ورقة الألغام تطفو على السطح.. اختبار مصري لتخفيف الضغوط الأوروبية

القاهرة أيضا لديها مطالب إنسانية على المجتمع الدولي التعامل معها بجدية.
السبت 2022/02/12
حان الوقت للرد على هذه الحملات

طفت قضية نزع ألغام الحرب العالمية الثانية من الصحارى المصرية على السطح بعد أن جرى نقاش حولها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب مؤخرا، ما يشير إلى أن هناك تحركات رسمية يمكن أن تأخذ طريقها نحو تصعيد مطالب القاهرة للحصول على تعويضات مناسبة للمتضررين وتقديم مساعدات واجبة لإزالتها.

القاهرة – جاءت مطالبة عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان طارق الخولي بإعادة فتح ملف الألغام من خلال دعوة الأطراف المتحاربة في الحرب العالمية الثانية إلى تحمل مسؤوليتها الدولية في عملية نزع الألغام ودفع تعويضات، تزامنا مع دعوات وجهتها 12 منظمة حقوقية دولية إلى الاتحاد الأوروبي بـ”وضع معايير واضحة للتفاوض حول الشراكة الجديدة مع مصر”.

أكد الخولي أمام مجلس النواب المصري أن حقول الألغام تُشكل خطرا على أرواح الناس، وتخلق عقبة أمام التنمية الشاملة في منطقة العلمين (شمال غرب مصر)، وأن الخرائط التي سلمتها ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا إلى القاهرة لا توضح الأماكن الفعلية التي تتواجد بها الألغام بسبب التغيرات المناخية ونشاط الكثبان الرملية.

نزع الألغام وحقوق الإنسان

أخذت قضية الألغام منحيات عديدة في الصعود والهبوط، والتركيز عليها ثم تواريها، طيلة السنوات الماضية، وواجهت حكومات مصرية متعاقبة انتقادات عديدة لعدم التعامل بالجدية الكافية مع هذا الملف ما أفضى إلى وجود أكثر من 22 مليون لغم في الصحراء الغربية، ومنطقة سيناء في شرق مصر من دون وجود قدرة على إزالتها، ما جعلها في المرتبة الأولى عالميا من حيث تواجد أكبر عدد من الألغام في أراضيها، وفقا لموقع “ليست فيرس” الأميركي.

ويقول مراقبون إن فتح هذه القضية من زاوية الحصول على تعويضات لأكثر من ثمانية آلاف مصري من متضرري الألغام، يبدو ردا مباشرا على إثارة دول غربية لحقوق مواطنيها على الأراضي المصرية وتعاملها مع بعض الخطوات القضائية والأمنية على أنها اعتداء على سيادتها، ما دفع للربط بين الضغوط الحقوقية وبين أشخاص وجهت لهم تهم عدة على صلة بزعزعة الأمن والاستقرار في مصر.

ويرى المراقبون أن ظهور ورقة الألغام يحمل أبعادا منطقية، فليس من المقبول أن يستمر الوضع جامدا كما هو عليه منذ عقود طويلة في ظل عملية التنمية الشاملة التي تطال بقاعا جغرافية كثيرة في مصر، على رأسها منطقة العلمين لتأمين الحدود مع ليبيا التي تتطلب عملية تنظيف للملايين من الألغام خلفتها الحرب العالمية الثانية.

وتؤدي عدم القناعة الدولية باتجاه مصر نحو الحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى حاجة القاهرة إلى تحريك المزيد من الأوراق للضغط على بعض الدول الأوروبية طالما أنها تصر على توجيه انتقادات حادة وتشكك في ملفها الحقوقي.

وتتداخل إنجلترا وإيطاليا وألمانيا في قضايا سياسية وحقوقية عديدة مع مصر، إذ أن هناك منظمات حقوقية في لندن عارضت مؤخرا ترشيح مصر لرئاسة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، وأخذت قضية الباحث الإيطالي جيوليو ريجيني ومن بعده باتريك زكي الذي أفرج عنه، منحى تصاعديا بين الحكومتين المصرية والإيطالية، مع تأكيد الأخيرة على أن الحوار مع القاهرة لن يكون على حساب حقوق الإنسان.

وشهدت مصر وألمانيا سجالا دبلوماسيا، إذ استبقت برلين حكما قضائيا بحق عدد من الناشطين وقالت إنه “إشارة إلى الاتجاه الذي تتطور فيه حالة حقوق الإنسان في مصر”، وهو ما استنكرته وزارة الخارجية المصرية واعتبرته “تدخلا في شؤونها الداخلية”.

منظور غامض

ضغوط لا تنتهي
ضغوط لا تنتهي

تسعى القاهرة إلى التأكيد أن لديها مطالب إنسانية على المجتمع الدولي أن ينظر لها بجدية، وعدم التعامل مع الأوضاع الداخلية بمصر من منظور واحد غامض، وقد يكون ذلك مطلوبا حاليا مع تزايد وتيرة الشراكات الاقتصادية والتنموية مع دول أوروبية، وأن تحصين تلك الشراكات يتطلب إحداث توازن دون تقديم تنازلات تصطحب معها تأثيرات سلبية على استقرار الأوضاع في الداخل، حسب رؤية الحكومة المصرية التي يكررها مسؤولون فيها على الدوام.

ترتكن القاهرة على إعادة فتح ملف الألغام وتسليط الضوء عليه إلى قرارات دولية ووثائق قانونية تدعمها،على رأسها تأييد الأمم المتحدة لمطالبات الدول التي تصيبها أضرار نتيجة تواجد مخلفات الحروب، ومنها الألغام، وتدعم دفع تعويضات لها من الدول المسؤولة عن ذلك، بجانب قاعدة تقضي بإلزام من وضع الألغام بطريقة تؤثر على حياة المدنيين أو سلامتهم الجسدية بإزالة تلك الألغام وتحمل تكاليف إزالتها.

وقال رئيس مؤسسة ماعت للسلام (حقوقية) أيمن عقيل إن الملف يمكن إثارته حقوقيا للحصول على تعويضات دولية للمتضررين، وهو حق مشروع للدولة المصرية التي تستفيد من طرح الملف من قبل دول تعاني من وجود الألغام على أراضيها، والسبيل لتحقيق نتائج إيجابية يتطلب التحرك بصورة جماعية وليس فردية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن ملف الألغام يرتبط بتوجهات القاهرة وسياستها الخارجية وإثارته تخضع لهذه الحسابات، غير أن المشكلة تكمن في كيفية إدارة الملف وتوظيفه بشكل يضمن تحقيق مكاسب سياسية وحقوقية مختلفة للدولة المصرية.

ويشير متابعون إلى أن الحملات التي دشنتها الهيئة العامة للاستعلامات (مسؤولة عن التواصل مع الإعلام الخارجي) خلال السنوات الماضية هدفت إلى تهيئة الأوضاع الدولية لاتجاه مصر نحو إثارة ملف الألغام، وركزت على جملة من الحقوق المستحقة للدولة المصرية على المستويات الاقتصادية والإنسانية والتنموية.

ونبهت هيئة الاستعلامات في تقرير نشرته على موقعها الرسمي إلى أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين لغم بالصحراء الشرقية في سيناء تعيق العديد من مشروعات التنمية السياحية بشواطئ البحر الأحمر، واعتبرت أن ارتفاع تكلفة المشاريع التي تقام في هذه المناطق يرجع إلى ارتفاع تكاليف تطهيرها من الألغام، كما أنها تحول دون عمليات التنمية الصناعية وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة في هذه المنطقة، بجانب التكلفة الباهظة لتطهير الأماكن المخطط لتنميتها.

خرائط منقوصة

ما يقرب من 17 مليون لغم في الصحراء الغربية تعطل الاستفادة من نحو 22 في المئة من مساحة محافظة مرسى مطروح

يعطل ما يقرب من17 مليون لغم في الصحراء الغربية الاستفادة من نحو 22 في المئة من مساحة محافظة مرسى مطروح القريبة من الحدود مع ليبيا، وتمنع هذه الألغام جني مكاسب من الموارد الطبيعية هناك، منها احتياطات تقدر بـ1.8 بليون برميل نفط و8.5 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي، ونحو 3.5 مليون فدان صالحة للرعي والزراعة.

ورغم حصول مصر على خرائط للألغام قدمتها لها الدول الثلاث عام 2012، إلا أنها تواجه مشكلات تحرك الألغام من أماكنها بسبب الكثبان الرملية والتغيرات المناخية على مدى نصف قرن، وقابلية الألغام للانفجار بسبب تقادمها وتأثيرات العوامل الجوية وعدم وجود طرق ممهدة للمناطق المليئة بالألغام، وضخامة الأعباء البشرية المرتبطة بعملية إزالتها وقلة العدد الكافي من الخبراء.

وأكد مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير عبدالرحمن صلاح، أن مصر بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها للتعامل مع ملف الألغام كعملية حقوقية وتنموية تحقق توازنات سياسية مطلوبة في ملفات متباينة، وأن جهود الجيش المصري في تطهير المناطق التي تشكل بعدا أمنيا لا بد أن توازيها جهود دولية تدعم عملية التنمية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عدم تحقيق تقدم ملحوظ على إزالة الألغام أو صرف التعويضات يرجع إلى ارتباك في التعامل مع الملف، لأن وزارة الخارجية المصرية كانت تتولى تحريكه في فعاليات دولية قبل أن تؤول مهمة التعامل معه إلى وزارة التعاون الدولي، لذلك حدث تراجع على مستوى توظيف الملف سياسيا.

وحسب وزارة التعاون الدولي فإنها حصلت على 17.5 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي عام 2017، في إطار البرنامج الإنمائي لإزالة الألغام ورعاية المصابين، وحصلت على معدات وأجهزة بقيمة 12.5 مليون دولار، فيما خصصت المبلغ الباقي وهو 5 ملايين دولار في توعية الأطفال بكيفية التعامل مع الألغام ومساعدة المصابين.

وطالب عضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان طارق الخولي في إحاطته أمام مجلس النواب أخيرا بضرورة التحرك سريعا في هذا الملف في إطار تنفيذ القاعدة رقم (83) من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.

وتنص القاعدة على “عند انتهاء الأعمال العدائية الفعلية، يجب على طرف النزاع الذي استخدم ألغاما أرضية إزالتها أو إبطال ضررها على المدنيين أو تسهيل إزالتها”، وفي ضوء اتفاقية “أوتاوا” التي أيدت اتباع القانون الدولي في ما يخص أزمة الألغام.

6