وقف تمويل الأونروا يصرف الانتباه بعيدا عن حكم محكمة العدل الدولية

القدس - يرى محللون أن توقيت الاتهامات الأميركية والإسرائيلية بأن موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) شاركوا في هجوم حماس على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر وهو ما يستوجب وقف تمويلها لم يكن من قبيل الصدفة، بل كان لصرف الأنظار عن قرار محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة.
وتقول مايراف زونسزين كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية إن “إسرائيل دأبت على بناء قضية ضد الأونروا منذ فترة طويلة وقالت قبل أسابيع إنها تريد خروجها التدريجي من غزة”.
وأضافت زونسزين ”بغض النظر عن صحة التهمة، فإن قرار مسايرة هذه الأخبار يبدو وكأنه محاولة لصرف الانتباه عن حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة”.
وجاءت ادعاءات الولايات المتحدة وإسرائيل بعد 24 ساعة فقط من تحذير محكمة العدل الدولية من أن سلوك إسرائيل في حرب غزة يهدد بارتكاب أعمال إبادة جماعية.
وأمرت المحكمة إسرائيل “باتخاذ تدابير فورية وفعالة لتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية المعاكسة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة”.
من خلال عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة غذت الدول الغربية حملة إسرائيلية يمكن أن تزيد من المعاناة في غزة
وتقدم وكالة الأونروا، التي تأسست عام 1949، خدماتها لأكثر من 5.6 مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة، من بينها القدس، إضافة إلى اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن.
ويمثل قرار تعليق التمويل رسالة سيئة إلى الفلسطينيين الذين يعانون حاليا من أوضاع صعبة بسبب الحرب، فكيف سيكون وضعهم إن توقف عمل الأونروا وتوقفت المساعدات المحدودة التي تقدمها للاجئين الذين يتجمعون بالآلاف في المدارس والمخيمات وفي بقايا البناءات المدمرة.
وتعاني الأونروا لجمع التمويل في السنوات الأخيرة، وزاد الأمر تعقيدا مع قرار الإدارة الأميركية السابقة خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب في عام 2018 بوقف تمويل واشنطن للوكالة قبل أن يعيده الرئيس الحالي جو بايدن.
والولايات المتحدة هي أكبر مموّل للأونروا، حيث بلغت قيمة تمويلها 340 مليون دولار في 2022 .
وانضمت إيطاليا وأستراليا وكندا وفرنسا لقائمة دول أعلنت تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. ولم تتبع جميع الدول الغربية خطى الولايات المتحدة وقد اختارت النرويج وأيرلندا نهجا أكثر توازنا.
وقال ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إن “عشرات الآلاف من موظفي المنظمة في غزة والضفة الغربية والمنطقة يلعبون دورا حاسما في توزيع المساعدات وإنقاذ الأرواح وحماية الاحتياجات والحقوق الأساسية”.
وأضاف “لا تعاقبوا أطفال غزة… هذا أمر متهور تماما”. وأضاف جان إيجلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين “علينا أن نعاقب المذنبين، وليس معاقبة سكان غزة بشكل جماعي”.
واتهمت إسرائيل موظفين في الأونروا بالمشاركة في هجوم حماس في 7 أكتوبر. ولم تنف المنظمة ذلك تماما وقالت إنها فتحت تحقيقا في الغرض.
وأشار المسؤول السابق في الأونروا ليكس تاكنبرج إلى أن المنظمة قد لا تشعر بالضائقة المالية إلا بعد عدة أشهر. وقال إن الأونروا من المحتمل أن تكون قد تلقت “مقدمات كبيرة” على الأموال المتعهد بها والتي ستبقيها واقفة على قدميها لبعض الوقت. وأضاف تاكنبرج “نأمل أن يكون التحقيق قد أظهر نتائجه بحلول ذلك الوقت”.
ويقول خبراء قانونيون إن تعليق تمويل الأونروا بناء على اتهامات خلل قانوني فادح وأن الدول التي أعلنت تعليق التمويل لم تنتظر نتائج التحقيق.
ومن خلال عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة غذت الدول الغربية حملة إسرائيلية يمكن أن تزيد من المعاناة في غزة وتعقيد الجهود الرامية إلى حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويعزز الرد الذي تقوده الولايات المتحدة على هذه الاتهامات حملة إسرائيلية طويلة الأمد ضد الأونروا، والتي تشكل جزءا لا يتجزأ من سياسة أوسع لتقويض وضع اللاجئين الفلسطينيين.
وتأمل إسرائيل في تقويض إصرار الفلسطينيين على حقهم في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة من خلال حرمان الكثير منهم من وضع اللاجئين الذي يعود تاريخه إلى قيام إسرائيل وحربي الشرق الأوسط في عامي 1948 و1967.
ويشير مراقبون إلى أن قرارات تعليق التمويل سياسية بامتياز ولم تتخذ بناء على أدلة ملموسة، وهو ما تؤكده تقارير إعلامية سابقة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخطط لإبعاد الأونروا بعد حرب غزة.
قرار تعليق التمويل يمثل رسالة سيئة إلى الفلسطينيين الذين يعانون حاليا من أوضاع صعبة بسبب الحرب، فكيف سيكون وضعهم إن توقف عمل الأونروا وتوقفت المساعدات المحدودة
ومثّل قرار محكمة العدل الدولية فرصة لتنزيل الخطة الإسرائيلية لطرد الأونروا من غزة حيز التنفيذ.
وأثارت المواقف الغربية حفيظة العديد من الدول العربية التي حذرت من خطورة وقف تمويل الأونروا.
وفي اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري سامح شكري مع المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني أكد شكري دعم مصر الكامل لدور الوكالة فيما تواجهه من تحديات، مشددا على الدور المحوري الذي تضطلع به وفق تكليفها الأممي في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وكذلك في ما يتعلق “بالجهد الإنساني الضخم الذي لا يمكن الاستغناء عنه في توفير الملاذ الآمن وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة في ظل تفاقم تأزم الوضع الإنساني في القطاع”.
وكان وزير الخارجية المصري أكد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القاهرة الأحد أن “الألفاظ التي استخدمت ضد موظفين بالأونروا لم تستخدم احتجاجا على مقتل 26 ألف فلسطيني”، في إشارة إلى ازدواجية المعايير في التعامل مع بعض القضايا وفقا لمحددات معينة.
وقال شكري “لا بد أن يكون هناك تحقيق في الاتهامات وليس استباقا للإدانة”، بينما شدد الأمير فيصل بن فرحان على الحاجة إلى قرار دولي إلزامي “لإيقاف العدوان على غزة”.
وقال الوزير السعودي “الأولوية هي لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة.. المطلوب إلزام إسرائيل بالقانون الدولي”. وأعرب عن رفضه “سياسة التجويع والحصار لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.