وجود رابط بين ازدواجية الميل الجنسي وبعض العناصر الجينية

الاكتشاف يمكّن من فهم أفضل لتنوع الحياة الجنسية البشرية وثرائها.
الجمعة 2024/01/05
البصمات الجينية المرتبطة بالمثلية الجنسية محل أبحاث

اكتشف الباحثون وجود علاقة بين ازدواجية الميل الجنسي وبعض العناصر الجينية. وخلصوا إلى أن العلامات الجينية المرتبطة بالازدواجية الجنسية ترتبط أيضا لدى حامليها من الذكور بميل واضح للمخاطرة بممارسة الجنس دون وقاية، كما أن هذه العلامة الجينية مرتبطة كذلك بعدد أكبر من الأطفال. وأكدوا أن البصمة الجينية المرتبطة بالمثلية الجنسية تختلف عن نظيرتها المرتبطة بازدواجية التوجه الجنسي.

واشنطن - حدّد باحثون للمرة الأولى اختلافات جينية مرتبطة تحديدا بازدواجية الميل الجنسي، مذكّرين في الوقت عينه بأن العوامل غير الوراثية لا يزال لها التأثير الأكبر في تحديد التوجه الجنسي.

هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة “ساينس أدفانسز”، تسعى إلى تقديم عنصر جديد للرد على السؤال البيولوجي الذي يهدف إلى فهم لماذا لم يستبعد الانتقاء الطبيعي تدريجياً العناصر الجينية التي تشجع ظهور الميول الجنسية المثلية، ما يؤدي إلى عدد أقل من النسل.

وخلص الباحثون إلى أن العناصر الوراثية المرتبطة بالازدواجية الجنسية بشكل خاص، مرتبطة أيضا بموقف أكثر إيجابية إزاء المخاطرة والميل إلى إنجاب المزيد من الأطفال.

تأتي هذه الدراسة في سياق دراسة كبرى أجريت عام 2019. واستنتجت أن المثلية الجنسية، ولو لم يتم تعريفها بواسطة جينة واحدة، تُفسّر من خلال مناطق متعددة من الجينوم، ومثل أي سمة بشرية معقدة، من خلال عوامل غير وراثية.

وقال جيانزي تشانغ المؤلف المشارك في الدراسة لوكالة فرانس برس لشرح هدف هذه الأبحاث “لقد أدركنا أنه في السابق، كان الناس يجمعون كل السلوك الجنسي المثلي معاً في فئة واحدة، لكنه في الواقع مجموعة واسعة النطاق”.

العناصر الوراثية المرتبطة بالازدواجية الجنسية بشكل خاص، مرتبطة أيضا بموقف أكثر إيجابية إزاء المخاطرة

وقد استندوا إلى قاعدة البيانات البريطانية التي تشمل أكثر من 450 ألف شخص من أصل أوروبي.

من خلال مقارنة بياناتهم الجينية مع إجاباتهم على استبيانات، خلص الباحثون إلى أن البصمات الجينية المرتبطة بالمثلية الجنسية وازدواجية التوجه الجنسي كانت في الواقع مختلفة.

وخلص الباحثون إلى أن العلامات الجينية المرتبطة بالازدواجية الجنسية ترتبط أيضا لدى حامليها من الذكور بميل واضح للمخاطرة، ما يبدو أنه يشجع ظهور ميل لديهم بممارسة الجنس بدون وقاية، لأن هذه العلامة الجينية نفسها مرتبطة أيضا بعدد أكبر من الأطفال.

تشير نتائج الدراسة إلى أن هذه العلامات الجينية “قد تكون تمثل ميزة للتكاثر، وهو ما يمكن أن يفسر استمرارها التاريخي وديمومتها في المستقبل” ضمن الانتقاء الطبيعي، كما كتب المعدون.

ويُفسَّر ذلك بواقع أن الجينة نفسها يمكن أن ترتبط بخصائص مختلفة عدة. وقال تشانغ “نحن هنا نتحدث عن ثلاث سمات: عدد الأطفال، والمجازفة، والسلوك الجنسي المزدوج: جميعهم يتشاركون العناصر الجينية (نفسها)”.

في المقابل، فإن العلامات الجينية المتصلة بالمثلية الجنسية لدى الرجال الذين أبلغوا عن عدم وجود علاقة جنسية مثلية، ترتبط بعدد أقل من الأطفال، ما يشير إلى احتمال الاختفاء التدريجي لهذه الخصائص.

تظهر قاعدة البيانات البريطانية أن الارتفاع المسجل منذ عقود، في عدد الأشخاص الذين يقولون إنهم مزدوجو الميل الجنسي أو مثليو الجنس، مرتبط بدون شك بالانفتاح المتزايد للمجتمعات الحديثة حيال هذه المسائل.

وبذلك، قدّر معدو الدراسة أن ازدواجية الميل الجنسي لفرد تحدَّد بنسبة 40 في المئة عن طريق العوامل الوراثية و60 في المئة من عوامل بيئة الشخص.

كتب المؤلفون “نريد التشديد على حقيقة أن نتائجنا تساهم قبل كل شيء في فهم أفضل لتنوع وثراء الحياة الجنسية البشرية”، و”ليس المقصود منها بأي حال من الأحوال اقتراح أو دعم أي تمييز على أساس الجنس”.

وازدواجية التوجه هو واحد من الأنواع الأربعة الأساسية للتوجه الجنسي ويعني ميل الشخص عاطفيا أو جنسيا أو كليهما لنفس جنسه وللجنس الآخر أيضًا.

وهي واحدة من أربعة تصنيفات أساسية للتوجه الجنسي عند البشر جنبا إلى الغيرية و المثلية واللاجنسية .

لوحظت ازدواجية الميول الجنسية في عدة مجتمعات، وفي عالم الحيوان أيضا،أما المثلية الجنسية فهي توجه جنسي يتسم بالانجذاب الشعوري والجنسي بين أشخاص من نفس الجنس.

اكتشاف طبي مثير

وقد تُعتبر المثلية هويّة يشعر بها الإنسان بناء على هذه الميول والتصرفات المصاحبة لها، بالإضافة إلى الشعور بأنه جزء من جماعة تشاركه هذه الميول.

وهناك من الخبراء من يرجع أسباب المثلية الجنسية إلى جين معين. وهناك آخرون يرجعونها إلى أسباب سلوكية.

وفي عام 2014 أجرى فريق من الباحثين بجامعة “نورث ويستيرن” الأميركية دراسة شملت فحص الحمض النووي لـ400 ذكر من المثليين الجنسيين. ولم يتمكّن الباحثون من العثور على جين واحد مسؤول عن توجههم الجنسي، وقالوا بأن “الجينات كانت إمّا غير كافية، وإمّا غير ضرورية لجعل أيٍّ من الرجال شاذًّا جنسيًا”. وعلّق أستاذ علم الجينات الأميركي آلان ساندرز على هذه الدراسة قائلًا: “الجينات ليست هي القصة الكاملة، إنها ليست كذلك”.

وفي عام 2019،أعادت ورقة بحثية  نشرتها دورية ساينس  الشهيرة إلى السطح جدلًا مجتمعيًا موسعًا حول حرية الخيارات الإنسانية فيما يتعلق بالميول الجنسية.

وتساءل الباحثون هل هذه الميول الجنسية هي جزء من جينات الأفراد، وبالتالي لا حيلة لهم تجاهها كما هو لون العينين وطول القامة على سبيل المثال أم أن الأمر على غير هذه الصورة؟

ليس هناك جين محدد للمثلية الجنسية.هذا ما خلصت إليه ورقة ساينس البحثية، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا يمكن أن تعبر عنه جملة مقتضبة واحدة مثل هذه الجملة، وهو ما دفع العلماء إلى أن يتوغلوا قليلًا في تفاصيل هذا الأمر.

لفت نظر العلماء أن احتمالات المثلية الجنسية تزداد بين الأفراد الذين لهم أخوة مثليون والذين لهم توائم مثلية. ودفع ذلك إلى السطح اعتقاد في أن هناك عوامل جينية قد تكون محددة لميول الأفراد الجنسية.

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل تواترت الدراسات والمشاهدات لمختلف حالات المثلية الجنسية.

ولعل إحدى الحالات التي أثارت ضجة على نحو خاص، اكتشاف المثلية الجنسية عند قردة العنكبوت وهي أحد أنواع الرئيسيات في العالم الجديد. وسبب الضجة راجع إلى أن رئيسيات العالم الجديد قد تطورت بمعزل، نوعا ما، عن رئيسيات وإنسان العالم القديم.

وهو ما يعني أن المثلية الجنسية ليست صفة تنسب للبشر فقط سواء بحسب المفاهيم السلوكية أو حتى بحسب المفاهيم التطورية، فمن الواضح أن هذا الاكتشاف يعزز من احتمال تكرار حدوث الأمر على أفرع مختلفة لشجرة الحياة.

في عام 2019،أعادت ورقة بحثية نشرتها دورية ساينس الشهيرة إلى السطح جدلًا مجتمعيًا موسعًا حول حرية الخيارات الإنسانية فيما يتعلق بالميول الجنسية

لكن إن كان الحال على هذه الصورة، فكيف يقوم التطور بتعزيز صفة من الواضح أنها لا تدعم بقاء الكائن الحي؟ ذلك أن الكائن مثلي الجنس قد لا يحظى بذرية وهو ما يعني فناءه، وبالتالي فناء صفاته وجيناته.

نجد هنا العديد من النظريات التي حاولت التوفيق بين الأمرين وتبرير تعزيز الطبيعة لبقاء الجينات المثلية، بل العمل على توريثها كذلك. ما دفع البعض إلى اعتبارأن المثلية الجنسية كثيرا ما تأتي في صورة ازدواجية جنسية وميل جنسي نحو كل من الذكور والإناث، وهو ما يعني ارتفاعا في معدلات الرغبة الجنسية وبالتالي فرصة أكبر لممارسة الجنس وتمرير الصفات.

ودفع البعض كذلك إلى اعتبارأن المثلية الجنسية قد ترتبط بجينات ربما تعزز صفات ما لدى الإناث، على سبيل المثال قد تزيد من خصوبتهن. وهو ما قد يؤدي لتمرير هذه الصفة حتى وإن بدت غير نافعة أو ربما معوقة للذكور.

ودفع البعض كذلك إلى الذهاب إلى أن المثلية قد تكون نافعة للجماعة ككل، على اعتبار أن المثلية قد تعني مشاركة في التبني والأبوة، وبالتالي ربما قد لا يمرر المثلي جيناته الخاصة لكن تلك الجينات تدعم تكاثر جينات الجماعة ككل، وهي تحوي فيما تحوي جينات المثلية بالطبع.

وفي عام 1993 حدثت ضجة إعلامية كبيرة على خلفية بحث علمي أشار إلى وجود علاقة بين المثلية الجنسية والعلامة الوراثية ” إكس كيو 28 “. وهي تقع على الكروموسوم الجنسي “إكس”، حتى أن البعض قد أطلق عليها اسم (جين المثلية)، وذلك على الرغم من وجود العديد من الشكوك حول الإحصاءات المتعلقة ببعض نتائج هذه الدراسة.

فيما بعد تضاءل الاعتقاد في وجود جين واحد محدد للمثلية الجنسية لصالح الاعتقاد في أن هذه الصفة ربما يقف وراءها تفاعل العديد من الجينات معا. وقد خلصت دراستان بالفعل بالإضافة إلى بعض التحليلات الوراثية إلى هذه النتيجة التي مفادها أن الميل الجنسي ربما يكون راجعا إلى وجود جينات معينة.

غير أن كل هذه الدراسات احتوت على عيب كبير، ألا وهو أنها قد أجريت على أعداد صغيرة، ربما لا تكفي لاستخلاص دور الجينات بكل دقة، بالإضافة إلى أنها قد لا تكفي لتحديد مثل هذه الجينات.

16