وفد أميركي في الجزائر لبث الروح في العلاقات الفاترة بين البلدين

استكمل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديفيد شينكر الخميس زيارته إلى الجزائر. وتأتي الزيارة في إطار مساع لبث الروح في العلاقات الثنائية التي شهدت فتورا في الآونة الأخيرة عبر تفعيل تعاون عسكري شامل، في ظل توجّس أميركي من تغيير الجزائر وجهة شراكتها الاستراتيجية نحو روسيا والصين، وهي قوى تزاحم نفوذ واشنطن في أفريقيا.
الجزائر - أجرى وفد أميركي هام مشاورات سياسية في الجزائر، الخميس، بهدف تفعيل العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي مرت بفترة فتور خلال الأشهر الأخيرة، حسب استنتاجات المتابعين.
ولم يمنع المرور السياسي الانتقالي في الولايات المتحدة مساعد كاتب الدولة للشؤون الخارجية المكلف بمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديفيد شينكر، من زيارة الجزائر، عشية الأوضاع السياسية الاستثنائية التي تعرفها واشنطن، بعد اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب، لمبنى الكونغرس.
وتناولت الزيارة العديد من القضايا والملفات المشتركة والأوضاع الإقليمية في المنطقة، في ظل التوتر المستمر في الشريط الحدودي للجزائر، وسعي واشنطن الدؤوب لوضع موطئ قدم لها في أكبر دول القارة السمراء.
ويرى مراقبون أن مسؤولي البيت الأبيض قد استشعروا، تداعيات الفتور الذي خيم على علاقات واشنطن مع الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، ولذلك تجري إعادة تفعيلها في توقيت حساس، في ظل بروز بوادر لدى الجزائر بتغيير وجهة شراكتها الاستراتجية نحو روسيا وتركيا والصين.
وذكر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، في تدوينة على حسابه الشخصي في تويتر، الخميس “استقبلت اليوم ديفيد شينكر، مساعد كاتب الدولة للشؤون الخارجية الأميركي، وكان اللقاء فرصة لإجراء تقييم شامل وصريح للعلاقات الثنائية بين البلدين، وتبادل وجهات النظر حول طبيعة الدور المنتظر من الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين الدولي والإقليمي في إطار الشرعية الدولية، لمواجهة التحديات الراهنة”.
وكان شينكر، قد بدأ الأربعاء زيارة إلى الجزائر تستمر يومين، بهدف تعزيز الحوار والتشاور بين الجزائر وواشنطن حول مسائل ثنائية وإقليمية ودولية ذات الاهتمام المشترك خاصة، والوضع في ليبيا ومالي والساحل الصحراوي بشكل عام.
وضمّ وفد شينكر في زيارته للجزائر، وزيرة القوات الجوية الأميركية باربارا باريت، التي أعربت عن استعداد بلادها لتفعيل التعاون العسكري مع الجزائر، نظرا إلى ما تحوزه من إمكانيات معتبرة وموقع استراتيجي في حوض المتوسط، كما كان ضمن الوفد قائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا الجنرال جيفري هاريغيان.
وتشمل زيارة الوفد الأميركي الإقليمية، كلّا من الأردن والمغرب الذي غادر إليه مساء الخميس من الجزائر، ولا يستبعد أن تكون العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب خلال الأسابيع الأخيرة، من ضمن محاور المشاورات الدبلوماسية التي يجريها المسؤول الأميركي، من أجل تخفيف وطأة السجال المتصاعد بين الطرفين.
ولا يستبعد محللون سياسيون، أن تكون جولة الوفد الأميركي، في سياق كسب أطراف جديدة لمسار التطبيع العربي – الإسرائيلي، لاسيما وأن الجزائر تعتبر من الدول التي لا تزال ترفض التطبيع مع تل أبيب.
تحرير الجيش الجزائري من القيد الدستوري حول مهامه خارج الحدود، محور اهتمام أميركي لبعث تعاون عسكري في المنطقة
وعرفت العلاقات الجزائرية الأميركية فتورا لافتا خلال المدة الأخيرة، وأعربت الجزائر عن انزعاجها من توجهات إدارة ترامب، عبر رسالة التهنئة المبكرة التي بعث بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، من المستشفى الذي أقام به في ألمانيا، إلى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
ولم تتوان الجزائر في الإعراب عن انزعاجها من المواقف الأميركية الأخيرة في المنطقة، عبر التلميح بالتوجه إلى تعميق شراكتها الاستراتجية والعسكرية والأمنية مع عواصم أكثر تفهما لمواقفها، في إشارة إلى الصين وروسيا وحتى تركيا، وهي قوى تزاحم النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية.
بموازاة ذلك، أجرت القيادة العسكرية الجزائرية الخميس، تعديلا على قيادة القوات الجوية، حيث أشرف قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، على تنصيب الجنرال محمود بن مداح، على رأس القوة المذكورة، خلفا للجنرال محمد العربي حولي.
وذكر شنقريحة، “أن الحفاظ على جاهزية قوام المعركة البحرية، كان وسيبقى مطلبا عملياتيا في غاية الأهمية بالنسبة إلى الجيش الجزائري من خلال تكوين العنصر البشري الكفء والمحترف، أو من خلال توفير التجهيزات العصرية واقتناء السفن المتطورة”.
وأضاف “إن التحديات التي يتعين على الجيش الجزائري رفعها، تستلزم من الجميع العمل دون هوادة، على الإحاطة بمقتضيات المسايرة الفعالة لكافة المستجدات والمتغيرات العسكرية المتسارعة، ذات الطابع الجيوستراتيجي والجيوسياسي”.
وكان الوزير الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي، ورئيس المركز الوطني للدراسات الاستراتجية (حكومي) الجنرال المتقاعد عبدالعزيز مجاهد، قد أجمعا في تصريحات منفصلة، على “ضرورة توجه الجزائر إلى علاقات استراتجية مع روسيا والصين، من أجل خلق توازن استراتيجي في المنطقة”.
وفيما لم يُرجّح أي شيء عن الأسباب الحقيقية لزيارة المسؤولين الأميركيين للجزائر، إلا أن المسألة توحي برغبة أميركية في تفعيل تعاون عسكري شامل مع الجزائر، وبعدما كان التوجّه مركزا على المجالات الجوية والبرية والاستعلاماتية وموجها إلى عمق الصحراء الأفريقية، يبدو أن واشنطن تبدي اهتماما مفاجئا بالوضع الأمني في حوض المتوسط.
كما لا يستبعد أن تكون مسألة تحرير الجيش الجزائري من القيد الدستوري حول مهامه خارج الحدود، محور اهتمام أميركي لبعث تعاون في المنطقة، خاصة في ظل الهشاشة التي تخيّم على جيوش دول الساحل الصحراوي، غير أن مفردات صبري بوقادوم في تصريحه، “تقييم شامل وصريح”، تنطوي على مراجعة أو ترتيب لبعض الأوراق المشتركة.
وجاءت هذه الزيارة، بعد ثلاثة أشهر من جولة إقليمية قام بها وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، الذي أقاله الرئيس ترامب لاحقا، واستهدفت حينها تعزيز التعاون العسكري مع الدول الإقليمية في ملفات مكافحة الجهاديين والأمن في شمال أفريقيا، إضافة إلى ليبيا والساحل.