هياكل النراجيل الخشبية.. حرفة "جراخي" كربلاء التي لا تموت

كربلاء (العراق) – تعتبر مدينة كربلاء العراقية وجهة مهمة لمحبي النرجيلة، إذ تبقي المدينة، التي تستقبل سنويا الملايين من الزوار لمقاماتها الدينية الشيعية، على اعتماد حرفة صناعة الهياكل الخشبية للنراجيل.
وفي المدينة الواقعة على بعد 120 كلم جنوب العاصمة بغداد، تواصل المقاهي الواقعة على مسافة قريبة من المقامات المقدسة الشيعية، تقديم الشاي والنراجيل، رغم المخاطر المترتبة على تفشي وباء كوفيد - 19 في البلاد بمعدل 4 آلاف حالة يوميا.
ويقدّم حسن علي، صاحب مقهى، الشاي والنرجيلة التي صنع هيكلها أي القطعة الوسطية المسماة محليا بـ”البكار”، من خشب الصفصاف في مشغل يبعد أمتارا فقط.
ويشكّل البكار صلة الوصل بين رأس النرجيلة المصنوع من الطين والقاعدة الزجاجية حيث توضع المياه، ويجري وصل الخرطوم لسحب التبغ. ويطلق على الحرفي الذي يقوم بصناعتها اسم “الجراخ”.
ويتمسك صاحب المقهى بالنراجيل المصنعة يدويا في مدينته من خشب الغابات المحيطة بنهر الفرات، رغم انتشار تلك المعدّة من النحاس أو البلور والمستوردة من الخارج، معتبرا أن حفظ نكهة المعسل القوية يستلزم استعمال الهيكل الخشبي وليس المعدني.
ويروي من أمام المقهى ومن حوله عدد من رواد المكان الذين يدخنون النرجيلة “البكار يعطي الطعم الذي تريده مثل التفاح أو النعنع… النحاس لا يعطيك إلا دخانا”.
حرفة عريقة
لم يبق إلا عدد قليل من الجراخين في المدينة ولذلك فالمنافسة قوية في ما بينهم.
ويصنع محمد باقر، وهو واحد من آخر “الجراخين” الذين يحافظون على دوام هذه الحرفة القديمة، ما معدله 20 بكارا في اليوم رغم الجهد الجسدي الشاق الذي يتطلبه حفر التصاميم.
ويقول الرجل البالغ من العمر 56 عاما فيما ينفث دخان سيجارته وهو يحفر الخشب في مشغله الممتلئ بالنثارة “لا يكون ببالي أي نقش… عندما أضع الخشب تحت آلة الحفر يظهر التصميم بالشكل الجميل الذي يرغب به الزبون”.
على بعد شارعين من باقر، يقطن الجراخ محمد جاسم في مكان قريب من مشغله. ويحتفظ جاسم ببكار قديم صنعه جده في الخمسينات ليكون بمثابة تذكير دائم بعراقة الحرفة التي ورثها أباً عن جد، والذي بدوره سينقلها إلى ابنه. ويرفع على جدران المشغل صورة لجده من المكان وهو يقوم بحفر بكار.
يحفر جاسم توقيع جده بعد أن يضع اللمسات الأخيرة على منتجه، ويؤكد أن مدخني النرجيلة يفضلون عمله بسبب التاريخ المحيط به، والجهد الشاق الذي يبذله فيه.
ويقول جاسم “إذا كنت تحب مهنتك تكون مبدعاً فيها”.
ويوضح أن الزبائن في جنوب العراق حيث قد تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة، يفضلون النرجيلة ذات الهيكل الخشبي لأن حرارته لا ترتفع كما المصنوع من النحاس مثلا.
من بين التصاميم التي يتقنها جاسم، تصميم يشبه قبب المساجد ويسمى التصميم الإسلامي.
وتنفس الجراخون الصعداء بعد إغلاق المقاهي لثلاثة أشهر بسبب وباء كوفيد-19، إذ ارتفع الطلب بشكل مباشر على هياكل النراجيل الخشبية بعد تلك الفترة، في السوق المحلية كما في السوق الخارجية.
ويقول جاسم إنه لا يشعر بالقلق حيال مستقبل هذه الحرفة القديمة، مضيفا “طالما هناك معسل، سيكون هناك دائما طلب على البكار الكربلائي”.