وفاة فتح الله غولن ملهم حركة حزمت والعدو رقم واحد لأردوغان

تيار غولن لم يعد يطرح أي تهديد.
الثلاثاء 2024/10/22
انتهاء عذابات غولن بعد سنوات من الملاحقات

لم يكن خبر وفاة الداعية الإسلامي فتح الله غولن صادما في تركيا، مع تراجع تأثير حركته في الداخل، جراء الحملة التي شنتها السلطات التركية، وكان اللافت فقط هو ردود الفعل الرسمية في أنقرة، والتي استغلت حدث الوفاة لتؤكد إصرارها على ملاحقة أتباع الراحل ومؤيديه.

بنسيلفانيا (الولايات المتحدة) - أنهت وفاة الداعية التركي، فتح الله غولن، عن عمر ناهز 83 عاما في الولايات المتحدة، سنوات طويلة من الملاحقات من قبل السلطات التركية، باعتباره العدو رقم واحد للرئيس رجب طيب أردوغان، والمتهم الأول بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد عام 2016.

ومنذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، لم يتوقف أردوغان عن مطالبة الولايات المتحدة بتسليم غولن، لكن هذه المطالبات انتهت بإعلان وفاة الداعية، الإثنين.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “مصادرنا الاستخبارية تؤكد وفاة زعيم منظمة فيتو”، مستخدما المصطلح التركي لحركة غولن المعروفة باسم “حزمت” (تعني خدمة).

وأضاف “توفي زعيم هذه المنظمة القاتمة لكن تصميم أمتنا على مكافحة الإرهاب مستمر”.

من جهته، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أوزغور أوزيل إن غولن “يترك خلفه الكثير من المعاناة والخيانات”، مبديا أسفه لوفاته من دون أن تتم محاسبته في تركيا.

وأعلن موقع “هركول” التابع لغولن والمحظور في تركيا، وفاته “في 20 أكتوبر”.

وكتب الموقع أنّ “الداعية فتح الله غولن الذي قضى كلّ لحظة من حياته في خدمة دين الإسلام المبارك والإنسانية”، توفي الأحد، على أن يتمّ إعلان التفاصيل بشأن إجراءات دفنه في وقت لاحق.

رؤية غولن تقوم على أن أي حركة قائمة على العداء لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على الإنسانية

وكان ملهم حركة حزمت انتقل بملء إرادته للإقامة في بنسيلفانيا في الولايات المتحدة عام 1999.

وبعدما كان حليفا لرجب طيب أردوغان، اتهمته السلطات التركية منذ أكثر من عقد بأنه يترأس منظمة “إرهابية”، فيما كان غولن يؤكد أنّ حركته هي عبارة عن شبكة من المنظمات الخيرية والشركات.

وكانت تركيا جرّدت الداعية الإسلامي الذي تصفه بأنّه “خائن”، من جنسيته في العام 2017، في أعقاب الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، والذي اتهمته السلطات التركية بتدبيره، فيما نفى مرارا أن تكون له أي صلة.

وأوردت شبكة “إن تي في” الخاصة نقلا عن مصادر أمنية تركية أنه سيتم دفنه ضمن مجموعة محدودة و”سيبقى موقع قبره سريا”، وقد يكون في غابة تعود لمسؤول في الحركة في الولايات المتحدة.

ورأى بيرم بالجي الباحث في مركز الابحاث الدولية للعلوم السياسية في باريس أنه بالرغم من التصريحات الرسمية، فإن وفاته “لن تكون حدثا في تركيا” حيث بات تياره ضعيفا جدا.

وأكد الخبير في هذه الحركة أنه “منذ القطيعة مع أردوغان عام 2010، وخصوصا بعد محاولة الانقلاب عام 2016، بات صورة غولن سيئة جدا. قلة قليلة من الناس ما زالوا يكنون له التقدير”.

لكن إركان كاراكويون المتحدث باسم حركة غولن في ألمانيا حيث أكبر جالية تركية تعد ثلاثة ملايين نسمة، أكد لوكالة فرانس برس الإثنين أن “العمل سيتواصل”، موضحا أن الداعية الذي كان على يقين بأنه مريض، نظم لجانا يمكنها أن تستمر من بعده.

وندد كاراكويون بـ”حملة شعواء” مضيفا “اتهمونا بأمر لم نفعله”.

منذ القطيعة مع أردوغان عام 2010، وخصوصا بعد محاولة الانقلاب عام 2016، بات صورة غولن سيئة جدا

وكانت أنقرة تتهم غولن بالإرهاب بعدما كشف قضاة قيل إنهم من أنصار غولن في أواخر 2013 فضيحة فساد داخل أجهزة الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.

حينها، تحوّل غولن إلى العدو رقم واحد للدولة التركية.

وبعد محاولة الانقلاب، نفّذت السلطات التركية موجة اعتقالات في صفوف أتباعه كما طالبت حلفاءها بتسليم أي عضو في الشبكة أو قريب منها.

وبدأت ملاحقات قضائية ضد نحو 700 ألف شخص وحُكم على 3000 بينهم متهمين بالاضطلاع بدور في الانقلاب الفاشل، بالسجن مدى الحياة، وفقا للسلطات التركية.

كذلك، تمّ تنفيذ عملية تطهير واسعة النطاق في صفوف الإدارة والجيش، حيث تمّ فصل أكثر من 125 ألف شخص من المؤسسات العامة، بما في ذلك نحو 24 ألف عسكري وآلاف القضاة.

وأُغلقت مؤسسات تعليمية خاصة ووسائل إعلام ودور نشر.

وقال الداعية الراحل، في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام، إن الضغوط التي تمارسها الحكومة التركية على حركته، “أسوأ بكثير من تلك التي كانت تمارس في عهد الانقلابات العسكرية في تركيا”.

وأضاف غولن “ما نراه أسوأ 10 مرات مما عانيناه خلال الانقلابات العسكرية”.

غولن تمنى في 2012 أن يوارى الثرى في إزمير قرب والدته، غير أن ذلك يبدو مستبعدا

وأوضح “نواجه معاملة كتلك التي (كانت معتمدة خلال الانقلابات العسكرية)، لكن هذه المرة على أيدي مدنيين يتقاسمون إيماننا وعقائدنا”.

وأكد وزير العدل التركي يلماز طنتش الإثنين أن “مكافحة هذه المنظمة التي لا تزال تطرح مشكلة أساسية تتعلق بالأمن القومي … ستتواصل”.

لكن بيرم بالجي أوضح أنه “لم يبق هناك الكثير في الحقيقة من هذه الحركة التي كانت في صلب الحياة السياسية التركية وساهمت في إشعاع تركيا في العالم” ولا سيما من خلال شبكة واسعة من المدارس امتدت إلى أفريقيا وآسيا.

ولفت إلى أن الكثير من هذه المدارس أغلق ولا سيما في أفريقيا وآسيا الوسطى جراء العلاقات الجيدة لأردوغان مع العديد من الدول حيث توظف أنقرة استثمارات كبيرة.

وقال إن آخر اتباع الحركة موجودون بصورة رئيسية في ألمانيا والولايات المتحدة.

وذكر بأنه “في السنوات الطيبة حين كان (غولن وأردوغان) حليفين، كان أتباع غولن هم أيضا في خدمة القمع الذي نفذه أردوغان”.

ورأى أن “أعداء أردوغان يكنون لهم كراهية أكثر منه، الكماليون والقوميون والإسلاميون يكرهونهم”.

وأكد أن تيار غولن “لم يعد يطرح أي تهديد. المجموعة لم تعد قوية، هي تركز خصوصا على مساعدة ضحايا القمع” الذي تنفذه أنقرة، خاتما “انتهى أمرهم، وهم يعرفون ذلك”.

وولد في 11 نوفمبر 1938 “لأسرة معروفة بالتدين” في قرية “كوروجك” بمحافظة أرضرُوم شرقي الأناضول في تركيا.

وبحسب الموقع الرسمي لغولن بأنه رؤيته تقوم على أن “أي حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على الإنسانية بأسرها”.

وألّف الراحل أكثر من 70 كتابا ترجم البعض منها من التركية إلى 40 لغة.

وكان الداعية تمنى في 2012 أن يوارى الثرى في إزمير (غرب) قرب والدته، غير أن ذلك يبدو مستبعدا.

6