واشنطن تواجه إستراتيجية أوروبية جديدة تقلقها

ألمانيا وفرنسا تستغلان قوتهما الاقتصادية والسياسية لتفادي الولايات المتحدة.
الأحد 2022/12/04
السياسة الأميركية أمام خيار التكيّف مع توجهات أوروبية جديدة

واشنطن - يُعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس صوتا دائما للمصالحة مع روسيا، بما في ذلك الدعوة إلى حرية نقل البضائع بين دول البلطيق الثلاث، وجميعها من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وروسيا.

ويبرز تيار قلق إزاء موقف أوروبا بالنسبة إلى التنافس الأورو - آسيوي أكثر من أي وقت مضى، ومن دلائل ذلك الزيارة التي قام بها شارل ميشال رئيس المجلس الأوروبي إلى الصين مؤخرا، يضاف إلى ذلك موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي على الرغم من كونه أظهر ثباتاً حيال الحرب الروسية - الأوكرانية في الشهور الأخيرة، إلا أنه اختلف مرارا وتكرارا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكثيراً ما نصح بأن يكون هناك نوع من المصالحة مع روسيا.

ويرى الباحث الأميركي سيث كروبسي مؤسس ورئيس معهد يوركتاون للدفاع ونائب وكيل وزارة البحرية الأميركية الأسبق، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأميركية أن تصريحات بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بأن فرنسا وألمانيا لا تؤمنان جدّيا بالتهديد الروسي، تتلاءم مع هذا النمط من السلوك واسع النطاق. فألمانيا في حقيقة الأمر تأمل في أن تنتهى الحرب في أوكرانيا بانتصار سريع لروسيا للتخفيف من الأضرار الاقتصادية.

مراوغة أوروبا الغربية بخصوص الصين وعدم وضوح موقفها يعدّان تتويجا لاتجاهات جيوسياسية مستقبلية

ومن الواضح، كما يشير كروبسي، أن الدول الأوروبية الغربية ما زالت غير مستعدة للمشاركة في تنافس أوروبي - آسيوي مطول. ومن ثم فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرس كيفية الاستفادة من الأهمية الإستراتيجية الأوروبية بأكبر قدر من الفعالية، وبحث ما إذا كانت أوروبا الجديدة ستكون شريكا أكثر فعالية على المدى الطويل من الدول التقليدية في أوروبا القديمة.

إن مراوغة أوروبا الغربية وعدم وضوحها بالنسبة إلى سياسة الصين يعدان تتويجا لاتجاهات جغراسياسية طويلة المدى. وفي حقيقة الأمر، فإن سياسات فرنسا وألمانيا، وبدرجة أقل بريطانيا، تجاه الصين نابعة من خيارات إستراتيجية واضحة بالمثل في سياسة أوروبا تجاه روسيا. فهي تتبع مجموعة من الافتراضات الإستراتيجية الخاطئة بدرجة كبيرة أسهمت في غزو روسيا لأوكرانيا وفي التوسع الصيني الكبير.

أما السعي الفرنسي الألماني للاستقلالية فلم ينته مع نهاية الحرب الباردة. والدولتان استغلتا قوتهما الاقتصادية والسياسية لتفادي الولايات المتحدة. ولم تكن الخلافات بين برلين وباريس ولندن وواشنطن بشأن يوغوسلافيا والعراق تتعلق بسياسة موضوعية ولكن كانت بشأن تأكيد وضعهما السياسي.

لقد سارت أوروبا القديمة في طريق العولمة ليس بسبب أحلام ديمقراطية مؤجلة ولكن من أجل أهداف سياسية تقليدية. فقد كانت العولمة طريقا نحو الاستقلالية، ومن خلال تقسيم القوة الاقتصادية وإضعاف موقف الولايات المتحدة، يمكن للدول الأوروبية أن تجد لها دورا كدول مهمة إستراتيجيا.

وبدوره، تغيّر التعريف المعروف للإستراتيجية. فلم تعد هناك حاجة إلى القدرات العسكرية التقليدية، حيث أثبت ليل الحرب الباردة الطويل أن القدرات العسكرية التقليدية عديمة الجدوى. وبالنسبة إلى ألمانيا بوجه خاص كانت “سياسة التقارب” هي التي أنهت الكابوس، وليست الأسلحة النووية أو التقليدية.

ومع ذلك، فإنه رغم هذا التفكير الإستراتيجي الخاطئ، لا تستطيع الولايات المتحدة التخلي عن أوروبا ببساطة. فهناك قدر كاف من القوة الاقتصادية، والرصيد السياسي، والإمكانيات الفنية، والمزايا الجغرافية في القارة الأوروبية مما يبرهن بصورة غير مباشرة أنها مهمة بالنسبة إلى أي تنافس صيني - أميركي. فأوروبا كانت ولا زالت تمثل نصف المسألة الأورو - آسيوية: فهي لا يمكن فصلها عن التوازن الهندي - الهادئ.

وأوروبا الجديدة واعدة بدرجة كبيرة للغاية. وتدرك دول أوروبا الشرقية ما بعد العهد السوفييتي مخاطر الحرب الروسية – الأوكرانية، كما تدرك بصورة متزايدة التهديد الذي تمثله الصين للنظام الأورو - آسيوي. وتضع دول البلطيق بحذر الأساس للمزيد من الاتصال الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي مع تايوان. ووقعت بولندا عدة صفقات عسكرية كبيرة مع كوريا الجنوبية.

الدول الأوروبية الغربية ما زالت غير مستعدة للمشاركة في تنافس أوروبي - آسيوي مطول

وإذا ثبتت صحة التقارير عن أن هناك تعاونا عسكريا مباشرا بين أوكرانيا وكوريا الجنوبية، فسوف تكون الولايات المتحدة هي الوسيط للحفاظ على الافتراض القانوني بأن كوريا الجنوبية لن تدعم أوكرانيا عسكريا. كما أن أوروبا الشرقية تعيد تسليح نفسها وتتقدم إلى الأمام.

كما أن أوكرانيا تبتعد عن الصين؛ فقد تخلى الرئيس فولوديمير زيلينسكي بهدوء عن سياسته التحوطية الأورو - آسيوية التي كانت تسعى لجذب الاستثمارات الصينية، بعد إدراكه أنه ليست لدى الصين رغبة في التدخل لحساب كييف.

ولذلك يتعين على الولايات المتحدة بحث السبل التي يمكنها بها دمج أوروبا الشرقية في سياستها الخاصة بالصين. وأوضح أن خطوة لتحقيق ذلك ستكون التسريع بالتعاون العسكري والصناعي. وينبغي تشجيع دول أوروبا الشرقية على التعاون مع الدول الآسيوية التي توفر المعدات العسكرية، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان.

وسوف يوفر ذلك لحلفاء الولايات المتحدة الآسيويين الاستقرار في الانتاج المطلوب لتوسيع نطاق الإمكانيات، وبالتالي إيجاد نظام دفاعي - صناعي أورو - آسيوي مشروع لمواجهة جيش التحرير الشعبي الصيني.

وفي ختام تحليله يوضح كروبسي أنه ليس هناك أي شيء يدفع الدول الأوروبية الغربية إلى الانصياع لما ترغبه الولايات المتحدة، ولا حتى الحقائق التي تتكشف في أوكرانيا. ومن ثم، يتعين على السياسة الأميركية أن تتكيف.

7