وهم الدولة العصرية في الجزائر

الكيان السلطوي في صيغته الجزائرية لا ينطبق عليه مفهوم الدولة الحديثة لأن مضمون الحكم في الجزائر مؤسس على الفرد الحاكم وعلى العصبية الجهوية، وليس على فكرة الوطنية الديمقراطية الجامعة.
الخميس 2018/07/05
الحاضر الغائب

تقدم الاثنين الماضي كل من رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح ورئيس المجلس الوطني الشعبي (الغرفة السفلى) السعيد بوحجة بمناشدة جديدة ألحا فيها على الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بأن يستمر في حكم البلاد والترشح للعهدة الخامسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري في عام 2019، وبهذه المناشدة الثنائية الصريحة يكتمل كورال مناشدات رؤساء أحزاب الموالاة ومؤسسات وأجهزة النظام الحاكم في الجزائر، وهو ما يعني أن الرئاسيات القادمة قد قضي أمرها بصفة نهائية، ولم يعد هناك أي أمل في تداول الحكم في الجزائر وإبعاد شبح الرجل الواحد الذي يحكم حتى الموت.

ومن الملفت للنظر هو أن هؤلاء المناشدين يجمعون في تدخلاتهم ومناشداتهم على وصف الرئيس بوتفليقة بالرجل العصري، ثم يصرون على القول بأنه قد بنى الدولة الجزائرية العصرية منذ توليه الحكم إلى يومنا هذا. ولا شك أن هذه الادعاءات الجوفاء، الصادرة عن شخصيات معروفة بتكوينها الثقافي العادي والغارق في التقليدية، توحي بشيئين سلبيين وهما أن مفهوم الدولة العصرية محشو بالضباب في أذهان الجماعة الحاكمة في الجزائر لأنه غير موجود كبنية معرفية في نسيج الثقافة السياسية الجزائرية السائدة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا من جهة، وأن لعبة الرئاسيات القادمة قد تمَ تخيطها مسبقا من جهة أخرى. حيث ينتظر فقط أن يحرك النظام الحاكم في الجزائر آلية سيناريو اعتاد عليه على مدى سنوات طويلة وهو اختيار مجموعة من المرشحين من الدرجة السفلى في الانتخابات الرئاسية، سيلعبون دور الكومبارس من أجل التحايل على الرأي العام الوطني الجزائري ولإضفاء شرعية شكلية على الانتخابات الرئاسية.

ينبغي عرض مزاعم كل من رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح ورئيس المجلس الوطني الشعبي (الغرفة السفلى) السعيد بوحجة التي لا تستند إلى أي حقيقة لها وجود مادي ملموس في الواقع الجزائري. ففي خطابه الذي وجهه لأعضاء البرلمان الجزائري الاثنين الماضي وعممته مختلف وسائل الإعلام الجزائرية وخاصة المتواطئة مع النظام الجزائري قال عبدالقادر بن صالح إن كل “الأسباب والعوامل تدفع أعضاء مجلس الأمة بأغلبيتهم الواسعة إلى دعوة قائد المسيرة عبدالعزيز بوتفليقة إلى مواصلتها.. فهو الرجل الذي عزز أركان الدولة العصرية ودولة المؤسسات”. أما السعيد بوحجة فقد قال إن “الجزائر دولة سيدة بمؤسسات شرعية وتعتبر بشهادة المختصين استثناء عربيا وأفريقيا في الاستقرار والتنمية وبناء الديمقراطية”.

من الواضح أن مزاعم هذين الرجلين تدحضها الوقائع ذات الصلة بالوضع الجزائري الذي لا يتوفر فيه النموذج الكلي لمعمار الدولة العصرية بمقوماتها الصناعية الحديثة، والتنظيم الأكثر تطورا للمجتمع ككل وخاصة المجتمع المدني وما يدعى بالفضاء العمومي. وفضلا عما سبق ذكره، فإن ادعاءات هذين المسؤولين لا تستند إلى أي نظرية للدولة العصرية التي تعرفها الدول الديمقراطية الحديثة في عالمنا الحديث. وفي الحقيقة فإن إدعاء رئيس مجلس الأمة الجزائري أن الرئيس بوتفليقة قد عزز أركان الدولة العصرية ليس صحيحا، لأن الحكم في الجزائر، سواء في عهد بوتفليقة أو في الفترات السابقة، لم يتأسس على القواعد الأخلاقية والتنظيمية والثقافية التي تعمل بها الدولة العصرية والحديثة، وهكذا ينبغي لنا أن نواجه الحقيقة بالقول إن الكيان الجزائري منذ الاستقلال إلى اللحظة الراهنة هو كيان سلطوي يتحكم فيه الفرد الدكتاتور أو الشلة المعزولة والعازلة، وجراء ذلك فهو مجرد شكل لا يتجاوز ما ينعت غالبا بحكومة بيروقراطية يعينها العسكر من وراء الستار، وتحصر مهمتها في تصريف الأعمال وفق مقاس مصالح الجماعات التي تحكم البلاد.

هذا الكيان السلطوي في صيغته الجزائرية لا ينطبق عليه مفهوم الدولة الحديثة لأن مضمون الحكم في الجزائر مؤسس على الفرد الحاكم وعلى العصبية الجهوية، وليس على فكرة الوطنية الديمقراطية الجامعة.

بناء على هذا التشخيص، فإن مفهوم الدولة العصرية غائب عن التجربة السياسية الجزائرية سواء قبل أو بعد مجيء الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم. وهنا يمكن تفنيد ادعاءات عبدالقادر بن صالح والسعيد بوحجة بأن الرئيس بوتفليقة تمكن من بناء الدولة العصرية في الجزائر، لأن مقومات هذه الدولة العصرية لا وجود لها في الجزائر التي تنتمي إلى العالم الذي تخبط في التخلف بكل عناصره المادية والثقافية والتربوية، والغارق في الفساد المالي والإداري والأخلاقي.

9