هيئة الحقيقة والكرامة أداة النهضة للمساومة حول ملف الجهاز السري

ورقة هيئة الحقيقة والكرامة أداة ضغط بيد الشاهد للمساومة حول ملف الجهاز السري للحركة الذي اتخذ أبعادا سياسية.
السبت 2019/02/02
ذهبوا بحثا عن الإنصاف فتحولوا إلى بيدق في لعبة المساومات السياسية

تونس - بعد أن تحدد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس، بدأت الأقطاب السياسية تهيئ أوراقها من أجل الاستعداد لمنافسة حامية الوطيس ستشهد خلالها البلاد تجاذبات سياسية عالية.

ويتوقّع أن تحضر ملفات هيئة الحقيقة والكرامة، وقضية الجهاز السري للنهضة، بقوة، خلال هذه الفترة.

وتشير المتابعات للمشهد السياسي في البلاد أن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة ورئيس حزب “تحيا تونس”، حديث النشأة، ومن ورائه حركة النهضة الإسلامية، سيعملان على استعمال ورقة هيئة الحقيقة والكرامة كأداة ضغط للمساومة حول ملف الجهاز السري للحركة الذي اتخذ أبعادا سياسية. كما يرجح مراقبون أن لهذا الملف علاقة بتحالف خفيّ بين الشاهد والإسلاميين.

تصفية الحسابات

Thumbnail

اختتمت هيئة الحقيقة والكرامة في يناير الماضي أعمالها بإصدار تقرير نهائي ستنشره قريبا، دعت فيه بالأساس إلى إجراء إصلاحات تمنع تكرار الانتهاكات لحقوق الإنسان، وتعويض ضحايا نظام الاستبداد، تحقيقا للعدالة الانتقالية.

وسلمت الهيئة إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي نسخة من تقريرها الختامي، في انتظار تسليم نسخة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وأخرى إلى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر.

لكن، تشير التطورات المحيطة بقضية العدالة الانتقالية إلى أن مسار هذه العدالة تعترضه تجاذبات كثيرة تعيقه، وسط مخاوف متزايدة من أن يتحول تقرير الهيئة إلى وسيلة لتصفية الحسابات وحتى ممارسة الضغوط لمنع خروج حقيقة ملف الجهاز السري لحركة النهضة إلى السطح.

وتتهم بعض الأطراف السياسية هيئة الحقيقة والكرامة، التي تأسست من قبل المجلس الوطني التأسيسي التونسي بتشويه بعض الخصوم السياسيين لحركة النهضة وتقديم تعويضات مجزية لمؤيديها والتغاضي عن الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها عدد من عناصرها وقادتها رغم أن الهيئة اختصت بمحاسبة المسؤولين وجبر الضرر ورد الاعتبار إلى ضحايا الفترة الممتدة من 1 يوليو 1955 إلى 31 ديسمبر 2013.

دعوات لمنع حركة النهضة من المشاركة في الانتخابات المقبلة حتى يتم كشف مدى تغلغلها في أجهزة الدولة وحقيقة ما يروج حول جهازها السري ودوره في الاغتيالات

وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها النهضة باستعمال ورقة هيئة الحقيقة والكرامة لتنفيذ مساعيها الرامية إلى إخفاء ملف الجهاز السري، حيث تم افتعال إعادة محاكمة مسؤولين سابقين وقعت تبرئتهم من القضاء، وفي مقدمتهم وزير الداخلية الأسبق محمد فريعة دون مقدمات بطلب من رئيسة الهيئة سهام بن سدرين تزامنا مع إعلان هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عن وجود الجهاز وإمكانية تورطه في عمليات اغتيال سياسية شهدتها تونس بعد ثورة 2011. واتهمت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، وفق وثائق تحصلت عليها، عبدالعزيز الدغسني، صهر رئيس النهضة راشد الغنوشي، برئاسة الجهاز السري للحركة، وأنه تمت التغطية عليه من خلال التضحية بمصطفى خضر أبرز المتورطين في الجهاز والقابع في السجن منذ سنوات.

وقال عضو هيئة الدفاع محمد جمور، بأنهم متمسكون بفتح بحث تحقيقي في قضية الجهاز السري معبرا عن استغرابه من بقاء التحقيقات في مستوى الأبحاث الأولية. واتهم بعض الأطراف القضائية بحماية حركة النهضة عبر إخفاء بعض المستندات ومحاضر بحث هامة، ملوحا بإمكانية لجوء هيئة الدفاع إلى القضاء الفرنسي.

وكانت هيئة الدفاع قد كشفت في لقاء جرى مؤخرا مع رئيس الجمهورية عن مخطط إرهابي كان يستهدف في العام 2013 اغتيال الرئيس قائد السبسي، والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند”. واستند عضو هيئة الدفاع على شهادة أمام القضاء قدمها أحد أعوان الأمن، من الذين قاموا بحجز مقتنيات الجهاز السري لحركة النهضة.

وتتصاعد المخاوف لدى مختلف التيارات السياسية من مدى نجاح النهضة في استعمال ملف العدالة الانتقالية لتجاوز ملف الجهاز السري خاصة وأنها تمثل السند القوي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي أعلن مؤخرا عن حزبه الجديد ويسعى لأن تحافظ حكومته على حزامها البرلماني قبل الانتخابات المرتقبة.

وأمام إصرار حركة النهضة على غض النظر على ملف الجهاز السري طالبت بعض القوى السياسية في تونس بمنع الحركة من المشاركة في الانتخابات المقبلة حتى تكشف كل ملابسات جهازها السري ومعرفة حجم تغلغلها في أجهزة الدولة التونسية. وقالت بسمة الخلفاوي، أرملة شكري بلعيد، إنه لو سارت الأبحاث بشكل جيد في ما يتعلق بالجهاز السري لحركة النهضة وتبين فعلا تورطها فإنها لن تتمكن من الصعود إلى انتخابات 2019.

مناورة سياسية

Thumbnail

أمام تضييق الخناق على الحركة، طرح رئيسها راشد الغنوشي، مبادرة دعا فيها إلى استكمال مسار العدالة الانتقالية، بالتركيز على إنصاف الضحايا وتسوية الملفات العالقة، بعيدا عن منطق التشفي والانتقام، تحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة، وهو ما فهم حينها أنها مناورة سياسية من النهضة ومساومة للعفو عن مسؤولين سابقين مقابل التغاضي عن الجهاز السري.

وقال منسق التحالف التونسي للكرامة ورد الاعتبار (غير حكومي) حسين بوشيبة إنه “يرفض أي مبادرة قانونية لشطب المحاكم المتخصصة، فالمصالحة لا يمكن أن تحل محل القضاء، ولا يمكن طي الصفحة بسهولة”.

واعتبر أن “التعويض دون مساءلة هو بمثابة رشوة للضحايا لشراء ذممهم.. إذ يريد النداء والشاهد وحركة النهضة التوجه إلى المصالحة والتعويض.. وكلها مبادرات تهدف إلى العفو عن منتهكي حقوق الإنسان. فيما نريد ضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات”.

وأكد مراقبون أن سعي أطراف فاعلة إلى إجراء مصالحات دون محاكمات إنما يهدف إلى تحقيق مصالح سياسية، ضمن صراعات بين هؤلاء الفاعلين. وطالب بوشيبة بضرورة “إبعاد العدالة الانتقالية عن التجاذبات السياسية، مؤكدا أنه موضوع وقع تسييسه، وأصبح في قلب الصراع السياسي”.

وأقر يوسف الشاهد بفشل العدالة الانتقالية وتسييس ملفاتها وعدم حصول توافق على رئيستها سهام بن سدرين داعيا إلى مسار آخر عبر مشروع قانون لاستكمال مسار العدالة الانتقالية، حتى يتم تحقيق المصالحة الشاملة وكشف الحقيقة.

Thumbnail

وبعث الشاهد بمراسلة إلى البرلمان، يطلب فيها اتخاذ قرار حاسم لإيقاف عمل الهيئة، التي اعتبر أنها “منتهية قانونيا”. ورد عضو هيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي على دعوات الشاهد قائلا إنه “لا يمكن لرجل سياسة مثل رئيس الحكومة، إصدار حكم بات ونهائي عن نتائج لم يطلع عليها بعد.. لا بد أن يطلع جيدا على التقرير الختامي، وهناك قانون يلزم الجميع بتنفيذ توصيات الهيئة”.

وتابع أنه “لا يمكن لأي مبادرة أن تتم إلا عبر الحوار والتوافق والابتعاد عن التجاذبات السياسية، والاقتناع بأننا في ظل نظام جديد بصدد تصفية ومعالجة إرث النظام القديم”، محذرا من أنه “في حال اعتبرنا أننا لا نزال في نظام قديم، فإن الدولة والشعب سيواجهان صعوبات كبرى، وكذلك المسار بأكمله”.

وينص الفصل 70 من القانون المنظم للعدالة الانتقالية على أن تتولى الحكومة، خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الشامل عن الهيئة، إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ توصيات ومقترحات الهيئة، وتقديم خطة وبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتهما. وأفادت تقارير إعلامية تونسية أن الأحزاب السياسية الحاكمة اتفقت على ضرورة تعديل المسار واستكماله سريعا، لاسيما وأن مدة عمل هيئة الحقيقة والكرامة انتهت.

وليس الشاهد فقط من انتقد أداء هيئة الحقيقة وتسييس ملفاتها فالرئيس الباجي قائد السبسي انتقد طويلا أداء هيئة الحقيقة والكرامة ودخل في خلافات معها حيث أشار في حوار مع جريدة لومند الفرنسية إلى أن الهيئة لم تقم بالمطلوب وأنها “مقربة من أطراف سياسية معينة” في إشارة إلى حركة النهضة.

7