هيئة تحرير الشام تسترضي قياداتها الغاضبة مع اتساع رقعة الاحتجاجات في إدلب

تواجه هيئة تحرير الشام وضعا غير مسبوق في علاقة بالاحتجاجات التي اتسع نطاقها وبلغت مستوى جديدا الجمعة، حيث يطالب المحتجون بإنهاء سطوة الهيئة وتولي إدارة أهلية تسيير الأوضاع في تلك المناطق.
إدلب (سوريا) - تعمل هيئة تحرير الشام على إعادة ترتيب الفوضى السائدة في صفوفها عبر استرضاء قيادات بارزة في التنظيم الجهادي كان جرى تحييدها أو اعتقالها بتهم من بينها التورط في العمالة لصالح جهات خارجية.
وتأتي تحركات الهيئة مع اتساع رقعة الاحتجاجات في المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرتها في محافظة إدلب وفي أرياف حلب واللاذقية، والتي بلغت مستوى لافتا الجمعة، من حيث عدد المشاركين فيها وأيضا من حيث المطالب التي لم تعد منحصرة فقط في كف يد الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة، بل وإنهاء حكم “تحرير الشام” والاستعاضة عنه بإدارة أهلية.
وبرّأت “هيئة تحرير الشام”، القيادي البارز التابع لها ميسر الجبوري المعروف بأبوماريا القحطاني وأعلنت إطلاق سراحه، وذلك بعد أشهر من اعتقاله “بتهمة العمالة لجهات خارجية”.
ويرى متابعون أن الإفراج عن القحطاني وتبرئة ساحته من تهمة العمالة هي محاولة من زعيم الهيئة لإعادة حبل الود الذي انقطع بينهما، في ظل المكانة الوازنة التي يحظى بها القيادي داخل التنظيم، حيث أن للرجل العديد من العناصر الداعمة له والرافضة للطريقة التي عومل بها.
وبحسب بيان صادر عن اللجنة القضائية التابعة للهيئة فإن القرار جاء “بعد الاطلاع على قضية (المتهمين بالعمالة) وبعد ثبوت براءة من كان موقوفاً في هذه التهمة، ولأن الموقوف ميسر الجبوري تم توقيفه بناء على شهادات وردت من موقوفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه”.
وختمت اللجنة بيانها بإعلان “براءة المدعى عليه ميسر الجبوري من تهمة العمالة” والإفراج عنه.
الإفراج عن القحطاني وتبرئة ساحته من تهمة العمالة هي محاولة من الجولاني لإعادة حبل الود الذي انقطع بينهما
وكان موقع تلفزيون سوريا كشف، في فبراير الماضي، عن نية “الهيئة” إطلاق سراح القحطاني بالتزامن مع إطلاق سراح معظم من اتهمتهم بملف “العمالة” الذي أثار جدلا واسعا خلال الأشهر الماضية.
وأعلنت هيئة تحرير الشام في وقت سابق، في بيان رسمي، انتهاء التحقيقات في ما سمّتها “دعوى الخلية الأمنية” أي “قضية العملاء”، التي ظهرت إلى العلن قبل نحو ستة أشهر وتم خلالها شن حملة اعتقالات واسعة طالت مئات العناصر وعددا من القيادات في صفوف التنظيم الجهادي قسم منهم بتهم العمالة للاستخبارات الأميركية المركزية والقسم الآخر بالعمالة لفائدة روسيا ودمشق.
وعقب البيان، خرج العشرات من الموقوفين من عناصر الهيئة وقيادات في جناحها العسكري، وكان من أبرزهم القيادي أبومسلم آفس، بالإضافة إلى كل من القائدين العسكريين أبوأسامة منير، وفواز الأصفر، وكل من أبوعبدو وأبوالقعقاع طعوم، وآخرين.
وفيما تم إطلاق سراح تلك القيادات والعناصر، صدم الشارع الأدلبي بخبر مقتل أحد العناصر من فصيل “جيش الأحرار” تحت التعذيب في سجون “تحرير الشام”.
ويدعى القتيل عبدالقادر الحكيم ويعرف بـ”أبوعبيدة تل حديا”، وكانت “الهيئة” اعتقلته قبل نحو عشرة أشهر في نفس القضية، وبعدما قتلته تحت التعذيب دفنته في مقبرة بمنطقة الشيخ بحر بريف حلب.
وشكل مقتل عنصر “جيش الأحرار” الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات في مناطق سيطرة الهيئة، والتي انطلقت في مدينة سرمدا، قبل أن يتسع نطاقها في الأيام الأخيرة لتطال
مدينة إدلب. وركزت الاحتجاجات في البداية على تبييض سجون “الهيئة” والكشف عن مصير المختفين قسريا، وكف يد جهاز الأمن العام التابع للهيئة، ومع اتساع رقعة الحراك أصبح المحتجون يطالبون بإسقاط أبو محمد الجولاني، وحلّ مجلس شورى الهيئة وتشكيل مجلس من كافة أعيان ووجهاء المنطقة ليست له صلة بأيّ طرف عسكري أو جهة محسوبة على أيّ طرف، وإحالة قادة جهاز الأمن العام التابع للهيئة للتحقيق، والإفراج عن معتقلي الرأي.
مقتل عنصر "جيش الأحرار" شكل الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات في مناطق سيطرة الهيئة، والتي انطلقت في مدينة سرمدا
وتظاهر الجمعة الآلاف من السكان في مدينة إدلب، والعديد من مدن المحافظة. ووفق بيان صادر عن الحراك الشعبي في مدينة الأتارب فقد أكد المتظاهرون على أن “علم الثورة السورية هو المظلة الوحيدة والجامعة للحراك”، مشددين على ضرورة “المحافظة على المؤسسات وعدم التعرض لها أو الاقتراب منها، وإبعاد الحراك عن الأحزاب، ورفض صبغه بصبغة حزب التحرير أو الفصائلية أو أيّ أدلجة، مع التأكيد على تثمين عمل المقاتلين في حماية جبهات القتال، وأن الحراك لا يستهدفهم”.
ويقول مراقبون إن زعيم الهيئة يستشعر خطر فقدان السيطرة على الحراك وهو ما دعاه إلى إطلاق سراح القحطاني وغيره من القيادات من الهيئة على أمل مواجهة الحراك، وإخماده، لكن لا يعرف بعد مدى استعداد القحطاني للتعاون مجددا مع الجولاني.
واعتقل القحطاني في أغسطس الماضي، وشُكّلت لجنة تحقيق خاصة “لمساءلته”، بحسب بيان رسمي صدر آنذاك عن “الهيئة” قال إن “القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل”، في إشارة إلى تواصله مع التحالف الدولي.
وعمل القحطاني طوال الأشهر الماضية على التواصل مع قيادات ضمن الجيش الوطني السوري، وقادة سابقين في “حركة أحرار الشام”، وجميع الأطراف الناقمة على “الهيئة”، وحاول إقناعهم لفتح صفحة جديدة والتنسيق المشترك.
وسبق أن أكّد مصدر مطلع لـ”موقع تلفزيون سوريا” مسألة تواصل “القحطاني” مع التحالف الدولي، إذ حصلت على مدار السنوات الماضية اتصالات بين الجانبين، لكنها ازدادت كثافة، منذ مطلع العام الماضي، بعد مخاوف هيئة تحرير الشام من اتجاه تركيا للعمل على تفكيكها بموجب تفاهمات أستانة.
ويعتقد مراقبون أن موقف القحطاني سيكون مؤثرا بشكل أو بآخر على الحراك الدائر في مناطق سيطرة الهيئة، التي تجد نفسها اليوم أمام تحد كبير وهو احتواء غضب الشارع.
ورجّح الباحث في مركز جسور للدراسات عبدالوهاب عاصي زيادة الضغط الشعبي بسبب حجم شرائح المشاركين فيها من الناقمين على جهاز الأمن العام أو الهيئة أو الجولاني نفسه، حيث يشارك فيها نشطاء مدنيون مستقلون وأعضاء من حزب التحرير، وعناصر من بعض ألوية الهيئة ممن تعرض قادتهم وأقاربهم للانتهاكات وأفراد من فصائل مناهضة للهيئة.
ولفت عاصي في تصريحات صحفية إلى أن اتساع المظاهرات سيؤثر بطبيعة الحال على الهيئة التي تمر أساسا بأزمة داخلية إثر قضية عملاء التحالف، لكنه استبعد أن يؤدي ذلك إلى تفكيك الهيئة أو إسقاط الجولاني.