هواتف أيفون تكشف مشاكل الاقتصاد الإيراني المقيّد بالعقوبات

طهران - طرح متجر في طهران للمستهلكين فرص شراء هواتف أيفون صدرت في2021. واعتمد في إعلاناته عددا من المشاهير وقدّم وعودا بخصومات كبيرة في أثمان هذه الهواتف.
وذكرت الشرطة والادعاء العام في إيران أنهما اكتشفا أن القضية تتجاوز مجرد عملية غش في مجال الهواتف الجوالة إلى قضية تتعلق بشبكة تحيّل واسعة تتصرف في الملايين من الدولارات. ويتجاوز الجدل الدائر حول شركة قورش، أو “ابن الشمس”، هذا المخطط.
ويقول الكاتب ناصر كريمي في تقرير نشرته الأسوشييتد برس إن هذه الحادثة تعدّ من دلالات المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران إثر عقود من العقوبات الغربية التي تتفاقم الآن مع تقدم البلاد السريع في برنامجها النووي، ومساعدتها في تسليح روسيا في حربها على أوكرانيا، وتكثيف دعمها للميليشيات بالوكالة في الشرق الأوسط.
وحين حظرت الحكومة في طهران خلال 2023 هواتف أيفون 14 و15 التي تصنعها شركة أبل الأميركية، حفز الحظر اقتصادا موازيا للهواتف القديمة، مما دفع إلى ارتفاع أسعار هذه الأجهزة حيث سعى الكثيرون إلى مبادلة ريالاتهم بأي سلعة مادية.
وندد المرشد الأعلى علي خامنئي بالسلع الفاخرة الأميركية خلال سنوات التوترات مع الغرب، لكن المستهلكين ما زالوا يقبلون على هذه الهواتف والصيت المرتبط بها.
وقالت آرام، وهي صاحبة متجر للهواتف المحمولة في طهران ولم تذكر لقبها خوفا من الانتقام، إن “الطلب كبير”. ويطلب عملاؤها “أحدث طرازين من أيفون، وهي أجهزة محظورة”. وأضافت “سيكون من الأفضل للسلطات السماح بتوريدها في إطار القانون”.
القضية تتجاوز مجرد عملية غش في مجال الهواتف الجوالة إلى قضية تتعلق بشبكة تحيّل واسعة تتصرف في الملايين من الدولارات
ويتراوح سعر أيفون 13 إس في متاجر إيران من 330 دولارا للطرازات المجددة إلى 1020 دولارا مقابل تلك التي لا تزال في علبها. ويتوفر في بلدان العالم الأخرى على سبيل المقارنة أيفون 15.
وإذا أحضر أحدهم أيفون 14 أو 15 إلى البلاد، فسيتوقف الجهاز عن العمل على شبكات الهاتف المحمول الإيرانية بعد شهر واحد، وهي الفترة الزمنية المخصصة للسياح الذين يزورون البلاد.
وطالما كانت واردات أجهزة الأيفون نقطة خلافية. وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن حوالي ثلث سوق استيراد الهواتف المحمولة في إيران البالغ 4.4 مليار دولار كان يتألف من هذه الأجهزة قبل حظرها.
وتتمتع الشركات الخاصة التي تستورد الهواتف المحمولة بإمكانية الوصول إلى أسعار صرف أقل بكثير من 580 ألف ريال مقابل دولار واحد في مكاتب الصرافة، مما يجعل الأعمال التجارية أكثر ربحا.
وكان سعر الصرف 32 ألف ريال مقابل دولار واحد خلال عهد الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 مع القوى العالمية.
وانتقد خامنئي مباشرة استيراد هذه الأجهزة في ملاحظاته للوزراء في أغسطس 2020.
وقال وفقا لنص على موقعه الرسمي على الإنترنت إن “الواردات المفرطة خطيرة… يكون هذا الاستيراد في بعض الأحيان منتجا فاخرا، مما يعني أنه لا توجد حاجة إليه. سمعت عن إنفاق حوالي نصف مليار دولار لاستيراد نوع واحد من الهواتف المحمولة الأميركية الفاخرة”.
خامنئي ندد بالسلع الفاخرة الأميركية خلال سنوات التوترات مع الغرب، لكن المستهلكين ما زالوا يقبلون على هذه الهواتف والصيت المرتبط بها
لكن الطلب لا يزال قائما بينما تبقى هواتف أبل رمزا لمكانة العديد من الشباب الإيرانيين.
وقال إحسان إحساني، وهو طالب هندسة معمارية في طهران يبلغ من العمر 23 عاما، “أفضل الأيفون على أيّ هاتف آخر، وبأي ثمن، حيث لا يمكن مقارنته بأي علامة تجارية أخرى من حيث الرفاهية”.
ولا تزال لوائح استيراد أجهزة الأيفون إلى إيران صارمة ولا يمكن إلا للمسافرين إحضار الهواتف بشكل فردي، ويتوجب عليهم تسجيلها عند نقطة دخول البلاد، حتى يحددوا أنها للاستخدام الشخصي.
ويسجل الوافدون في الجمارك أرقام جوازات سفرهم ويدفعون رسوما بنسبة 22.5 في المئة من سعر الهاتف، حسبما تحدده الحكومة أو باعتماد وصل الشراء.
وأثار هذا نشاطا تجاريا جانبيا حيث ينتظر تجار الأيفون الركاب في المطار ويدفعون لهم مقابل الحصول على إذن لاستخدام أرقام جوازات سفرهم لتسجيل أجهزة جلبوها معهم.
وقال نويد بهمني، البالغ من العمر 26 عاما وهو يعمل في متجر أيفون في طهران، إنه عادة ما يدفع للمسافرين ما يصل إلى 40 دولارا مقابل أرقام جوازات سفرهم في مطار الإمام الخميني الدولي في طهران.
وأضاف “يعتمد السعر على المسافرين. يقبل بعضهم العرض الأول، ويرفضه البعض الآخر”.
الوافدون يسجلون في الجمارك أرقام جوازات سفرهم ويدفعون رسوما بنسبة 22.5 في المئة من سعر الهاتف
ولعبت مشاكل إيران الاقتصادية أيضا دورا في مخططات مثل التي اتبعتها شركة قورش، التي اختارت اعتماد اسم العرش الفارسي في عهد قورش الأكبر.
وتجاوز التضخم أي سعر فائدة تقدمه البنوك، بينما قوض انخفاض قيمة العملة مدخرات المواطنين. لذلك سعى الكثيرون إلى شراء أصل مادي، سواء كان منزلا أو مجوهرات أو حتى سيارة لحماية أنفسهم من الخسائر.
وعرضت الشركة أجهزة أيفون 13 إس ابتداء مما يعادل 360 دولارا، إذا كنت على استعداد للدفع أولا والانتظار لبضعة أسابيع قبل استلام الجهاز. وظهر المشاهير في إيران في إعلانات على الإنترنت للشركة، مما جذب لها مزيدا من الاهتمام.
وتلقى بعض العملاء في البداية أجهزة أيفون مقابل أموالهم، مما زاد من جاذبية الفكرة. وقدرت صحيفة “شرق” الإصلاحية أن الشركة حققت 36 مليون دولار في أقل من سنة، على الرغم من أن المسؤولين لم يؤكدوا ذلك.
وتقول السلطات الإيرانية إن رئيس شركة قورش التنفيذي البالغ من العمر 27 عاما والعقل المدبر المفترض للمخطط، أمير حسين شريفيان، غادر إيران فجأة في سبتمبر. ولا يزال هاربا وبحوزته ملايين الدولارات من المدفوعات.
وذكر أحد موظفي الشركة في مقطع فيديو على الإنترنت قبل أسبوعين أن مشاكل سلسلة التوريد هي التي تسببت في تأخير تسليم الهواتف.
وقال المتحدث باسم الشرطة الإيرانية الجنرال سعيد منتظر المهدي إن المحققين ما زالوا يلاحقون شريفيان.
ويستمر الزبائن رغم ذلك في الاصطفاف خارج المتجر، بما في ذلك خلال درجات الحرارة المنخفضة في طهران.
وقال موتيزا زاري، البالغ من العمر 47 عاما وهو يدير ورشة لتصليح السيارات، “لقد دفعت ثمن تسعة هواتف أيفون. ووجدت في هذا الطريقة الأمثل لزيادة استثماري. لكنني لم أحصل على أيّ شيء”.