وصف وجبة واحدة لا يكفي لتفسير الجوع في غزة

جل الفلسطينيين العالقين في القطاع يركزون على البقاء على قيد الحياة في حرب لا تلوح نهايتها في الأفق.
الأربعاء 2024/11/27
وجبة لا تغني من جوع

دير البلح (الأراضي الفلسطينية) - تغطي ياسمين عيد وجهها بينما تسعل. وتطبخ قدرا صغيرا من العدس على نار تتغذى على الأغصان والورق في الخيمة التي تشاركها مع زوجها وبناتها الأربع الصغيرات في قطاع غزة.

وكانت تلك وجبتهم الوحيدة ليوم ولا يمكن للعائلة تحمل تكاليف أكثر. وقالت “تمتص فتياتي إبهامهن بسبب جوعهن وأنا أربت على ظهورهن حتى ينمن.”

ونزحت الأسرة خمس مرات. وتقيم عيد في وسط غزة حيث يمكن لجماعات الإغاثة إيصال المساعدات بسهولة أكبر نسبيا مقارنة بشمال البلاد المعزولة إلى حد كبير والتي شهدت تدميرا شديدا منذ هجوم إسرائيل المتجدد خلال أوائل أكتوبر. لكن جل الموجودين في غزة يعانون من الجوع هذه الأيام. ويقول الخبراء إن مجاعة شاملة قد تكون قائمة في الشمال.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخميس الماضي مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، متهمة إياهما باعتماد “التجويع وسيلة للحرب.” وكانت إسرائيل تنفي بشدة هذه الاتهامات.

وجاء في تقرير نشرته الأسوشيتد برس أن عيد هي واحدة من بين مئات الآلاف الذين يقيمون في مخيمات في ظروف غير صحّية بدير البلح. وقد أغلقت المخابز المحلية أبوابها لمدة خمسة أيام الأسبوع الماضي. وتجاوز سعر كيس الخبز 13 دولارا، حيث اختفى الخبز والدقيق من الرفوف قبل وصول المزيد من الإمدادات.

إسرائيل تحمّل وكالات الأمم المتحدة مسؤولية عدم جلب المساعدات، مشيرة إلى المئات من الشاحنات العالقة على الجانب الغزي من الحدود

وخلدت ياسمين وعائلتها إلى النوم جائعين لعدة أشهر. وقالت إن “سعر كل المواد ارتفع، ولا يمكننا شراء أيّ شيء. ننام دائما دون تناول العشاء.”

وتشتهي القهوة. لكن ثمن علبة واحدة من النسكافيه يصل إلى حوالي 1.30 دولار. ويكلف كيلوغرام من البصل 10 دولارات، ويبلغ ثمن زجاجة متوسطة من زيت الطهي 15 دولارا إذا كانت موجودة. واختفت اللحوم والدجاج من الأسواق منذ أشهر. ولكن بعض الخضروات المحلية لا تزال متوفرة. وتعد أثمانها هائلة في منطقة فقيرة حيث يكسب عدد قليل من الناس دخلا منتظما.

وتصطف الحشود لساعات للحصول على الطعام من الجمعيات الخيرية التي تكافح لتلبية الحاجيات أيضا.

وقال هاني المدهون، المؤسس المشارك لمطبخ غزة الخيري، إن بإمكان فرقه تقديم أطباق صغيرة من الأرز أو المعكرونة مرة واحدة في اليوم. وأضاف “يمكنهم الذهاب إلى السوق وشراء شيء ما مقابل 5 دولارات، ثم العودة بعد الظهر ليجدوا سعره قد تضاعف مرتين أو حتى ثلاث مرات.”

وعمل مطبخه في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة بموازنة يومية تبلغ حوالي 500 دولار خلال جل فترات الحرب. ثم انخفض حجم المساعدات التي تدخل غزة في أكتوبر، فارتفعت تكاليفه اليومية إلى حوالي 1300 دولار في اليوم. ويمكنه إطعام حوالي نصف الأسر البالغ عددها ألفا التي تصطف كل يوم.

أرقام الجيش الإسرائيلي تظهر أن كمية المساعدات التي دخلت غزة انخفضت إلى حوالي 1800 شاحنة في أكتوبر

وتقول إسرائيل إنها لا تضع قيودا على كمية المساعدات التي تدخل غزة. وأعلنت خلال الأسابيع الأخيرة عن عدد من الإجراءات مشيرة إلى أنها تهدف إلى زيادة تدفقها. وشمل ذلك فتح معبر جديد. لكن أرقام الجيش تظهر أن كمية المساعدات التي دخلت غزة انخفضت إلى حوالي 1800 شاحنة في أكتوبر.

وشكّل هذا انخفاضا من أكثر من 4200 شاحنة سُجّلت خلال الشهر السابق. ويعني معدل الدخول الحالي أن حوالي 2400 شاحنة ستصل إلى غزة في نوفمبر. وكانت حوالي 500 شاحنة تدخل كل يوم قبل الحرب.

وتحمّل إسرائيل وكالات الأمم المتحدة مسؤولية عدم جلب المساعدات، مشيرة إلى المئات من الشاحنات العالقة على الجانب الغزي من الحدود. وتقول الأمم المتحدة إنها لا تستطيع الوصول إلى الحدود لاستلام شحنات المساعدات في الكثير من الأحيان لأن الجيش الإسرائيلي يرفض طلباتها وبسبب القتال المستمر وانهيار القانون والنظام. ويقول التقرير إن ذلك يعني توزيع نصف المساعدات الواردة فقط.

واندلعت الحرب في 7 أكتوبر 2023، عندما اقتحم مقاتلون بقيادة حماس إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص جلهم من المدنيين واختطف حوالي 250. ولا يزال نحو 100 رهينة موجودين داخل غزة. وقتل ثلثهم على الأقل. وأعاد نشطاء حماس تجميع صفوفهم أكثر من مرة بعد العمليات الإسرائيلية ونفذوا هجمات من الأنفاق والمباني التي قُصفت.

وقتل الهجوم الانتقامي الإسرائيلي أكثر من 44 ألف فلسطيني. وشكّل النساء والأطفال أكثر من نصفهم، وفقا لسلطات الصحة المحلية التي لم تذكر عدد المقاتلين القتلى.

وحذرت الولايات المتحدة إسرائيل في أكتوبر من أنها قد تضطر إلى تقليص بعض دعمها العسكري الحيوي إذا لم ترفع كمية المساعدات التي تدخل غزة بسرعة. ولكن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رفضت اتخاذ أيّ إجراء بعد انتهاء الإنذار النهائي البالغ 30 يوما، قائلة إنها شهدت إحراز بعض التقدم.

Thumbnail

وأقرت إسرائيل في الأثناء تشريعا يقطع العلاقات مع الأونروا ( وكالة غوث اللاجئين). وقالت إن الكثير من موظفي الوكالة ينتمون إلى حركة حماس. وكانت هذه مزاعم نفتها الأمم المتحدة.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن المسؤولين يفكرون في خطط تمنح الجيش مسؤولية توزيع المساعدات أو الاعتماد على شركات أمنية خاصة. وقال المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر ردا على سؤال حول هذه الخطط إن “إسرائيل تبحث عن العديد من الحلول المبتكرة لضمان مستقبل أفضل لغزة.”

وحذر يوآف غالانت، وزير الدفاع السابق الذي اعتُبر صوت الاعتدال في الحكومة اليمينية المتطرفة قبل إقالته هذا الشهر، من أن تسليم توزيع المساعدات إلى شركة خاصة كان “تعبيرا ملطفا عن بداية الحكم العسكري.”

وبينما يدور هذا النقاش في القدس، على بعد أقل من 100 كيلومتر من وسط غزة، يركز جل الفلسطينيين العالقين في القطاع على البقاء على قيد الحياة في حرب لا تلوح نهايتها في الأفق.

وقال هاني، زوج ياسمين، “أجد صعوبة في التحدث عن المعاناة التي نعيشها. أشعر بالخجل من الحديث عن ذلك. ماذا يمكنني أن أقول لك؟ أنا شخص معي 21 فردا من عائلتي ولا أستطيع تزويدهم بكيس من الدقيق.”

 

اقرأ أيضا:

      • السياسة الفلسطينية بين الوطن والدولة

6