وسائل الإعلام العراقية تلتزم الحذر بعد مقتل الهاشمي

صحافيون يغيّرون أماكن الإقامة أو يغادرون البلاد حفاظا على حياتهم.
الثلاثاء 2020/07/28
اغتيال الصحافيين العراقيين يسكت زملاءهم

تصاعدت التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون ووسائل الإعلام العراقية من قبل الميليشيات المسلحة قبل وبعد عملية اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي، لكن الفارق أنهم أصبحوا يأخذون الأمر بجدية أكبر وهو ما دفع الكثير منهم إلى تغيير عناوين إقامته أو الهجرة إلى خارج البلاد لينجوا بأنفسهم وعائلاتهم.

بغداد - أعلنت إدارة قناة “يو.تي.في” العراقية إغلاق مقر مكتبها في العاصمة بغداد إثر تلقيها تهديدات من جهة مسلحة مجهولة، فور انتهاء عرض حلقة برنامج شهادات خاصة، تناولت معلومات اعتبرت مسيئة لإحدى الشخصيات الإسلامية دون أن يسمونها.

وعلق صحافيون عراقيون بوسائل الإعلام المختلفة أن العمل الصحافي في البلاد يمر بأصعب أوقاته منذ سنوات، والتهديدات لوسائل الإعلام والصحافيين بلغت مستويات خطيرة، لاسيما بعد مقتل الصحافي والكاتب السياسي هشام الهاشمي، حيث اضطر العشرات من الصحافيين إلى مغادرة بغداد نحو مدن أخرى أو إقليم كردستان.

وتسبب تصاعد التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون والمدونون والناشطون العراقيون من قبل الميليشيات المسلحة التابعة لإيران وعملية اغتيال الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي هشام الهاشمي إلى إثارة مخاوف لدى الصحافيين على حياتهم الأمر الذي تسبب في تغيير الكثيرين منهم لعناوين سكنهم من خلال التنقل للعيش في مدن عراقية أخرى أو محاولة الهجرة إلى خارج البلاد لنجاة بأنفسهم وعائلاتهم من إرهاب الميليشيات.

وتحدث صحافي عراقي فضل عدم ذكر اسمه، أنه لجأ إلى تغيير مكان إقامته خلال الأشهر الماضية عدة مرات ما بين بغداد ومدن إقليم كردستان العراق، لحماية نفسه من استهداف الميليشيات المسلحة بعد تغطيته للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر 2019 وتشهد حالة من الهدوء النسبي.

وأضاف، أن مخاوف الصحافيين تزايدت بعد مقتل الهاشمي، الذي تلقى أيضا تهديدات قبل اغتياله ويعرفها الوسط الصحافي جيدا، ورغم أن الحكومة الحالية تدعي أنها تقف إلى جانب الصحافيين لكنها لم تفعل شيئا حتى الآن لحمايتهم وحماية الناشطين.

وأكد صحافيون مستقلون وباحثون وناشطون في الساحة العراقية أنهم تلقوا قبل عملية اغتيال الهاشمي وبعده، تحذيرات من بعض الجهات المسؤولة داخل المنظومة الأمنية بضرورة توخي الحذر من التعرض للاستهداف من جماعات مسلحة إثر وجود قائمة تحتوي أسماء عدد كبير من الصحافيين المعرضين للملاحقة والاستهداف من قبل هذه الجهات المسلحة.

ونقل هؤلاء هذه التحذيرات إلى الجهات الحكومية ومن ضمنها رئاسة الوزراء ومكتب رئيس الوزراء وطالبوا بتوفير الحماية الأمنية في مكاتبهم، لكن الحكومة حتى الآن ليست جادة والجهة التي تستهدف الصحافيين معروفة لدى الحكومة وأجهزتها الأمنية، وفق ما ذكر الصحافي.

صحافيون مستقلون وباحثون تلقوا توصيات جهات داخل المنظومة الأمنية بضرورة توخي الحذر من التعرض للاستهداف

وعمليات اغتيال الصحافيين والناشطين وتهديدهم وترهيبهم وتهجيرهم من مدنهم لم تكن في بغداد لوحدها بل شملت محافظات وسط وجنوب العراق التي شهدت العديد من عمليات الاغتيال.

وقال مصطفى ناصر رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق أن اغتيال هشام الهاشمي، أثار مخاوف الكثير من الصحافيين والناشطين والمحللين السياسيين والباحثين وأصحاب الرأي، خاصة مع وجود معلومات عن توعد عدد من الجماعات المسلحة بملاحقة واغتيال مجموعة من النخب والناشطين والصحافيين بذريعة ارتباطهم بالمعسكر الغربي.

وتابع ناصر في تصريحات صحافية أن “إثارة هذه المخاوف تسكت العديد من الأصوات المعتدلة داخل الوسط الصحافي وتدفع بالعديد من الصحافيين إلى تغيير أماكن عملهم وسكناهم مجددا، هذا الوضع لم يتوقف منذ العام الماضي وإلى حد الآن لأن رئيس الوزراء والحكومة السابقة والحالية ليست من أولوياتهم حماية حرية الصحافة والتعبير بشكل عام”. واستبعد حدوث أي متغيرات في المرحلة المقبلة في ظل الصراع السياسي الذي مازال ماثلا ومسيرا على كافة مفاصل الدولة الأمر الذي قد يؤدي استمراره إلى المزيد من التشنجات إذا لم يتمكن رئيس الوزراء من فرض هيبة القانون والسلطة وحماية الصحافيين فسيبقى الحال على ما هو عليه أو أسوأ.

وكشفت إحصائية للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، عن الانتهاكات ضد الناشطين والإعلاميين في العراق أن “37 صحافيا وناشطا عراقيا اغتيلوا خلال الفترة الممتدة ما بين الأول من أكتوبر 2019 ونهاية يناير 2020، وبلغت حالات الاختطاف في صفوف الناشطين 41 حالة، فيما بلغت حالات تعرض الناشطين والصحافيين للقتل والاستهداف والتهديد نحو73 حالة من ضمنها 9 حالات خطف واعتقال”.

وبحسب المركز غير حكومي الذي يسعى إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وتوثيق جرائم الحرب، فقد شهد العراق عام 2019 انتهاكات خطيرة غير مسبوقة طالت المؤسسات الصحافية والعاملين فيها، وقد سُجلت 373 حالة اعتداء على الصحافيين والإعلاميين بينها اغتيال وتهديدات بالتصفية الجسديّة في محافظات العراق كافة.

وأوضح المركز أن الحكومة العراقية السابقة أصدرت نحو 130 أمر اعتقال بموجب قوانين مكافحة الإرهاب ضد الناشطين المشاركين في الاحتجاجات والصحافيين الذين يغطون التظاهرات، مبينا أن أكثر من 50 صحافيا اضطروا إلى ترك عملهم في بغداد، وفروا إلى جهات مجهولة خوفا من القتل والاعتقال.

ويقول صحافيون إن نتائج التحقيقات في حوادث مقتل الصحافيين والناشطين خلال السنوات والأشهر الماضية لم تظهر حتى الآن رغم استمرار الحكومات المتعاقبة بتشكيل اللجان عند حدوث أي حادثة، وهذا يعني أن حرية الصحافة بالعراق في خطر إثر استمرار القمع والترهيب المتواصل من قبل الميليشيات والأحزاب وحتى من قبل السلطة.

وبمجرد نقل القناة أو المؤسسة الإعلامية لصوت المتظاهر، يتعرض مراسلها للتهديد وتوجه اتهامات للقناة والمؤسسة، ويضطر المراسل أو الموظف إلى ترك هذه القناة والمدينة بعد التعرض للتهديدات والضغوطات.

وقالت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق إن التهديدات من قبل الجماعات المسلحة، تعتبر انتهاكا واضحا، لحرية العمل الصحافي والإعلامي في البلاد، وتكميما للأفواه.

وتحمّل الجمعية وزير الداخلية ورئيس الوزراء كأعلى سلطة أمنية في البلاد المسؤولية الكاملة في توفير الحماية للصحافيين والمؤسسات الإعلامية، وفرض سلطة القانون، وتطالب بوضع حد لهذه الجماعات المسلحة، واللجوء إلى القضاء في حسم هكذا قضايا، والاحتكام للدستور.

18