يوم تاريخي في لبنان.. كشف حقيقة اغتيال رفيق الحريري يقترب

لاهاي – بدأت المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس محاكمة المتهمين الخمسة المنتمين إلى حزب الله في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، غيابيا مع كشف المحكمة معلومات عن تورط عناصر الحزب في عملية الاغتيال، يأتي هذا في وقت ساد فيه التوتر لبنان من جديد مع تزامن انعقاد المحكمة مع التفجير الذي استهدف مدينة الهرمل الواقعة تحت نفوذ حزب الله شرق لبنان قرب الحدود السورية، موقعا عددا من القتلى والجرحى.
أعادت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بلبنان، والتي شكلت للبحث في قضية اغتيال الحريري، التي هزت لبنان والمنطقة بأسرها، إلى أذهان اللبنانيين، الفترة الصعبة التي عرفها البلد بعد مقتل الحريري، الذي كان مقدمة لتنفيذ سلسلة من التفجيرات والاغتيالات التي استهدفت شخصيات وقياديين من تحالف 14 آذار المناهض لسوريا وحلفائها اللبنانيين.
وأثار اغتيال الحريري احتجاجا جماهيريا وسياسيا كبيرا، أدى إلى إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان التي تدعمها الأمم المتحدة والغرب، للكشف عن الحقيقة بعد مطالبة اللبنانيين بتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين المسؤولين عن عملية الاغتيال.
الجلسة الأولى
افتتحت المحكمة الجنائية الخاصة بلبنان في مدينة لايدسندام الهولندية جلستها الأولى، بكلمة رئيس المحكمة ديفيد باراجوانت الذي استعرض المراحل التي ستتخللها جلسات المحاكمة، مؤكدا أن المحكمة ستطبق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة، وأن الشهود بإمكانهم عرض الأدلة أمام المحكمة.
|
ثم عرض رئيس غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدوليّة القاضي دايفيد ري، الجرائم الموجّهة إلى المتّهمين وتمت تلاوة القرار الاتهامي بحق المتهمين الأربعة من أصل خمسة وهم : سليم عيّاش ومصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي، وأسد صبرا “بارتكاب عمل إرهابي باستعمال مواد متفجرة وقتل الحريري و21 شخصا آخرين ومحاولة قتل 226 شخصا آخرين عمدا”.
وحسب نص الاتهام فإن بدر الدين وعياش كانا “عضوين بهذه المؤامرة وشريكين في ارتكاب الجريمة”، أما عنيسي وصبرا فمتهمان كـ”متدخلين” في جريمة اغتيال الحريري.
التخطيط المدبر والمحكم لاغتيال الحريري، كان واضحا ومكشوفا بعد تنفيذ العملية، وهو لم يكن مستعصيا اخفاؤه، وهذا ما صرح به مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نورمان فاريل، الذي كشف أن هناك جهات داخلية وخارجية خطّطت لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري.
مراحل تنفيذ عملية الاغتيال
قال فاريل إنه “رغم جهود المرتكبين في إخفاء تورّطهم في هذه الجريمة، إلا أن الحقيقة لا تحتجب”، لافتاً إلى أن “هناك جهات داخلية وخارجية خطّطت لاغتيال الحريري”.
|
وسرد المدعي العام في معرض حديثه مراحل عملية الانفجار في 14 فبراير 2005 عارضا صورا عن الانفجار وما بعده، لافتا إلى أن المتهمين بدر الدين وعياش، أعدا ونفذا اعتداء 14 فبراير، أما المتهمان صبرا وعنيسي فعاونا في التنفيذ، مشيرا إلى مراقبة مكثفة للحريري قبل 3 أشهر من الاعتداء أشرف عليها بدر الدين مع عياش ونسّق أيضا الإشراف على إعداد المسؤولية مع المتهم الخامس حسن مرعي. وأضاف أن عياش نظّم مراقبة الحريري اليومية وشراء شاحنة الفان التي تم تفجيرها.
وأوضح أن صبرا شارك في “إيجاد شخص عُرف لاحقا باسم أبي عدس" الذي استدرجه عنيسي إلى استخدامه لإعلان المسؤولية عن اغتيال الحريري. وقال فاريل:”ستكون القضية ضد المتهمين معقدة والادعاء ينوي الاستناد إلى شهادات خبراء وكاميرات مراقبة”، مضيفا أن الأدلة التي تتضمن شبكة هواتف مغلقة ستتناول طبيعة الاعتداء وأسلوبه.
و كان الانفجار الذي استهدف الحريري حسب ممثل الادعاء ناجما عن عبوة تبلغ زنتها 2 طن من مادة الـ”RDX” شديدة الانفجار والتي وضعت فوق سطح الأرض، لافتا إلى أن فحوصات الحمض النووي بيّنت أن الأشلاء التي وجدت في مكان التفجير لا تعود لأحمد أبو عدس الذي ظهر في الفيديو معلنا مسؤوليته عن التفجير. وأوضح ممثل الادعاء أن الفيديو الذي تم عرضه مباشرة بعد التفجير لأبي عدس والذي تبنى العملية كان لتشويه الحقائق وهو مزور، حيث أثبتت مقارنة الحمض النووي لأبي عدس وعائلته أن الأشلاء التي وجدت في مكان التفجير لا تتطابق معه. وعرض بشكل مفصّل أدلة الاتصالات التي تحدد سير المكالمات الهاتفية على الهواتف النقالة بين المتهمين خلال فترة مراقبة تحركات الحريري ويوم الاغتيال.
وأشار إلى أن الأدلة مفصلة وتنقسم إلى 3 فئات، وهي “أدلة ستكشف النقاب عن التحضيرات للاغتيال التي استمرت أربعة أشهر ونصف الشهر”. لافتا إلى أن منفذي الجريمة تركوا أدلة لتضليل التحقيق واستخدموا شبكات اتصال داخلية للتفجير.
و من المعلومات التي استعرضها المدعي العام أن بدر الدين استخدم 13 هاتفاً بينما استخدم عياش 11 هاتفا خلال التحضير لعملية الاعتداء، وبرهنت على ذلك النصوص النصية المرسلة عبر هذه الهواتف ومكان الهواتف الجغرافي لحظة استعمالها، وهي تعود للمتهمين”.
واستخدم صورا ومقاطع فيديو أخذت من كاميرات المراقبة في المباني المحيطة لموقع التفجير. كما تم استخدام مجسّم للمنطقة وضع داخل قاعة المحكمة. ودعا القضاة والمحامين إلى وضع سماعاتهم لسماع صوت الانفجار المسجّل، مشيرا إلى أن مركز الهزات الأرضية في حينه لفت إلى حصول “موجات صدم مفاجئة وعنيفة” لحظة الانفجار.
ولقد شهدت المحاكمة حضورا إعلاميا لبنانيا وعربيا ودوليا كثيفا، بالإضافة إلى حضور العديد من الشخصيات السياسية، أبرزها رئيس وزراء لبنان السابق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري والنائبان اللبنانيان مروان حمادة وسامي الجميل.
وكان حضور سعد الحريري نجل رفيق الحريري واردا جدا لمتابعة مراحل المحكمة التي تهتم بالكشف عن حقيقة اغتيال والده، بعد 9 سنوات، والذي صرح من أمام مقر المحكمة بأن انطلاق أعمال محاكمة المتهمين باغتيال والده هو “يوم تاريخي بامتياز، مشددا على أنه يطلب العدالة والقصاص لا الثأر والانتقام، وتطرق إلى موقف حزب الله مشيرا إلى أن حماية عناصر حزب الله الخمسة المتهمين لم تعد تنفع.
ويرفض حزب الله تسليم عناصره المتهين الخمسة في اغتيال الحريري، وأثارت حماية الحزب لهم انتقادات واسعة في صفوف اللبنانيين والمسؤولين الذين وصفوا هذه العملية بأنها تأتي في سياق عرقلة التحقيق.
موجة جديدة من العنف