وثائقية مصرية تُكمل عقد الفضائيات المتخصصة في الشركة المتحدة

يشير الاتجاه نحو تدشين فضائية وثائقية تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر إلى أن هناك جهات مسؤولة عن إدارة ملف الإعلام تدرك أن المحتوى التاريخي والبحث والمعلوماتية والتدقيق تغيب عن الألوان التي تقدمها الفضائيات المحلية حاليا، والمتهمة دائما بالسطحية، في وقت يتعرض فيه الجمهور المصري لمحتويات وثائقية معادية متقنة، ولذلك تحاول الدولة خلق ذراع تدافع عن وجهة نظرها انطلاقا من منهجية مماثلة.
القاهرة - أكملت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر عقد الفضائيات المملوكة لها بالإعلان عن تدشين قناة وثائقية متوقع أن ترى النور مطلع العام الجديد بعد نحو شهر من إطلاق فضائية “القاهرة الإخبارية”، وتزامنا مع الإعداد لإطلاق قناة إخبارية باللغة الإنجليزية وأخرى للأطفال.
وأصبحت لدى الشركة التابعة لجهات رسمية مجموعة من الفضائيات ومحطات الراديو والصحف والمواقع الإلكترونية، وتخلصت من اعتمادهاعلى المنوعات والدراما التي تقدمها فضائيات مثل “دي.أم.سي” و”سي.بي.سي” و”أون.إي”، والخروج من الإطار المحلي إلى العربي بما يحقق لها عوائد معنوية أكبر ويخلق حضورا إعلاميا مصريا غاب عن الساحة العربية السنوات الماضية.
ويبدو أن هناك دوائر حكومية لديها رؤية متكاملة لصورة الإعلام المصري الفترة المقبلة وعدم حصره في الجوانب الترفيهية، والسعي نحو استعادة مكانته الإخبارية والاستقصائية، والدخول في منافسة مع شبكات إخبارية عربية دشنت قنوات متخصصة جذبت لها جمهورا من مصر لا يزال يرتبط بمشاهدة الإعلام التقليدي.
ويواجه الإعلام المصري انتقادات لبطء خطواته في تدشين قنوات متخصصة، لكن ثمة قناعة بأن المُضي قدما في هذا الاتجاه، وإن كان متأخرا، يشكل أهمية قصوى مع استمرار تراجع استقطاب الجمهور إلى محتوى المنوعات الذي يهيمن على الموضوعات التي تقدمها قنوات مصرية تعاني أيضا من تقويض معدل المشاهدة.
وأعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أخيرا تدشين قطاع للإنتاج الوثائقي، وتأسيس أول قناة وثائقية مصرية، سوف يبدأ بثها التجريبي بعد نحو أسبوعين، على أن يتم إطلاقها رسميا في مايو المقبل، مع تعيين الإعلامي أحمد الدريني رئيسا لقطاع الإنتاج الوثائقي، والإعلامي شريف سعيد رئيسا للقناة الوثائقية.
وأنشأت الشركة المتحدة قبل أربع سنوات وحدة للأفلام الوثائقية، أنتجت 50 فيلما جرى عرضها في توقيتات متفرقة وعلى قنوات مختلفة تابعة لها، وركزت على الجوانب السياسية المتعلقة بالرد على ما تعرضه قناة الجزيرة وغيرها من الفضائيات التي تدور في فلك تنظيم الإخوان، بهدف تفكيك الخطاب المعادي الذي تقدمه من خلال أفلامها الوثائقية التي زاد بثها مؤخرا على قنوات الإخوان.
وسلطت وحدة الأفلام الوثائقية المصرية على مدار السنوات الماضية الضوء على قضايا خاصة بتدعيم الهوية المصرية، وأبدت اهتماما بترميم وثائقيات وطنية مهمة.
وقال رئيس قطاع الأخبار السابق باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو) إبراهيم الصياد لـ”العرب” إن الدولة لديها إمكانيات وفيرة تجعلها قادرة على تدشين فضائية وثائقية ناجحة تعيد الاعتبار لهذا اللون من الإعلام.
وكان من المفترض وجود خطط لتوظيف الإمكانيات وتعظيم الاستفادة من الكوادر المدربة لتقديم إعلام متميز يستطيع تحقيق نجاح عبر الأعمال الوثائقية.
وأضاف الصياد في تصريح لـ”العرب” أن التريث في إطلاق الفضائية الوثائقية أمر مهم للغاية لأنها بحاجة إلى إعداد جيد ودراسة معمقة وتكلفة مالية مرتفعة والتأكد من توافر مصادر التمويل اللازمة ما يجعلها قادرة على تقديم محتوى جيد يمكن من خلاله جذب شريحة معينة من الجمهور ومنافسة فضائيات ناجحة في المجال الوثائقي.
خبراء يثمنّون التوجه نحو تنويع المصادر في الإعلام وتعدد الأدوات التي يعتمد عليها، وتبني سياسة تحريرية متطورة تمكن من تحقيق الأهداف الوطنية
ويؤكد خبراء أن الشركة المتحدة اعتمدت في إستراتيجيتها السنوات الماضية على الأعمال الدرامية والسينمائية وتوظيف النجوم في جذب الجمهور إلى شاشاتها، بدأت تقرّ سياسات إعلامية أكثر تطورا وتعلي من قيمة الجوانب الإخبارية والتثقيفية والتاريخية، لكنها تحتاج إلى أجواء مواتية تدعم تصوراتها المستقبلية، وتستفيد من تدشين قطاع أخبار المتحدة وأخيرا قطاع الوثائقيات.
وثمّن الخبراء التوجه نحو تنويع المصادر في الإعلام وتعدد الأدوات التي يعتمد عليها، لافتين إلى ضرورة تبني سياسة تحريرية متطورة تمكن من تحقيق الأهداف الوطنية، والتي تتركز على رفع مستوى الوعي وإتاحة حرية الحصول على المعلومات المطلوبة لنجاح الفضائيات المتخصصة، بجانب الاهتمام بالكوادر الشبابية، والتي سيقع على عاتقها الدور المهم في مجال القنوات الخاصة بالوثائقيات والأطفال.
وهناك أجيال صاعدة تعتمد دراستها على إعداد الأفلام التسجيلية والوثائقية لا تجد فرصا في الإعلام المصري، ومن الواجب استثمار الفرصة للتنسيق مع كليات الإعلام في هذا المجال، والعمل على إعادة الاهتمام بصحافة التحقيقات الاستقصائية والمصورة التي تسهم في إنتاج أعمال قوية ونافعة، وتبعث بإشارات جيدة تعزز فكرة وجود رسالة إعلامية محددة يقدمها الإعلام المصري.وأوضح الإعلامي الصياد لـ”العرب” أن الشركة المتحدة تحويل إلى أداة بديلة للتلفزيون الرسمي، لكنها تخدم أهدافه وتحققها في النهاية، وتوسعها في إنشاء القنوات المتخصصة مسألة إيجابية، لأنه يصعب على أي دولة أن تتخلى عن الدور الذي يقوم به الإعلام الحكومي الراسخ، مشيرا إلى تذكر أن هناك “ماسبيرو بقنواته ويجب أن تكون لدى صناع القرار الصراحة والجرأة لإعلان ما إذا كانت قنواته مستمرة في العمل وأداء رسالتها أم أنها سوف تتوقف”.
وشدد على أن الاهتمام الحكومي بقنوات الهيئة الوطنية للإعلام، وهي الجهة المشرفة على إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، تراجع إلى مستوى غير مسبوق، وما يهم الآن هو التعرف على مستقبل العاملين فيه مع تقلص أعدادهم، وبحث إمكانية الاستفادة الجيدة من العناصر الموجودة داخله في تدشين الفضائيات الجديدة المتخصصة.
ويوجد في الإعلام المصري الرسمي مساران، أحدهما يأخذ في التطور وتتجه إليه وسائل الدعم الرسمي لتوفير سبل النجاح له ويتمثل في إعلام الشركة المتحدة، وآخر يعاني من مشكلات عدة يأخذ في الأفول مع غياب الخطط الواضحة لتصفيته، ويضم المحطات والإذاعات التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون والصحف القومية، وهو ما يخلق صراعا ضمنيا قد لا يكون في صالح صورة الإعلام الرسمي.
وتشكل مسألة توفير التمويل المناسب لتقديم محتوى إعلامي متنوع وقدر مرتفع من الجودة إحدى أبرز المشكلات التي يمكن أن تؤثر على مشروع المحطة الوثائقية الواعد، لأن سوق الإعلان يخضع لعوامل ترتبط بالبرامج الترفيهية والمسلسلات، ومازال المحتوى الجاد لا يشكل قيمة كبيرة لكثير من وكالات الإعلان المهيمنة على السوق، المطلوب منها تغيير طريقة عملها لجذب رعاة خارج الإطار التقليدي لمساعدة القنوات على تحقيق حد جيد من العوائد يجعلها قادرة على الاستمرار والمنافسة.