"ويفيكس" شركة ناشئة في تونس تطيل عمر الأجهزة الإلكترونية

تونس - في حي شعبي بتونس العاصمة، يعمل صبري شريحة مع فريقه من الفنيين الماهرين في ورشة صغيرة لكنها فريدة من نوعها، فلا شيء يُستغنى عنه من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية القديمة التي تُجمع بعناية، ثم تُصلح ويُعاد تدويرها لتعود إلى الحياة من جديد.
هذه الورشة ليست مجرد مركز صيانة، بل هي جزء من مشروع مبتكر في تونس يهدف إلى تقليص النفايات الإلكترونية وتحقيق تأثير بيئي واجتماعي إيجابي. وأصبح مشروع “ويفيكس”، الذي أسسه شريحة في منتصف عام 2022، في فترة قصيرة واحداً من أبرز الأمثلة على الاقتصاد الدائري في المنطقة.
وتعد النفايات الإلكترونية من أبرز المشاكل البيئية التي تواجه تونس في الوقت الحالي، وفقاً للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، حيث تنتج تونس سنوياً حوالي 100 ألف طن منها، وتحتوي على مواد خطرة مثل الزئبق والرصاص ومثبتات اللهب التي تشكل تهديداً حقيقياً على البيئة وصحة الإنسان. لكن على الرغم من هذه الأرقام الكبيرة، لا توجد مراكز متخصصة في تجميع هذه النفايات أو إعادة تدويرها بشكل
فعال.
◙ النفايات الإلكترونية تعد من أبرز المشاكل البيئية التي تواجه تونس التي تنتج سنوياً حوالي 100 ألف طن
صبري شريحة، هو شاب في الثانية والأربعين من عمره، اكتشف هذه الفجوة وقرر أن يساهم في حلها من خلال “ويفيكس”. ويقول شريحة بعد أن تكونت لديه، الخبرة لأكثر من 10 سنوات في شركة متخصصة في آلات البيع الأوتوماتيكية: “شعرت بأن الوقت قد حان ليستقل بذاته”. وفي خضم جائحة كوفيد- 19، قرر أن يأخذ بزمام المبادرة، وأطلق مشروعه الخاص.
وتابع قائلا: “في ذلك الوقت، كان هناك طلب كبير على خدماتي، من قبل أصحاب المقاهي مثلا لإصلاح آلات القهوة الخاصة بهم، انطلاقا من خبرتي في آلات البيع الأوتوماتيكية. ومنذ ذلك الحين، اكتشفت أن الطلب يتزايد وأن مجال الإصلاح يمكن أن يكون سوقا مزدهرة،” على حد تعبيره.
في حديثه لوكالة تونس إفريقيا للأنباء يقول: “في تونس، هناك نحو 8 ملايين جهاز كهربائي منزلي و9 ملايين هاتف محمول، لكن لا توجد خدمة كافية لجمع هذه الأجهزة التالفة وإعادة تدويرها بشكل صحيح“.
وتسعى “ويفيكس” إلى تحقيق ما هو أبعد من مجرد تصليح الأجهزة. الشركة تهدف إلى تغيير الأنماط الاستهلاكية في تونس عبر تشجيع الناس على إصلاح أجهزتهم القديمة بدلاً من شراء جديدة، مما يقلل من النفايات ويساهم في الحفاظ على البيئة. بالإضافة إلى ذلك، توفر “ويفيكس” أجهزة معاد تدويرها بأسعار منخفضة تصل إلى 60 في المئة مقارنة بالأجهزة الجديدة.
يتمكن العملاء من الاستفادة من خدمات هذه المؤسسة الرائدة عبر منصة رقمية سهلة الاستخدام. تتيح هذه المنصة للمستخدمين في تونس، بنزرت، ونابل تسجيل معلومات عن الجهاز التالف ونوع العطل، ومن ثم يأتي فريق من الفنيين المتخصصين إلى منزل العميل في أقل من 48 ساعة لإصلاح الجهاز أو جمعه لإعادة تدويره. كما تتيح المنصة للعملاء التبرع بأجهزتهم التي لا يمكن إصلاحها للاستفادة من قطع غيارها.
من خلال هذه المبادرة، تمكّن “ويفيكس” من تجنب تراكم كميات ضخمة من النفايات الإلكترونية. في عام 2023، تمكنت الشركة من تفادي تراكم 20 طناً من النفايات، فيما يتوقع أن يصل الرقم إلى 120 طناً في عام 2025. ويقول شريحة: “عندما نتحدث عن النفايات التي تم تفاديها، نحن نتحدث عن صنع غسالة جديدة تزن حوالي 50 أو 60 كيلوغراماً، والتي تحتاج إلى أكثر من طن من المواد، لذلك لدينا تأثير بيئي مزدوج“.
وعلى الرغم من النجاح المبكر الذي حققته “ويفيكس”، إلا أن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود. يعترف شريحة بأن البداية كانت صعبة، حيث كان يواجه تحديات مالية ولوجستية كبيرة، لكن مع استمراره في العمل وبحثه عن مصادر تمويل، حصل على دعم من مختبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس، مما مكنه من الحصول على المساعدة المالية والإرشاد اللازم لتطوير مشروعه.
وفي سبتمبر 2021، حصلت “ويفيكس” على علامة “ستارت اب أكت” من وزارة تكنولوجيات الاتصال، وهي علامة تقدير للمشاريع المبتكرة.
ومع ارتفاع معدل التضخم في تونس، أصبح الحفاظ على القدرة الشرائية للعديد من الأسر تحدياً حقيقياً. لذلك، وترى “ويفيكس” أنها تقدم خدمة قيمة للمجتمع من خلال بيع الأجهزة المُجددة بأسعار معقولة، وهو ما يجعلها الخيار الأمثل للكثير من العائلات التي لا تستطيع شراء الأجهزة الجديدة بسبب ارتفاع الأسعار.
على الرغم من أن “ويفيكس” بدأت في تونس، إلا أن خططها المستقبلية تشمل التوسع إلى دول أخرى في منطقة المغرب العربي، حيث تأمل الشركة في أن تصبح نموذجًا يحتذى به في إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية في المنطقة.
يقول شريحة: “نحن لا نقتصر فقط على إصلاح الأجهزة، بل نهدف إلى تغيير الثقافة الاستهلاكية في المجتمع التونسي والمنطقة بشكل عام. نحن نؤمن بأن الاقتصاد الدائري هو الطريق الأمثل لتحقيق استدامة بيئية واقتصادية“.
ويختتم حديثه قائلاً، “نسعى لأن نكون جزءًا من الجهود العالمية للحد من النفايات الإلكترونية والحفاظ على البيئة، ونأمل أن نتمكن من إحداث فرق حقيقي في تونس وفي بلدان المغرب العربي“.