وكلاء إيران يتوسعون بسرعة في كردستان العراق

توحيد قوات البيشمركة الكردية وخطط إصلاحها يواجهان عقبات تزيد من المخاطر الأمنية في كردستان العراق. ورغم انخراط الولايات المتحدة في عملية الإصلاح المعقدة إلا أن دورها لم يتعد تقديم المساعدة والإرشاد، وهي خطوات غير كافية.
أربيل - تشكل منطقة كردستان العراق التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تسيطر على شمال شرق العراق وتضم عدة ملايين من الناس، مصدرا حيويا للاستقرار في المنطقة، فهي تؤثر على العراق وسوريا وتقع عند مفترق طرق حاسم بين تركيا وإيران والدول العربية، ما يفرض تحديات أمنية.
وتحتاج أربيل إلى تعزيز وضعها الأمني حيث تواجه منطقة كردستان توسع وكلاء إيران بسرعة، وهو ما قد يشكل تحديا متزايدا للقوات الأميركية في المنطقة والعلاقات الأميركية الكردية.
ويرى المحلل السياسي زاك هوف في تقرير لمجلة ناشونال أنتريست الأميركية أن تعزيز الوضع الأمني في أربيل يستوجب الاستثمار في قوات البيشمركة الكردية التي لعبت دورا حاسما في الحرب ضد داعش.
وفي حديث أجراه مؤخرا نائب رئيس حكومة إقليم كردستان جعفر شيخ مصطفى، وصف فيه التحديات التي تواجه المنطقة، قائلا “إن العراقيل الوحيدة التي تواجههم الآن تتمثل في دعم الولايات المتحدة لكردستان”.
خلال إدارة ترامب، ظل الدعم للبيشمركة قويا حتى بعد هزيمة داعش الإقليمية في عام 2019، حيث تم إنفاق 249 مليون دولار في عام 2020 لضمان تلبية وحدات البيشمركة الموحدة
وأضاف شيخ مصطفى “إن إيران وتركيا ووكلاءهما الإرهابيين، والصين وروسيا، يوسعون قوتهم في كل فرصة… إنهم يريدون هذا المفترق”.
واليوم يبلغ عدد قوات البيشمركة نحو 150 ألف جندي، معظمهم يعملون بدوام جزئي. وهم متأثرون بشدة بالانقسامات في المنطقة، الأمر الذي أحبط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يرى المنطقة مجزأة سياسيا وغير راغبة في الإصلاح.
وعلى الرغم من هذا، فإن الدعم الأميركي المستمر ضروري للاستقرار في كردستان والمناطق المجاورة التي يهددها تنظيم داعش وغيره من الجماعات.
وعلى النقيض من الجمود في أوكرانيا والانسحاب الفوضوي من أفغانستان، كانت حرب داعش بمثابة انتصار نادر لسياسة الدفاع الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبالمقارنة بالجيش العراقي المنهك، فإن الاستثمار في الأكراد أسفر عن نتائج ساحقة.
وفي الفترة من 2003 إلى 2011، استثمرت الولايات المتحدة 92 مليون دولار لتطوير ثمانية ألوية من قوات البيشمركة، مقارنة بـ25 مليار دولار لـ109 ألوية عراقية.
وقض داعش على ربع القوات الفيدرالية العراقية بينما بقيت الوحدات الكردية التي ساعدتها الولايات المتحدة على حالها ولم يُقتل جندي أميركي واحد في الأراضي الكردية العراقية خلال حرب العراق.
ويتقدم الاستثمار في إصلاح قوات البيشمركة ببطء، حيث يقول اللواء هزار إسماعيل، أحد مؤسسي برنامج إصلاح البيشمركة لعام 2017 الذي تدعمه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وهولندا وهو الآن المستشار العسكري الأعلى لرئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، إن القضاء على الجنود الأشباح، الذين يتلقون رواتب دون الخدمة، هو هدف رئيسي.
وأقر الجنرال هزار بأن الشرق الأوسط مليء بمثل هذا الفساد، مشيرا إلى اعتراف العراق في عام 2014 بوجود 50 ألف جندي أشباح في الجيش العراقي، بتكلفة 380 مليون دولار سنويا. وهذا يفسر جزئيا لماذا تخلى أكثر من 30 ألف جندي عراقي عن الموصل لنحو 800 مقاتل من داعش في عام 2014.
والآن، نجحت مبادرة رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني “حسابي” لإيداع الأموال في البنوك في المنطقة في ضم “أكثر من 90 إلى 95 في المئة” من قوات الأمن الكردية منذ عام 2023.
ويؤكد الجنرال هزار أن نزع الطابع السياسي عن قوات البيشمركة هو أحد أصعب النقاط الخمس والثلاثين للإصلاح في مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يحصن القوة بشكل أفضل من الانقسام بسبب الضغوط الداخلية أو الخارجية.
وفي سبعينات وثمانينات القرن العشرين، حاربت الأحزاب الكردية النظام العراقي بشكل منفصل. وبدأت في التوحد بعد هزيمة صدام حسين في حرب الخليج الأولى عندما ولدت حكومة إقليم كردستان.
ومع ذلك، من عام 1994 إلى عام 1997، خاضت فصائل البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني حربا أهلية.
وأنهت الهدنة التي توسطت فيها واشنطن الصراع، لكنهم احتفظوا بوحدات أمنية منفصلة. وكان توحيد البيشمركة هدفا للولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
وفي عهد إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أنفق الكونغرس 289.5 مليون دولار على تدريب البيشمركة الموحدة للسنة المالية 2017. وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قفز هذا المبلغ إلى 365 مليون دولار.
وفي أكتوبر 2017، واجهت عملية توحيد البيشمركة انتكاسة، حيث تحول الجيش العراقي، مع قوات الحشد الشعبي التي ترعاها إيران، من محاربة داعش إلى استعادة كركوك الغنية بالنفط من الأكراد، ومعاقبتهم على استفتاء الاستقلال الذي أجروه قبل أسابيع.
وانهارت خطوط البيشمركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الجنرال الإيراني في الحرس الثوري قاسم سليماني أبرم صفقة مع بعض قادة الاتحاد الوطني الكردستاني للانسحاب، مما كشف عن أجنحة وحدات الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الأخرى.
وانقسمت بعض ألوية البيشمركة الموحدة على أسس سياسية لكنها بدأت في إعادة توحيدها بعد أشهر.
ويؤكد الجنرال هزار “يجب أن نتعلم من عام 2017… لا يوجد طريق للمضي قدما بدون توحيد”، مشددا على الحاجة إلى بناء الثقة وأن اليبشمركة تشمل “جميع الأقليات: الكردية واليزيدية والتركمانية والمسيحية. البيشمركة تدافع عنهم جميعا”.
وخلال إدارة ترامب، ظل الدعم للبيشمركة قويا حتى بعد هزيمة داعش الإقليمية في عام 2019، حيث تم إنفاق 249 مليون دولار في عام 2020 لضمان تلبية وحدات البيشمركة الموحدة “لمعيار لواء المشاة الخفيف الأميركي”.
ويوجد الآن ثمانية وعشرون لواء كرديا موحدا، مع إنشاء فرقتين واثنتين أخريين قيد التقدم.
وقال وزير البيشمركة شورش إسماعيل في مارس الماضي إنه يتوقع توحيد قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بحلول عام 2026.
ويرى هوف أن الولايات المتحدة يتعين عليها تغيير إستراتيجيتها لإصلاح البيشمركة حتى تنجح وأن تتولى زمام العملية.
ويشير أيضا إلى أن الولايات المتحدة يتعين عليها أن تكون صانعة القرار فيما يتصل بإصلاح البيشمركة، بدلا من مجرد الدعم الناعم مثل النصح والمساعدة.
ورغم خسارة الخلافة، لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديدا. ويحذر الجنرال هزّار من أن “تنظيم الدولة الإسلامية هُزم، لكنه لم يُدمَّر”.
وفي الحادي والعشرين من مارس، قال الجنرال مايكل كوريلا من القيادة المركزية الأميركية إن تنظيم الدولة الإسلامية يعيد تشكيل نفسه “بإرادة مهاجمتنا ومصالح الغرب في الخارج في غضون ستة أشهر فقط مع تحذير ضئيل أو بدون تحذير”. وفي اليوم التالي، قتل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان 145 شخصا في موسكو.
وتقدر قوة تنظيم الدولة الإسلامية بنحو 5000 إلى 7000 مقاتل. ويشير الأكراد السوريون إلى أن 10 آلاف من تنظيم الدولة الإسلامية نشطون في مناطقهم، مع 10 آلاف مقاتل آخر من تنظيم الدولة الإسلامية في مراكز الاحتجاز الخاصة بهم و50 ألف فرد من أفراد عائلات تنظيم الدولة الإسلامية في مخيم الهول.
وفي عام 2023، نفذ تنظيم داعش 177 هجوما في العراق، عادة ما كانت هجمات كر وفر على غرار حرب العصابات، واغتيالات، وتفجيرات.
وهم يزدهرون في حزام غير محكم من الأرض بين خط المواجهة العراقي وخط الأمن الكردي، وهو امتداد يبلغ طوله 560 كيلومترا من الحدود الإيرانية – العراقية، حول كركوك، إلى الحدود العراقية – السورية.
ويطغى على تهديد داعش حاليا وكلاء برعاية إيران في العراق وسوريا، حيث هاجمت هذه الجماعات القوات الأميركية أكثر من 170 مرة بين السابع عشر من أكتوبر والرابع من فبراير.
وفي يناير، قُتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن بهجوم بطائرة بدون طيار من المقاومة الإسلامية في العراق.
وأثناء اندلاع الاشتباكات، تمطر إيران وميليشياتها الطائرات بدون طيار والصواريخ على أهداف في إقليم كردستان.
وأصدر الكونغرس قرارا يقضي بحصول حكومة إقليم كردستان على الدفاعات الجوية لحماية القوات الأميركية والبنية الأساسية لحكومة إقليم كردستان بحلول الأول من يوليو. ويبدو أن عملية الاعتراض ما زالت متوقفة في انتظار موافقة بغداد.

ويقول الجنرال هزار إن على الرغم من تعهد بغداد بدفع رواتب البيشمركة، فإنهم غالبا ما ينتظرون شهورا للحصول على المدفوعات. ويحصل البيشمركة في المتوسط على “نصف راتب الجندي العراقي العادي”، حيث يحصلون على 400 دولار فقط عند الدفع، في حين يحصل الجنود العراقيون على أكثر من 800 دولار شهريا.
وتفتقر الموازنة التي تتلقاها وزارة البيشمركة من بغداد إلى الأموال اللازمة “لتطوير وتدريب وتجهيز أو تسليح” قوات الأمن الكردية.
ويقول الجنرال هزار “فهم في احتياج ماس إلى تكنولوجيات حديثة مثل طائرات الاستطلاع بدون طيار والقدرات المضادة للطائرات بدون طيار لتكملة ترسانتهم القديمة من الحقبة السوفييتية”.
وباتت استعدادات المهمة الكردية آخذة في الانحدار منذ أن أصبحت موارد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وبغداد بالكاد تغطي الرواتب.
وفي وقت سابق من هذا العام، انخفضت المنحة الأميركية للبيشمركة من 20 مليون دولار إلى 15 مليون دولار شهريا، وهو خفض سنوي مقرر وصفه البعض خطأ بأنه عقوبة على الإصلاحات البطيئة.
وتأتي التخفيضات في توقيت سيئ بالنسبة لحكومة إقليم كردستان لأنها تأتي بعد أن جمدت المحكمة العليا في العراق صادرات النفط المستقلة لحكومة إقليم كردستان، مما أجبرها على المساومة مع بغداد من أجل البقاء.
وتواجه حكومة إقليم كردستان عجزا حادا حيث توافق بغداد نظريا فقط على دفع جزء بسيط من مستحقاتها من عائدات النفط الوطنية ثم تتلقى المدفوعات على شكل أجزاء.
وفي الوقت نفسه، أضافت ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران 116 ألف مقاتل إلى صفوفها في العامين الماضيين، وفي عام 2023، خصصت وزارة الدفاع العراقية “2.6 مليار دولار للرواتب، وأكثر من 44.2 مليون دولار للمعدات، و5 ملايين دولار للخدمات، و10.7 مليون دولار لإصلاح المعدات”، للمجموعة.
وإذا رفضت بغداد المساعدات الأميركية مثل الدفاعات الجوية للأكراد، فقد تفكر الولايات المتحدة في التسليم المباشر أو تقليص المساعدات إلى بغداد، خاصة وأن الكثير منها ينتهي في أيدي القوات التي ترعاها إيران والتي تعارض المصالح الأميركية.
وتسعى حكومة إقليم كردستان إلى تحقيق اختراق. ففي هذا الشهر، قام رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بزيارة تاريخية إلى بغداد لأول مرة منذ ست سنوات في مهمة شاقة لعكس تآكل بغداد لاستقلال حكومة إقليم كردستان في مبيعات النفط والموازنة وهيكل البرلمان.