‏"أبوشنب": قضية اجتماعية شائكة في قالب كوميدي ناجح

طموح المرأة هو الرسالة الخفية التي حملها الفيلم المصري “أبوشنب” لياسمين عبدالعزيز، في إطار من الكوميديا التي اعتادت الفنانة على تقديمها في أعمالها السينمائية، لكنها تحررت نسبيا من قالب الشخصيات الساذجة التي اتسمت بها بعض أدوار النجمة الشابة وأثرت على مكانتها الفنية في البعض من الأوقات.
الثلاثاء 2016/07/26
كوميديا بنسق بوليسي عاطفي

تتناول أحداث الفيلم المصري الجديد للنجمة ياسمين عبدالعزيز “أبوشنب” حياة ضابطة شرطة تعامل بشيء من الاستخفاف من زملائها ورؤسائها، حتى أن عملها ينحصر في تقديم المأكولات والمشروبات إلى رئيسها الذي لا يعترف بحقها في العمل بالشرطة.

دائما تتصدر عبارة “أنت ولا حاجة” حديثه معها، لكن طموح “عصمت أبوشنب” في القيام بمهام عظيمة في عملها الشرطي يدفعها إلى انتهاز فرصة وجود مسؤولة عن حقوق الإنسان بالجهاز الذي تعمل فيه، فتسرد لها أوضاعها المأساوية، ما يجبر رؤساءها على الاستعانة بها في مهام شرطية حقيقية.

تبدأ عصمت مشوارها المهني الجاد كما يظهر في أحداث الفيلم، لكن سوء الحظ والاندفاع نحو تأدية العمل قبل التأني في إجادته يجعلانها تفشل في أداء مهامها دائما إلى أن تكلف بالعمل مع الضابط “حسن أبودقن” أو النجم التونسي ظافر العابدين، ومن هنا تبدأ سلسلة جديدة من الأحداث تجمع بين الرومانسية والكوميديا.

بعكس أفلام سابقة للنجمة لم تستحوذ على البطولة المطلقة، ووجود البطل كصورة مكملة فقط للحدث الدرامي، إذ جاءت الاستعانة بظافر العابدين الذي بات صاحب شعبية كبيرة في مصر خلال السنوات الأخيرة بعد أن سطع نجمه في الدراما التلفزيونية، وآخر أعماله مسلسل “الخروج” وقد عرض في رمضان الماضي.

صحيح أنه لم يظهر مع بداية الأحداث مباشرة، إلاّ أنه وُظّف جيدا في العمل بشكل لم يفقده نجوميته، ولم يجعله غريبا عن جمهوره، خصوصا أنها المرة الأولى التي يقدم فيها عملا كوميديا، إضافة إلى تعاونه مع عائلة السبكي منتج الفيلم.

يقدم النجم التونسي شخصية الضابط الصارم، فيضع “عصمت” في اختبارات مختلفة حتى يختبر شجاعتها، ورغم أنها تثبت قوتها وعزيمتها على أداء العمل في كل مرة، إلاّ أن بعض الأخطاء البسيطة تعكر صفو عملها، وبين هذا وذاك تبدو نظرات الإعجاب المتبادلة بين الاثنين بارزة.

لم يكن ظافر صاحب التوفيق الوحيد في الفيلم، بل كانت ياسمين عبدالعزيز في أنضج مراحلها الفنية، محافظة على التوازن بين الكوميديا والمضمون الدرامي.

ينجح الفيلم في تقديم قضية مهمة تمثل واحدا من التعقيدات الاجتماعية للمرأة العربية، هي “تحقير الرجل لعمل المرأة” خصوصا إذا كان هذا العمل يتعلق ببعض المهام التي يغلب عليها الطابع الذكوري.

ذكاء ياسمين جعلها تختار لنفسها مسارا مخالفا لغيرها من نجمات جيلها، فقد كانت الكوميديا طريقها لتكون صاحبة البطولات المطلقة فيها، وتصبح الفنانة الوحيدة التي تنافس النجوم الرجال في هذه المنطقة أمثال محمد هنيدي، ومحمد سعد وأحمد حلمي.

وعلى الرغم من أن شخصية “عصمت أبوشنب” رفعت أرباح ياسمين عبدالعزيز الفنية في رصيدها لدى الجمهور، إلاّ أن هناك زيادة في الوزن لوحظت على النجمة في هذا العمل ربما تغلبت عليها برشاقتها وخفة حركتها وظهر ذلك في مشاهد الأكشن والجري.

فكرة الفيلم أختارها السيناريست خالد جلال ليخرج بها من القالب النمطي الذي وظفت فيه صورة ضابطة الشرطة بالسينما طوال عقود سابقة، رغم أن الموضوع ذاته ليس بجديد، خاصة فكرة احتقار عمل المرأة في بعض الوظائف، فقد ناقشته السينما المصرية منذ ستينات القرن الماضي من خلال واحد من أشهر أفلامها وهو “مراتي مدير عام” للنجمين شادية وصلاح ذوالفقار.

في المقابل، يكتسب الأمر بعدا كوميديا هذه المرة، فمثلا في كل مرة يوهم الضابط حسن شريكته عصمت بأنهما على موعد غرامي، فتذهب في كامل أنوثتها متخلية عن وظيفتها الذكورية، عندئذ تفاجأ بأنه جزء من خطة عمل وضعها الضابط.

هذه المشاهد تأكيد من المؤلف على أمرين هامين، الأول أن المرأة مهما توّجت في مناصب قيادية لا يمكن أن تغلق بابها تجاه الحب، والثاني التأكيد على أن أنوثة المرأة لا تمنعها من تأدية بعض المهام الصعبة.

ومع أن المنتج حافظ على تقليد مذموم هو توظيف مطربي العائلة “السبكية” في الأعمال السينمائية بشكل دائم، لكنه كان موفقا أيضا في هذا الفيلم، فظهور المطرب الشعبي محمود الليثي كان خلال مشهد تنوي فيه الضابطة اقتحام شبكة للأعمال المنافية للآداب في أحد الملاهي الليلية، ما يجعلها تتنكر في زي فتاة ليل وتقوم بتقديم أغنية بصحبة المطرب الشهير.

كلل نجاح العمل المخرج سامح عبدالعزيز الذي يستحق أن يوصف بأنه مخرج الواقعية بين مخرجي جيله، فهو يلتمسها ويحللها في جميع أعماله التي مزجت بين الميلودراما والكوميديا في أحيان أخرى.

ويحسب للمخرج أنه لا يجذب جمهوره بإبهارهم بتفاصيل الصورة متناسيا العناصر الأخرى من الشخوص والأحداث، بل لأن العمل لديه لا يعدو أن يكون إلا منظومة كاملة، لا يوجد فيها ركن أهم من الآخر.

أخيرا سيظل فيلم “أبوشنب” صائدا للإيرادات بقوة، خصوصا مع حفاظه على الإطار الأسري الذي تتسم به أفلام ياسمين عبدالعزيز، كما أنه من المحبب أن تجد الجماهير نجمة تقدم الكوميديا وسط هذه المنافسة الذكورية.

16