واشنطن ترفض التحركات الليبية الأحادية بشأن المصرف المركزي والنفط

نورلاند يؤكد على ضرورة توسيع طاولة الحوار الأممي ويشدد على الإسراع بتشكيل قيادة مصرفية جديدة تحظى بإجماع كافة الأطراف.
الاثنين 2024/09/23
نورلاند: الخلافات تعرقل الإصلاحات وتهدد استقرار ليبيا

طرابلس – عبّر المبعوث الأميركي الخاص لليبيا السفير ريتشارد نورلاند، عن قلقه العميق إزاء الوضع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه ليبيا في ظل الخلافات المتفاقمة بين الأطراف المتنازعة لا سيما بعد قرار المجلس الرئاسي بإقالة محافظ المصرف المركزي في طرابلس، والرد الذي تبعه من قبل معسكر الشرق بإغلاق بعض الحقول والموانئ النفطية، مشددا على ضرورة اتخاذ حلول سريعة لاحتواء الأزمة الحالية وإعادة البلاد إلى مسار الاستقرار.

وأوضح نورلاند في مقابلة تلفزيونية مع موقع "اليوم السابع" المصري نشِرت الأحد أن الأزمة التي تتعرض لها ليبيا ليست جديدة، وإنما هي نتيجة لتراكم سنوات من عدم الاستقرار والصراع على الموارد، موضحا أن الحلول السطحية أو المؤقتة لن تجدي نفعًا في معالجة هذه التحديات المعقدة.

وأشار المبعوث الأميركي بشكل خاص إلى الخطوة الأخيرة التي اتخذها المجلس الرئاسي الليبي بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير. واعتبر هذه الخطوة بأنها "أحادية" ومليئة بالمخاطر، لأنها أطلقت موجة من التساؤلات حول مصداقية المؤسسات المالية الليبية، لا سيما مصرف ليبيا المركزي، الذي يعاني منذ فترة طويلة من الانقسام والضعف في إدارته.

وجاءت إقالة الصديق الكبير في وقت حساس تعيشه البلاد، حيث تتزايد التوترات السياسية والاقتصادية. وقد أثارت هذه الخطوة العديد من التساؤلات حول كيفية إدارة المصرف في المستقبل، وما إذا كان يمكنه استعادة الثقة التي يحتاجها للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية.

وأشار نورلاند أيضا إلى عملية مداهمة قامت بها أجهزة المخابرات الليبية مؤخرا لبعض مكاتب المصرف المركزي، حيث تمت مصادرة وثائق وملفات. وهذا الحدث أثار موجة جديدة من المخاوف حول نزاهة المصرف وجهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البلاد.

وقال نورلاند "الولايات المتحدة ترى أن هذه الخطوة تشير إلى تعمق الشكوك في قدرة المصرف على مكافحة الجرائم المالية. هناك ضرورة ملحة لاستعادة الثقة، وهذا لن يتحقق إلا من خلال قيادة موحدة تتمتع بالمصداقية."

ويرى المبعوث الأميركي أن الحل يكمن في الإسراع بتشكيل قيادة مصرفية جديدة تحظى بإجماع الأطراف الليبية كافة.

وأوضح أن الليبيين بحاجة إلى "تحركات سريعة" لاستعادة الثقة في قيادة المصرف، مؤكدًا أن استمرار الوضع الراهن قد يؤدي إلى "حلقة مفرغة" لا يمكن الخروج منها بسهولة. وذلك في إشارة إلى المفاوضات التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بين ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من جهة والمجلس الرئاسي من جهة ثانية لحل الخلاف حول إدارة مصرف ليبيا المركزي.

ومع استمرار الخلافات وعدم قدرة مجلسي النواب والدولة على التوصل إلى اتفاق بشأن إدارة المصرف المركزي التي بدأت منذ أغسطس الماضي، أعلن المجلسان رغبتهما في توسيع المفاوضات من أجل ضمان تعزيز التوافق بشأن المنصب السيادي.

ومع تعثر جهود المجلسين، يرى نورلاند أن الجمع بينهما لحل أزمة قيادة المصرف المركزي "ليس كافيًا"، مشددًا على ضرورة إشراك "جميع أصحاب المصالح السياسية في ليبيا" ودعوتها إلى طاولة المفاوضات لمساعدة القادة الرئيسيين "على التركيز على ما يجب القيام به لحل هذه الأزمة مما يعطي زخمًا لحل القضايا السياسية الأوسع" وفق تقييمه.

وتصاعدت التوترات في ليبيا بعد مساعي هيئات سياسية في مقدمتها المجلس الرئاسي للإطاحة بالصديق الكبير وتكليف محمد الشكري بدلا منه بالاستناد إلى قرار صادر عن مجلس النواب منذ ديسمبر 2017، مع تعبئة تجريها الفصائل المسلحة المتنافسة. حيث رفض محافظ المصرف المركزي تسليم المنصب، كما رفض القرار كل من مجلسي النواب والدولة باعتباره صدر من "جهة غير مختصة".

وكان الكبير قرر مغادرة ليبيا بعد رفع شكوى ضد المجلس الرئاسي لدى النائب العام وإثر اختطاف عدد من الموظفين في المصرف كرسالة تهديد شخصية له وسط مخاوف من سقوط البلاد في دوامة عنف جديدة.

وبداية الشهر الجاري قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن الفصائل الليبية المتنافسة لم تتوصل بعد إلى اتفاق نهائي في المحادثات التي تهدف إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي والتي تسببت في خفض إنتاج وتصدير النفط.

ورأى تقرير للمركز الأوروبي للدراسات السياسية والإستراتيجية أن عودة الصديق الكبير لرئاسة مصرف ليبيا المركزي ستطيح برئيس حكومة الوحدة المؤقتة عبدالحميد الدبيبة.

ونوه التقرير، أن حل الخلاف سيعزل الدبيبة عن المشهد، حيث أشار مراقبون، إلى أن الغرب والولايات المتحدة من مصلحتهم إعادة الإنتاج النفطي في ليبيا إلى حالته الطبيعية في المرتبة الأولى، ولو كان على حساب أحد الأطراف السياسية الموالين لها. وأضافوا أن الغرب يُجيد الإصطياد في المياه العكرة ومستنقع ليبيا ليس إستثناءً بالنسبة لهم.

وأكدوا أن التحركات جميعها سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية عبر الأمم المتحدة تُفضي إلى إعادة محافظ المركزي المُقال إلى منصبه عبر التسوية المقبولة من قبل محور الشرق الليبي مقابل عزل رئيس الحكومة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة لضعف إدارته وارتكابه لأخطاء جسيمة في الفترة الأخيرة، وفقا للتقرير.

وفي المقابلة التلفزيونية أشاد نورلاند بالدور الذي تلعبه مصر والمغرب في جمع الأطراف الليبية على طاولة المفاوضات. وأشار إلى أن مصر لعبت دورًا هامًا في تنظيم لجنة "6+6"، التي كانت تهدف إلى التوصل إلى تفاهمات دستورية بين الأطراف المتنازعة.

كما لفت إلى أن المغرب أيضًا كان له دور مشابه في تسهيل الحوار بين الفرقاء الليبيين، مشيرًا إلى أنه تم إحراز تقدم ملحوظ في هذه المسارات، لكن هذا التقدم يظل هشا في غياب الحلول الجذرية التي تستند إلى توافق داخلي ليبي.

من بين القضايا الأكثر إلحاحًا التي تناولها نورلاند هي مسألة وجود القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا. فمنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، والذي دعا إلى رحيل جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب خلال 90 يومًا، لم يحدث أي تقدم يُذكر في هذا الملف، باستثناء بعض التحركات المحدودة التي شملت مجموعات صغيرة من المرتزقة الأفارقة.

ويرى نورلاند أن هذا التأخير يعيق جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا، مؤكدًا أن "الليبيين يريدون استعادة سيادتهم أكثر من أي وقت مضى".

وأضاف أن الدول التي أرسلت هذه القوات إلى ليبيا تتحمل المسؤولية الكبرى في تنفيذ عملية سحبها.

وفيما يتعلق بالجنوب الليبي، عبّر المبعوث الأميركي عن قلقه العميق إزاء الأوضاع الأمنية في تلك المنطقة، التي وصفها بأنها "مهمشة" بشكل كبير. وأكد نورلاند أن الولايات المتحدة تولي اهتماما خاصًا لتأمين الحدود الجنوبية لليبيا، خاصة في ظل تصاعد التوترات في منطقة الساحل الإفريقي.

وأشار إلى أن القوات الليبية بحاجة إلى تنسيق جهودها الأمنية لمواجهة التهديدات المشتركة، مؤكداً أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة في هذا المجال، سواء من خلال التدريب أو تبادل المعلومات الاستخباراتية.

على صعيد آخر، تطرق نورلاند إلى الجهود التي كانت تبذلها الأمم المتحدة في محاولة لحل الأزمة الليبية قبل استقالة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، عبدالله باتيلي.

وأكد أن استقالة باتيلي تركت فراغا دبلوماسيا كبيرا، لكن الولايات المتحدة تأمل أن يدفع الجمود الحالي الأطراف الليبية إلى التفكير بجدية في ما يمكن القيام به لحل القضايا السياسية العالقة.

وأضاف نورلاند أن هناك فرصًا جديدة للولايات المتحدة للتدخل بشكل أكثر فاعلية في الملف الليبي، خاصة في ضوء المناقشات التي ستجري في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وتطرق نورلاند في ختام المقابلة، إلى قضية سيادة القانون في ليبيا، مشيرًا إلى تزايد عمليات التصفية الجسدية لقادة التشكيلات المسلحة. وأشار إلى مقتل شخصيات مثل "البيدجا"، ومحاولات اغتيال شخصيات أخرى مثل بشير خلف الله ومعمر الضاوي، معتبرًا أن هذا النوع من الجرائم يعزز مناخ الإفلات من العقاب.

واعتبر نورلاند أن استعادة سيادة القانون في ليبيا أمر أساسي لتحقيق الاستقرار، مشيدًا بجهود النائب العام الليبي الصديق الصور في هذا المجال، داعيًا إلى تكثيف الدعم الدولي لجهوده.