ورطة أفغانستان تجتذب المنافسين الإقليميين لواشنطن

أظهرت روسيا قلقا كبيرا من التطورات الأمنية المتصاعدة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان المتشددة على مناطق واسعة من البلاد، خاصة في ظل المخاوف من انتقال تداعيات الفوضى الأمنية إلى دول الجوار الأفغاني وآسيا الوسطى عموما.
كابول - أدخل الانسحاب الأميركي من أفغانستان المنافسين الإقليميين للولايات المتحدة على خط الأزمة المشتعلة منذ اتساع رقعة سيطرة حركة طالبان المتشددة، بالإضافة إلى المخاوف من انتقال تداعيات الفوضى الأمنية إلى دول الجوار الأفغاني والفناء الخلفي لروسيا والصين.
ولم يتوان سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي من التحذير من خطورة الوضع في أفغانستان، وأن عدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد قد يمتد إلى دول الجوار.
وجاءت تحذيرات الوزير الروسي بالتزامن مع مؤتمر حضره مع وزراء خارجية دول آسيا الوسطى لبحث الأزمة المتفاقمة في أفغانستان، والتي ازدادت صعوبة بعد الانسحاب الأميركي.
وأعاد لافروف التأكيد في أكثر من مناسبة على الموقف الروسي من أن الانسحاب الأميركي كان “متسرعا”، وقال الجمعة إن “الجميع يعلم أن المهمة فشلت. يقر الجميع بالأمر، بما في ذلك في الولايات المتحدة”.
ويجمع محللون سياسيون على أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يمثل صداعا بالنسبة إلى روسيا، فهي لا تريد موجة نزوح جماعية تهدد دول الجوار، بالإضافة إلى تحاشي سيناريو إعادة انتشار القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي في دول آسيا الوسطى.

سيرجي لافروف: الجميع يعلم أن المهمة الأميركية في أفغانستان فشلت
وأخلَت القوات الأميركية قاعدة باغرام الجوية الرئيسية، وانسحبت كذلك معظم قوات حلف شمال الأطلسي. ويقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن 31 أغسطس المقبل سيكون موعدا لإنهاء “أطول حرب أميركية” استمرت 20 عاما في أفغانستان.
وما أثار المخاوف بشكل كبير التقدم الذي تحرزه حركة طالبان، بالإضافة إلى تزايد التساؤلات بشأن مدى إحكام حكومة كابول قبضتها على السلطة. وسعت موسكو بعد زيارة وفد من طالبان إليها الأسبوع الماضي إلى تنشيط دورها الدبلوماسي في المنطقة لتقليل الآثار السلبية للأزمة المتصاعدة وانتقالها إلى آسيا الوسطى.
واعتبر قلب الدين حكمتيار وهو أمير حرب وزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني والمقرب من إيران أن الولايات المتحدة “ربما أعدت خطة تهدف من ورائها إلى جر منافسيها الإقليميين نحو الحرب في أفغانستان”.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن حكمتيار قوله إن “هذا ما قاله البعض في عهد ترامب، إن أفغانستان بعيدة عن الولايات المتحدة، وأكثر ارتباطا بالصين وروسيا والهند. لذلك، ربما كانت هناك خطة في واشنطن، لجذب المنافسين الإقليميين إلى الحرب هناك”.
وتثير الاضطرابات قلق روسيا لأنها تعتبر منطقة آسيا الوسطى، وهي جزء من الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يُدار من موسكو، خاصرتها الدفاعية الجنوبية ونطاق نفوذ قد تنبع منه تهديدات الإسلاميين المتشددين.
ولم تخف موسكو القلق من عودة طالبان إلى الحكم، لكنها ما تزال مترددة في تحديد موقفها العلني بشأن فتح قنوات التواصل مع الحركة المتشددة المحظورة في روسيا، وقال قبل أيام قليلة زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي إن طالبان ستسيطر حتما على السلطة في أفغانستان، وإن على روسيا أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
ويرى مراقبون أن محاولات التلميح إلى إمكانية التطبيع مع الحركة المتشددة مستقبلا في حال تمكنها من السيطرة على السلطة وعدم نجاح مبادرات الحل الحالية لن تبعد شبح الإرهاب عن الدول الإقليمية وغيرها، خاصة أن هناك تقارير كثيرة تشير إلى تنامي الأخطار الإرهابية من جماعات مسلحة تنتمي إلى تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وتعمل موسكو بكل جهد من أجل “المساعدة في بدء محادثات سلام بين الأطراف المتحاربة في أفغانستان”، بعد أن نشبت اشتباكات شرسة بين القوات الأفغانية ومسلحي طالبان قرب الحدود مع باكستان، التي اتهمتها حكومة كابول بأنها تقدم “دعما جويا لطالبان في مناطق معينة”.
وأرجأت باكستان اجتماعا كان موضع ترقب بدرجة كبيرة في إسلام أباد حول السلام في أفغانستان هذا الأسبوع مع قادة أفغان. وقالت إنها ستحدد مواعيد جديدة بعد عيد الأضحى. ويرى مراقبون أن القرار الباكستاني يأتي على خلفية اشتداد الحرب الكلامية بين حكومة كابول وإسلام أباد حول مساعدة طالبان على تحقيق انتصارات في المنطقة.
وتقول الولايات المتحدة إنها شكلت منتدى دبلوماسيا جديدا مع أفغانستان وباكستان وأوزبكستان لدعم السلام والاستقرار في أفغانستان وتعزيز العلاقات الإقليمية في التجارة والأعمال مع استمرار القوات الأميركية انسحابها من البلاد.
وفي المقابل تعمل الدوحة التي تحتضن قيادات من طالبان على تنشيط قنوات التواصل مع الحكومة الأفغانية لإيجاد صيغة تهدئة تعيد الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات، حيث زار وفد من القادة السياسيين الأفغان يقوده مسؤول ملف السلام عبدالله عبدالله.
وقال عبدالله، رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية والرئيس التنفيذي السابق للحكومة، إن “هناك حاجة للسعي إلى السلام على طاولة المفاوضات حتى رغم تفاقم الصراع وسقوط المناطق في أيدي طالبان”.
وتصاعدت الاشتباكات بين طالبان وقوات الحكومة الأفغانية، بينما تنسحب القوات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة من البلاد، حيث أنهى حلف الناتو مهمته العسكرية بعد ما يقرب من عقدين من الزمن.
وطوقت طالبان عددا من عواصم الأقاليم وسيطرت على عدد من المناطق والمنافذ الحدودية في الشمال والغرب. وتدور المحادثات بين مفاوضي طالبان والحكومة الأفغانية منذ أسابيع، لكنّ مسؤولين حذروا من أن هناك القليل من البوادر على إحراز تقدم كبير رغم نفاد الوقت المحدد لإتمام انسحاب القوات الأجنبية.