وشوم الزينة لم تعد تغري الأمازيغيات في المغرب

النساء في منطقة إملشيل يتميزن بالوشم المشكل من خطين أو ثلاثة على الذقن، وغالبا ما تضاف إلى ذلك زخارف.
الاثنين 2024/10/14
تراث مهدد بالاندثار

على مدى قرون عديدة كان الوشم من السمات المميزة للمرأة الأمازيغية في المغرب، قبل أن يستهوي الرجال، ما يعني التحرر من القيود الدينية والتقاليد الاجتماعية. غير أن هذا تغير اليوم بسبب تفسيرات متشددة.

إملشيل (المغرب) - بعدما كانت على مدى قرون مؤشرا على الجمال أو الانتماء القبلي، لم تعد الوشوم التقليدية تغري النساء القرويات في المناطق الأمازيغية بالمغرب، وذلك بفعل أنماط الزينة الحديثة أو بسبب تفسيرات دينية متشددة.

تتذكر حنو مولود (67 عاما) المقيمة في قرية إملشيل على جبال الأطلس (وسط) قائلة “عندما كنت في السادسة من العمر، كان يقال لنا إن الوشم زينة جميلة، كنا نستعمل الفحم لنرسمه على وجوهنا قبل أن نقصد سيدة متخصصة لتخطه بإبرة”.

وتتابع مسترجعة ذكريات من طفولتها “بعدها ننظف الجرح يوميا باستعمال نبتة خضراء حتى يتشكل الوشم”، وتدل في حديثها لوكالة فرانس برس إلى الرسم الذي يزين ذقنها.

الوشم نفسه تحمله حنو آيت مجان (71 عاما) المقيمة في البلدة ذاتها، إذ تقول “لم نكن نقوى على حبس دموعنا، لكن الأمهات كنّ يعمدن إلى ضمّ بناتهنّ الصغيرات حتى الانتهاء من دق الوشم، إنه تقليد ورثناه عن آبائنا”.

وتتميز كل قبيلة في هذه المناطق الناطقة بالأمازيغية بزخرفة خاصة للوشوم التي تزين نساءها، وهي “تدل على الانتماء إلى جماعة معينة وهوية خاصة”، كما يوضح الناشط في جمعية “أخيام” للتنمية المحلية باسو أوجبور. ويضيف “تتميز النساء في قبيلة آيت حديدو بمنطقة إملشيل بالوشم المشكل من خطين أو ثلاثة على الذقن، وغالبا ما تضاف إلى ذلك زخارف مثل الصليب أو النقط، فيما تزين نساء قبائل أخرى بزخارف مختلفة”.

حح

وكان أوجبور يتحدث لوكالة فرانس برس خلال مهرجان “موسم الخطوبة” الذي يقام كل عام في إملشيل للاحتفاء بحفلات زفاف جماعية للشباب المحليين، وتتخلله رقصات على إيقاع أهازيج تقليدية.

ووفق فاطمة فايز (أستاذة جامعية باحثة في الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر في مدينة أكادير) فإن “الوشم هو شكل من أشكال الاشتغال على الجسد، عبّر به ومن خلاله الأمازيغ عن وعيهم بأهمية الجسد، باعتباره مرآة للذات/الفرد، كجزء من الجماعة؛ فالبعد الهوياتي للوشم لا يمكن تجاوزه”.

وتضيف فايز “في الماضي كان الوشم يعبّر عن عمق المجتمع، كان يعبّر عن روح الجماعة، فقد كان له أثر على وحدة الجماعة وعلى حس الانتماء الموحد، فيما أصبح اليوم يدل على العكس من ذلك، وهي قيم التفرد والفردانية، وعلى حس الثورة على التقاليد وعلى المجتمع وقيوده”.

وتشير إلى أن “ممارسة الوشم كانت منذ ما قبل التاريخ ممارسة معممة، يقبل عليها الرجال كما النساء، ومع مرور الوقت صار أكثر التصاقا بالمرأة؛ لأن بعده التزييني بات حاضرا أكثر من بقية الأبعاد، لكننا حاليا بتنا أمام ممارسة أخرى للوشم، يعد الرجال أكثر المقبلين عليها، ولا ترتبط بالتراث بقدر ما ترتبط بخلفيات ثقافية أخرى”.

وتخلص الأكاديمية المغربية إلى أن “الوشم ابتعد كثيرا عن بعده التزييني، وبات شكلا من أشكال التمرد على المجتمع، وشكلا من أشكال الثورة على القيود الاجتماعية، إنها طريقة الشباب في البحث عن شخصية مميزة، تترك مسافة بينها وبين المجتمع الذي لا يحسون أساسا بالانتماء إليه”.

خح

وتُعدّ اللغة والثقافة الأمازيغية مكونا أساسيا للهوية الوطنية في المغرب بجانب اللغة العربية والإسلام، كما في باقي بلدان المغرب الكبير. وينتشر الأمازيغ في كل أرجاء المملكة، لكن اللغة الأمازيغية متداولة عموما بشكل واسع في المناطق الجبلية.

ويوضح الأستاذ الباحث في الجغرافيا عبدالواحد فينك المولود في إملشيل أن “النساء الأمازيغيات في شمال أفريقيا يتميّزن بنوع من الوشوم يحمل دلالات متعددة”. ويضيف “فهي رمز للزينة، حيث تعبر المرأة من خلال الوشم عن جمالها وقيمتها كفرد مستقل عن الرجل”.

ويرى فينك أن زخرفات الوشم تنطوي أيضا على جوانب روحية، “فالدوائر مثلا تشير إلى الكون والجمال، أو القمر والشمس التي كانت مهمة في الطقوس المحلية”.

كما يلفت إلى إن هذه الوشوم كانت تُنحت على الذقن أو الجبهة أو اليدين، و”يمكن أن توضع على أجزاء حميمية، فيما يمثل هدية زفاف، تعبيرا عن حب المرأة لزوجها وتعلقها بأسرتها”.

لكنه يأسف لانتشار أفكار مسبقة سلبية في الأعوام الأخيرة حول هذه التقاليد العتيقة “تروجها تيارات سلفية تدّعي أن النساء اللواتي يضعن وشوما سيدخلن النار”.

ويحرّم دعاة إسلاميون متشددون الوشم ويعتبرونه تشويها للجسد. ويقول أوجبور إن بعضهم “يصفونه أحيانا بأنه من عمل الشيطان، وأنه أول ما يحترق من الإنسان في النار”.

وبسبب ترويج هذه الأفكار “تراجعت الكثير من الفتيات عن استعمال الوشم” التقليدي في المناطق الريفية، و”بعض النساء اللواتي يحملن وشوما صرن يعملن على إزالتها”، بحسب أوجبور.

Thumbnail
18