وما به بسكويت ماري أنطوانيت

ها هو اتفاق الحبوب في البحر الأسود يوضع على الرف. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا منذ إعلان تعليق الاتفاق كي تطلعنا وسائل الإعلام على ردود فعل العالم. الكثير من الدول تأكل خبزا من حقول القمح الروسية والأوكرانية. جرّب العالم زيادة سعر هذه المادة ومشتقاتها وكان الجوع قد لاح في الأفق قبل عام. لدول “تنتج” البشر ولا تنتج ما يسد رمقهم، تبدو الأمور غير مبشرة. وبدخول الحر والجفاف وقلة توريدات الأسمدة على الخط تكون عاصفة الجوع قد جمعت كل عناصرها وتستعد للضرب.
لدينا الكثير من الحلول البديلة على ما يبدو. لنبدأ أولا بمقترح ملكة فرنسا “مقصوفة الرقبة” ماري أنطوانيت. ينسب إليها حين ثار الباريسيون أنها قالت “إذا لم يجدوا الخبر، فليأكلوا البسكويت”. يرى عدد معتبر من المؤرخين أنها لم تقل ذلك وأن نسب المقولة إليها من تبريرات قطع رقبتها ورقاب بقية أفراد عائلتها المالكة خلال الثورة الفرنسية. ملوك ذاك العهد كانوا حمقى، ولكنهم لم يكونوا مجانين. ثم إن البسكويت ليس أغلى فقط، بل يحتاج إلى سكر وطحين وحليب وربما البيض لكي يتم إعداده. السكر، في ذلك العصر، كان سلعة نادرة. الاستعمار البريطاني بشكل خاص والاستعمار الأوروبي بصفة عامة للعالم الجديد ما كانا ليحصلا لولا زراعة قصب السكر والتبغ هناك. وما كان الرق لينتشر لولا صناعة السكر.
البسكويت إذًا ليس مطروحا كبديل. نحتاج إلى بدائل إجرائيّة أكثر ومتوفّرة. ماذا عن الخضروات؟ الجميع يتحدث عن فوائد الخضروات الصحية، وأنها أفضل في كثير من النواحي، وطازجة وتتضمّن السعرات والفيتامينات… وعد ولا تبخل. إذا هو الخيار والخس والكوسة والباذنجان بدلا من الخبز، أم هي البطاطا؟ لم نقرر بعد. لكن الطازج يتلف بسرعة ويحتاج إلى التخزين والتبريد والنقل السريع. النقل يعني كلفة إضافية، لأن على عكس القمح والأرز، الخضروات لا تحتمل التكوّم فوق بعضها البعض. الحبوب الجافة نعمة لم نخترها بالصدفة بل بعد تقليب الكثير من الخيرات على مدى آلاف السنين. ما نعوضه في السعر بالاستيراد من دول منشأ غير روسيا وأوكرانيا، سنخسره وقودا وكهرباء وصناديق خزن وشحنا وسباقا مع الزمن للأكل قبل التلف.
ماذا عن نصيحة أجدادنا البدو؟ الحليب واللبن والزبدة، وما تعلمه أهل المدن من إعداد للأجبان. التخزين غير ضروري تماما، وهي مهمة الماشية التي تتجول معك وتنتج عند الحاجة. لكن هذه الماشية كانت تطعم عائلة كبيرة أو قبيلة صغيرة وليست مهيأة لإطعام مدينة مليونية مثل القاهرة، لبنا وجبنا. الألبان صناعة اليوم، ولم تعد كما كانت. وكل مشاكل الخضروات ستصاحب الألبان، أضف إليها رعاية الماشية صحيا وغذائيا. ماشيتنا أيضا تشاركنا أكل القمح والشعير وما عادت المراعي التقليدية تكفيها. وكلما هربنا إلى خيار، اصطدمنا بأنه أغلى وأكثر صعوبة وكلفة.
هكذا، كلما حاولنا الخروج من أزمة “العيش” أو الخبز أو الغذاء الذي يعتمد على الحبوب، عدنا إلى البسكويت. فمقارنة مع كلفة كمية الوقود المستخدمة لنقل الخضروات، لا يبدو مقترح ماري أنطوانيت سيئا تماما، ومن ثم علينا العودة إلى القمح والشعير والأرز. إذا لم يتوفر البسكويت، ستبدو خياراتنا أضيق. “إذا لم يجدوا الخبز، فليأكلوا من خبز خباز آخر أو قمح أسترالي أو كندي”.