وزير تونسي: لا مفر من صندوق النقد

تباين بين الموقف السياسي الرسمي وحاجة الحكومة إلى التمويلات.
الأحد 2023/07/30
تونس تحتاج تمويلات عاجلة لمواجهة ندرة المواد الأساسية

تونس- عكست كلمة وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد الجمعة أمام البرلمان صعوبة تحصل تونس على التمويلات اللازمة من دون المرور بالاتفاق مع صندوق النقد، في وقت يبدو فيه التباين واضحا بين رئيس الجمهورية قيس سعيد وبين الحكومة بشأن أهمية هذا الاتفاق وحاجة تونس إليه لمواجهة أزمتها المالية.

وقال سمير سعيد إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو البديل له سيؤدي إلى التخفيض في الترقيم السيادي لتونس ولا يمكنها اللجوء إلى السوق الدولية للاقتراض ما لم تتوصل إلى مثل هذا الاتفاق.

ويرى مراقبون تونسيون أن الأمر كان متوقعا، وأن على حكومة نجلاء بودن تسريع التفاوض مع الصندوق للتوصل إلى اتفاق عاجل، خاصة أن الجهات الممولة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج، ترهن دعمها لتونس بوجود هذا الاتفاق.

رضا الشكندالي: تأجيل الاتفاق يؤثر  على التصنيف الائتمائي لتونس
رضا الشكندالي: تأجيل الاتفاق يؤثر  على التصنيف الائتمائي لتونس

وفي الوقت الذي يكيل فيه الرئيس التونسي الانتقادات الشديدة لصندوق النقد ويقول إن “النظام النقدي العالمي لم يعد من الممكن أن يستمر بنفس الشكل والمضمون”، ترسل الحكومة بإشارات واضحة عن الرغبة في التوجه إلى الصندوق والبحث معه عن أرضية تراعي “الخطوط الحمراء” التي يضعها قيس سعيد.

ويكرّر الرئيس سعيد رفضه “الإملاءات” المتأتية من خبراء صندوق النقد الدولي والتي تتعلق بمراجعة سياسة الدعم وإصلاح الشركات الحكومية وتقليص كتلة الأجور في القطاع الحكومي.

وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي إن “هناك تباينا في المواقف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وكلام وزير الاقتصاد والتخطيط في محلّه، لأنه بعد توقيع مذكرة التفاهم بشأن الهجرة مع الاتحاد الأوروبي والتقارب مع السعودية في الآونة الأخيرة ودعمها للخزينة التونسية، يمكن استغلال كل تلك الظروف لإبرام الاتفاق مع صندوق النقد”.

وأكد الشكندالي في تصريح لـ”العرب” أن “عدم النجاح في إحراز تقدم في الاتفاق مع الصندوق سينقص من التصنيف الانتمائي لتونس”، مستبعدا “التنسيق بين الرئيس والحكومة”.

وأضاف “لا بدّ من التفاوض في نقطة رفع الدعم، وهي الخطوة التي يرفضها قيس سعيد، لكونها قد تخلق احتقانا اجتماعيا، وبتحسين شروط التفاوض سوف يقبل الصندوق تأجيل رفع الدعم تفاديا لدخول البلاد في أزمات اجتماعية”.

وكان الصندوق أعطى ضوءا أخضر أول لتونس في أكتوبر من العام الماضي، بإعلان موافقة مبدئية، لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1.9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين.

واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “باب التفاوض مع صندوق النقد لم يغلق، وأن هناك مساعي من الطرفين لتحسين شروط التفاوض ” مضيفا أن “الصندوق له شروطه وتونس ترفض تلك الشروط التي قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي في البلاد وتتعلق أساسا برفع الدعم الذي يعتبره الرئيس سعيد خطا أحمر”.

نبيل الرابحي: هناك مساع من الطرفين لتحسين شروط التفاوض
نبيل الرابحي: هناك مساع من الطرفين لتحسين شروط التفاوض

وقال الرابحي في تصريح لـ”العرب” إن “تونس تبحث عن طرق جديدة في الاتفاق، والصندوق هو جزء من الاقتراض لتونس، يعني هو بمثابة شهادة الكفاءة لإرجاع الاقتراض، والتعامل مع الصندوق يفتح الأبواب للاقتراض وييسّرها”.

وتابع “تصريحات وزير الاقتصاد والتخطيط لا تعني بالضرورة تغييرا في الموقف التونسي، بل ما زلنا في مرحلة التفاوض، والصندوق ضمانة لمساعدة تونس وإقراضها”.

وكانت الحكومة التونسية قد دخلت في حوار مع صندوق النقد واستقبلت وفدا ممثلا له، وصدرت تصريحات متفائلة من الجانبين غير أن موقف الرئيس سعيد من الصندوق دفع إلى توقيف الاتصالات.

وفي يونيو من العام الماضي، كشفت الحكومة التونسية في مؤتمر صحفي كبير حضره 13 وزيرا عن جملة من الإصلاحات الهيكلية والعميقة، تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية تدريجياً، وإلغاء دعم المحروقات والغاز والكهرباء في أفق سنة 2026، مع إقرار تحويلات مالية للأسر التونسية وخاصة منها الفقيرة كي لا تتأثر بإلغاء الدعم.

ولا تمتلك تونس حلولا واضحة يمكن أن تحل مكان الزيادة التدريجية في أسعار المحروقات والمضمنة في برنامج صندوق النقد، والتي تمتد على أربع سنوات.

وإلى حد الآن لم تتوصل الحكومة التونسية إلى أيّ اتفاقات تمويل مع أيّ جهة يمكن أن تكون بديلا مفترضا لتفاوضها مع الصندوق. ووقّعت تونس قبل أيام اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي من ضمن عناصره تعهد أوروبي بتمكين تونس من تمويلات في حدود 900 مليون يورو لكن هذه التمويلات مشروطة بالاتفاق مع صندوق النقد.

ولم تنجح مساعي تونس في تعبئة الموارد الذاتية بما يمكنها من توفير التمويلات التي تحتاجها خاصة ما تعلق بخلاص الديون، وهو ما أشارت إليه في جلسة البرلمان وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية حين قالت إن الحكومة نجحت في تسديد ما يقارب 42 في المئة من جملة القروض المطالبة بها تونس إلى نهاية 2023.

1