ولاية رئاسية ثالثة لشي جين بينغ مليئة بالتحديات

إدارة الخصومة المتصاعدة مع الغرب وتعافي الاقتصاد الصيني أبرز العناوين.
السبت 2023/03/11
قبضة من حديد

يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ ولاية ثالثة لمدة خمس سنوات مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية التي فرضتها المتغيرات على الساحة الدولية. فعالم ما قبل فايروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا ليسا مثل ما بعدهما.

بكين - فاز الرئيس الصيني شي جين بينغ بفترة رئاسية ثالثة مدتها خمسة أعوام، خلال جلسة للبرلمان الجمعة، في سابقة لم تحدث من قبل، ليحكم قبضته على السلطة، في وقت تواجه فيه الصين تحديات متزايدة في الداخل والخارج.

وصوت البرلمان الصيني، المؤلف من قرابة ثلاثة آلاف عضو، بالإجماع في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين على انتخاب شي (69 عاما) في انتخابات خلت من أي مرشح آخر.

ويمدد شي، الذي دفع الصين صوب حكم أكثر سلطوية منذ توليه منصبه قبل عقد، فترة ولايته وسط خصومة متصاعدة مع واشنطن والغرب حول تايوان، ودعم بكين لروسيا، وتحديات مرتبطة بالاقتصاد وحقوق الإنسان.

تحديات الداخل

الاستياء المنتشر على نطاق واسع من إستراتيجية القضاء على الفايروس، والرقابة ذات الصلة، سيؤدي إلى إثارة أكبر احتجاجات عامة منذ سنوات

من أكثر التحديات إلحاحا في مجابهة بكين، مواجهة فايروس كورونا، فقد وضع شي الصين في الزاوية بسياسته الخاصة بـ”عدم انتشار الفايروس”، التي تعتمد على عمليات الإغلاق المحلية والقيود الصارمة لوقف تفشي المرض، لكن سياسته الآن تخنق الاقتصاد وتحبط المواطنين الذين يعيشون تحت التهديد المستمر بالحجر الصحي.

كما أن الخروج من سياسة “عدم انتشار الفايروس” سيؤدي إلى ازدحام المستشفيات ومئات الآلاف من الوفيات، وسيسبب اضطرابا اجتماعيا واقتصاديا أكبر من ذلك الناتج عن الإغلاق المتدرج والقيود التدخلية الأخرى.

ويتوقع مراقبون استمرار التوتر في إطار سياسة مكافحة كورونا، بين الحكومتين المركزية والمحلية، إذ تدعو الحكومة المركزية إلى اتباع نهج أكثر دقة، مع اختبار منتظم ومتطلبات إدارية مبسطة وتقليل أوقات الحجر الصحي، لكن الحكومات المحلية هي التي يجب أن تمول هذا وتتحمل المسؤولية إذا تصاعد تفشي المرض، في حين تميل المحليات إلى استخدام الإنفاذ التقديري، إذ سيكون التنفيذ على أرض الواقع أكثر صرامة من المبادئ التوجيهية المركزية. وقد تطلق الحكومة أيضا مناطق تجريبية للانفتاح، فيما قد يؤدي الانفتاح المفاجئ إلى ارتفاع في النشاط الاقتصادي من شأنه أن يعرض مستويات التضخم المستقرة في الصين للخطر.

ويتوقع المراقبون أن الاستياء المنتشر على نطاق واسع من إستراتيجية القضاء على الفايروس، والرقابة ذات الصلة، سيؤدي إلى إثارة أكبر احتجاجات عامة منذ سنوات، إذ إن مظالم النظام الصيني، بما فيها سياسات التعامل مع الجائحة، يمكن أن تجعل المواطنين يائسين وأكثر ميلا إلى المخاطرة. ورغم أن نظام شي ليس في أزمة بعد، فإن خطر عدم الاستقرار السياسي أعلى مما كان عليه في أي وقت منذ عقود.

من المتوقع أن تنخفض الصادرات، بينما ستبقى الواردات دون تغيير

ويواجه الاقتصاد الصيني صعوبات، فقد أصبح الاقتصاد مترهلا، حيث كان النمو أبطأ مما كان متوقعا في عام 2022 وسيستمر على هذا المنوال في 2023 إذا واصلت الحكومة مسارها الحالي، إذ يكافح الشباب، بمن فيهم خريجو الجامعات، للعثور على وظائف، بالإضافة إلى أن سوق العقارات، التي تدعم قسما كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي، تمر بأزمة. كما أن في ظل عمليات الإغلاق وقيود السفر، تتعطل سلاسل التوريد وتضعف الثقة. وعلاوة على ذلك، رسم الرئيس شي صورة أكثر اشتراكية، واقتصادا تسيطر عليه الدولة، إذ إنه يعتقد أن الحزب يجب أن يكون له رأي أكبر في كيفية إدارة الأعمال، ما أبطأ وتيرة الابتكار وقلل ديناميكية القطاع الخاص.

ومن المرجح أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.0 في المئة، فيما سيتخلف الاستثمار عن نمو الاقتصاد الكلي في ضوء التوترات الجيوسياسية المتزايدة التي تلقي بظلالها على المستثمرين من القطاع الخاص. وسيظل قطاع الدولة هو المحرك الرئيسي للاستثمار، وستتحدد استثماراته من خلال أهداف السياسة. وسيضيف هذا بعض الدعم إلى رقم الاستثمار الرئيسي، الذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 3.9 في المئة.

أفضل ما يمكن أن يأمله شي هو ثني الدول الفردية عن التوافق الكامل مع الجهود الأميركية لكبح الصين

ومن المتوقع أيضا أن تنخفض الصادرات، بينما ستبقى الواردات دون تغيير، إذ تواجه أسواق التصدير الرئيسية في الغرب خطر الركود نتيجة للحرب في أوكرانيا. وستستمر الاحتكاكات التجارية مع الولايات المتحدة في إحداث اضطراب، بينما يؤثر ضعف الطلب المحلي على الواردات، إذ إن توقف إصدار جوازات سفر جديدة للمواطنين الصينيين، جنبا إلى جنب مع متطلبات الحجر الصحي للمسافرين الوافدين، والقلق بشأن المخاطر الصحية للسفر إلى الخارج، كل ذلك سوف يعيق تدفقات السياحة الخارجية، ما يضعف التجارة في الخدمات مقارنة بما قبل الوباء.

وتشير تقارير إلى أن معدل البطالة هو الأعلى بين جيل الشباب، إذ يبلغ 17.9 في المئة بين الفئة العمرية من 16 – 24 سنة في أكتوبر 2022، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 5.5 في المئة.

وتواجه الصين أيضا مشكلة في التركيبة السكانية، ففي الثمانينات فرض قادتها سياسة الطفل الواحد. وكان الاعتقاد آنذاك بأن السكان ينمون بسرعة كبيرة. ولكن الآن يخشى القادة العكس، ففي عام 2023، من المحتمل أن يبدأ عدد سكان الصين البالغ 1.4 مليار نسمة حاليا، في الانكماش، وستتجاوزه الهند باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم.

ولسنوات، كانت نسبة كبار السن في الصين في ارتفاع، في حين أن القوى العاملة تتراجع. وقد أدى ذلك أيضا إلى التأثير على النمو الاقتصادي ووضع عبئا ثقيلا على كاهل الشباب. وفي عام 2015، تحولت الصين إلى سياسة الطفلين. وفي عام 2021 سُمح بثلاثة أطفال، لكن لا يبدو أن الشباب يريدون أسرا كبيرة، إذ إن متوسط عدد المواليد لكل امرأة أقل بكثير من المطلوب للحفاظ على استقرار السكان، ناهيك عن النمو.

تحديات الخارج

Thumbnail

تواجه الصين مجموعة من التحديات على المستوى الخارجي من تايوان إلى الخلافات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب وحتى الجيران.

وتشير تقارير إلى وجود تكهنات بأن شي قد يهدف إلى ضم تايوان قبل نهاية ولايته الثالثة.

ومع ذلك، فإن استخدام القوة ضد تايوان في عام 2023 غير مرجح، ولذلك فإن وجهة النظر السائدة بين المحللين بشأن القدرات العسكرية للصين هي أنها لن تكون مستعدة للغزو حتى وقت متأخر من فترة ولاية شي الثالثة على أقرب تقدير، كما أن الصين قادرة بالفعل على ارتكاب أعمال عنف كبيرة دون الغزو، لكن الثمن الذي ستدفعه مقابل حصار أو قصف تايوان ربما يكون باهظا إلى درجة أنها لن تتحمل هذا الخطر ما لم تكن مستعدة لمتابعة الغزو إذا لزم الأمر.

وبحسب التقارير، فإن سيناريو الصراع الأكثر احتمالا هو قصف جزر تايوان المحصنة قبالة الساحل الصيني أو الاستيلاء عليها، ولكن من المحتمل أن يكون خطر التصعيد كبيرا إلى درجة أن الصين لن تخاطر به حتى تشعر بأنها جاهزة للمواجهة النهائية.

سيناريو الصراع الأكثر احتمالا هو قصف جزر تايوان المحصنة قبالة الساحل الصيني أو الاستيلاء عليها

كما أن من المرجح أن يكون التدخل في الشحن أو الحركة الجوية أكثر احتمالا، كما حدث في أغسطس 2022، عندما أعلنت بكين مناطق حظر للتدريبات بالذخيرة الحية ردا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، لذلك قد تكرر بكين بعض الإجراءات التي اتخذتها في أغسطس وتوسعها بشكل تدريجي، وقد تهدف إلى إنشاء خطوط أساس جديدة لما هو مقبول على أنه روتيني من أجل وضع الصين بشكل أفضل للمزيد من التصعيد لأنشطة المنطقة الرمادية، وفي نهاية المطاف، الهجوم الشامل على تايوان.

وفي علاقة بالولايات المتحدة، يرى محللون أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن تغير وجهة نظرها الأساسية بأن بكين هي المنافس الجيوستراتيجي الرئيسي لواشنطن، كما ستواصل واشنطن جهودها لمنع الصين من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية التي يمكن أن تساعد بكين في تحديث جيشها واقتصادها وربما توسع تلك الجهود.

وسيؤدي هذا إلى تقوية تصميم الصين على القيام بذلك على وجه التحديد، من خلال تأكيد اعتقاد الصين بأن واشنطن معادية وعدوانية بشكل أساسي، ما يجعل بكين في موقف دفاعي في المواجهة، إذ يعتمد النمو الاقتصادي والتنمية في الصين على الولايات المتحدة. ومنذ أن بدأت الحرب التجارية في عهد ترامب في عام 2018، ردت الصين على التحركات الأميركية، ولكن بطرق ليست تصعيدية وغالبا ما تكون غير متناسبة.

ومن المرجح أن يستمر هذا النمط، حيث تركز الصين جهودها على بناء المرونة وتجنب إثارة إجراءات أميركية أكثر شدة.

اقرأ أيضاً: الصين في طريقها إلى كسب الحرب التكنولوجية مع الغرب
اقرأ أيضاً: الصين في طريقها إلى كسب الحرب التكنولوجية مع الغرب

وأهم العلاقات الثنائية للصين إلى جانب علاقاتها مع الولايات المتحدة، علاقاتها مع جيرانها الإقليميين، وفي مقدمتهم اليابان، وهي علاقات مدفوعة إلى حد كبير بالتحديث العسكري السريع للصين وأنشطتها تجاه تايوان وجزر سينكاكو / دياويو المتنازع عليها، إذ ستبدأ طوكيو برنامجا مدته 5 سنوات لتوسيع قدراتها العسكرية بشكل كبير، كما أن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ضعيف سياسيا وقد يحل محله خلف أكثر تشددا.

ويتوقع محللون أن يتجنب الرئيس شي والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول كل منهما استعداء الآخر دون داع، لكن يون يعمل على تحسين العلاقات مع اليابان، ويعيد إحياء التحالف الثلاثي مع واشنطن الذي ينظر إلى بيونغ يانغ وبكين كخصم له. ومن المرجح أن تقوم كوريا الشمالية باختبار سلاح نووي مرة أخرى العام المقبل. وستطالب واشنطن وحلفاؤها الإقليميون بكين باستخدام نفوذها المفترض على نظام كوريا الشمالية لثنيها، لكن لا يمكنهم تقديم القليل لبكين في المقابل.

ويتوقع المحللون أن تستمر الشكوك حول علاقات بكين مع الغرب الديمقراطي، حيث ستكون هناك المزيد من التحركات للتخفيف من المخاطر المختلفة التي تشكلها الصين. وسيختلف التوازن بين المشاركة والتحوط حسب البلد ومن حكومة إلى أخرى داخل كل بلد، لكن الاتجاه السلبي الواسع سيستمر، لأنه مدفوع بعوامل طويلة الأجل لا تستطيع بكين فعل أي شيء لتخفيفها على المدى القصير، إذ إن أفضل ما يمكن أن تأمله الصين هو ثني الدول الفردية عن التوافق الكامل مع الجهود الأميركية لكبح الصين.

6