هل يمنح تغيير القيادة السياسية آمالا جديدة للمرأة السعودية

هذا لا ينفي وجود أمثلة إيجابية قليلة عددا ولكنها كبيرة مضمونا. المثال الإيجابي الأول هو ارتفاع عدد الموظفات في وزارة الخارجية من 60 موظفة عام 2008 إلى 284 موظفة عام 2014، أي بزيادة فاقت أربعة أضعاف العدد. هذا تطور إيجابي ولكنه لا يكفي علينا مضاعفة عدد المنتسبات للسلك الدبلوماسي وتجاوز الجدل في قضايا عمل “الجوهرة المصونة” في المحافل الدولية.
المثل الإيجابي الثاني هو موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى على فوز عضو المجلس الدكتورة ثريا عبيد بمقعد رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس.
المرأة تشغل 20 بالمئة من مقاعد الشورى وتتأهب لدخول الانتخابات البلدية كناخبة ومنتخبة، ولكن لا يزال عليها الاستئذان من وليها ليسمح لها بالسفر. ما زالت الخصوصية الثقافية للمجتمع السعودي تفرض نظرته الإقصائية المتعالية على المرأة.
كذلك أسقط المجلس للأسف توصية بتعيين نساء في منصب “سفيرة” لأن التعيين -حسب التبرير العبقري- يتم “وفق ضوابط جدارة محددة”، أعتقد أن هذا التبرير غير منطقي، كيف تحمل المرأة 9 أشهر ثم تولد وترضع وتربي وتسهر الليل إذا مرض طفلها، وهي “غير جديرة” بأن تصبح سفيرة؟ تقول الكاتبة أمل زاهد “تثبت قضايا المرأة السعودية مرة بعد مرة أنها الأقدر على حرف انتباه الشارع وتوجيه دفته، لتخفت حتى أصوات الحروب والخطوب الجلل أمام ضراوة أم المعارك: المرأة “.
أيضا في مجلس الشورى اقترح عضو المجلس عبدالعزيز الحرقان مؤخرا، على وزارة الخدمة المدنية رفع قيمة بدل النقل للموظفات السعوديات.
من الأمور المحبطة، رفض موقع وزارة العدل قبول المرأة كـ"شاهدة" أو "معرفة"، مع أن هذا الرفض يتناقض مع النظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السعودية
مشاركة المرأة السعودية في الشأن العام تجلت في تعيين الدكتورة تمارا طيب قائدا لفريق التصدي لخطر إيبولا في وزارة الصحة السعودية. مهمتها التنسيق مع جميع المنصات التابعة لمركز القيادة والتحكم والوكالات الخارجية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، ومراكز مكافحة الأمراض الأميركي، لتطوير الحلول وتنفيذها. الهدف إنساني ووقائي ونبيل: خدمة وحماية المواطنين والمقيمين في المملكة العربية السعودية.
أما على المستوى الاجتماعي، فالسوق السعودي يتطلع لتخرج 25 مخرجة سينمائية سعودية من جامعة عفت في عام 2017، فيما تنتظر 95 طالبة تخرجهن في الأعوام المقبلة ليساهمن في التعبير وتغيير الصورة النمطية لدى الغرب عن المجتمعات العربية. الخبر الإيجابي الآخر هو تزايد إقبال السعوديات على دراسة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني وصناعة السينما بصفة عامة.
ولكن من ناحية أخرى، تفاجئ المجتمع بمطالبة أحد الدعاة بطمس صورة المرأة في بطاقة الأحوال لأن “بطاقة المرأة من البلاء”. إضافة لذلك، يدور الجدل حاليا في ما نسب لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن كشف وجه المرأة “معصية”. هذا ليس كل شيء، بل جاء التعليل أن الخلاف في هذه المسألة لا يدخل في باب “ترك الإنكار”، لكون ضرر الكشف لا يختص بالمرأة وحدها، وإنما يصل إلى غيرها لأن ذلك “فتنة”.
لم تيأس المرأة السعودية، اقتحمت 10 آلاف فتاة مجال العمل بالأفران والمخابز في كل مناطق السعودية، منهن 5 آلاف فتاة في المنطقة الوسطى، و2000 في الشرقية، والباقي في المنطقة الغربية. علينا أن نجتاز المعوقات الاجتماعية التي تواجه عمل “الدرة المكنونة” في الأفران من ناحية التصميم مثل فصل الجانبين الذكور والإناث. هناك قضية أهم وهي حل مشكلة بطالة المرأة.
|
هل بإمكان المرأة السعودية التفوق في مجال التسويق العقاري؟ لم لا؟ انضم عدد لا بأس به من الفتيات مؤخرا إلى وظائف في قطاع العقار. لدي -ولدى كثيرين غيري- اقتناع أن المرأة تتميز بأسلوب مهني ومقنع في التسويق.
ماذا عن مهنة المحاماة؟ المحامية والمستشارة القانونية فاطمة يوسف مليباري، طالبت بكل شجاعة وزارة العدل بإعادة النظر في قرار منع المرأة المحامية من الحصول على رخصة توثيق الخاصة بأعمال كتابات العدل.
نجاح المرأة السعودية في العمل الإنساني تجلى في مشاركتها في برامج ومجالات تطوعية مختلفة
لم تقتنع المرأة السعودية باقتحام السينما والأفران والعقار والمحاماة فقط، صحيفة “الوطن” نشرت تقريرا مؤخرا عن تمكن 20 سعودية من اجتياز دورة مدتها 13 أسبوعا، خولتهن الحصول على رخصة اعتماد للعمل كمساعد طيار أرضي في شركات الطيران العاملة في السعودية.
هذه التطورات جيدة ولكنها غير كافية، يجب تحديد ملامح الخطة المستقبلية لخروج المرأة إلى سوق العمل. يجب تمكينها من العمل لأن هذا يساعد على تنمية الاقتصاد المحلي ويدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
على المستوى الفردي، نجحت المرأة السعودية مؤخرا في تحقيق عدة إنجازات يشار لها بالبنان. فقد نجحت نسرين الحقيل، طبيبة الأسنان بمستشفى الملك عبدالعزيز بالحرس الوطني، في تسلق قمة إيفرست، هادفة إلى لفت الانتباه إلى مرض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في السعودية وتسليط الضوء على معاناة المصابين به، كذلك شاركت العداءة السعودية سارة عطار (22 عاما) في سباق بوسطن للجري.
|
برغم أن المدرسات يقطعن الوديان ويصعدن الجبال (محليا على الأقل) للعمل ولحفظ كرامتهن من العوز، فازت الطبيبة السعودية ملاك الثقفي بجائزة الإنجاز للعلماء الشباب في مجال التقنية والعلوم لعام 2015 من (أسو) في جامعة ماسيتوشيتس للتقنية “ميت”. هذا إنجاز رائع، لا سيما أن عملية الترشيح والتدقيق تتم من قبل لجنة تحكيم تضم عدة برفيسورات من الجامعة. الدكتورة ملاك قدمت دراسة عن نوع من أورام الدماغ الخبيثة، وقامت بنشر حوالي 30 دراسة علمية في مجلات علمية مرموقة، وكذلك قدمت أكثر من 25 ورقة في مؤتمرات علمية خلال فترة دراستها في الولايات المتحدة الأميركية.
المثال الآخر عن تفوق المرأة السعودية على المستوى الفردي هو حصول المبتعثة السعودية في الولايات المتحدة الأميركية هوازن قاري، على جائزة ثاني أفضل منتجة أخبار يومية على مستوى ولاية ميتشجان الأميركية ضمن مسابقة أكبر الجامعات وكليات الإعلام. هذا خارجيا، ولكن في بعض الدوائر المحلية ما زالت الولاية الذكورية المطلقة مسيطرة على دراسة المرأة وعملها وملبسها وقيادتها ورياضتها وعلاجها.
أيضا على المستوى الفردي، أنجزت أكاديمية دلة للعمل التطوعي أكثر من 3.5 مليون ساعة تطوعية لخدمة المجتمع، منذ تأسيسها بعد سيول جدة الثانية عام 2010 وحتى نهاية العام الماضي وحازت السعوديات على الحصة الأكبر في مشهد التطوع بنسبة 60 بالمئة مقابل 40 بالمئة للذكور. نجاح المرأة السعودية في هذا العمل الإنساني تجلى في مشاركتها في برامج ومجالات تطوعية مختلفة، مثل إغاثة المنكوبين من السيول، ودعم الأسر المنتجة، وبرامج دعم الأيتام، وبرامج العناية بالمسنين، وبرامج توعوية صحية واجتماعية، إضافة إلى تدريب متطوعات جدد، التي تستهدف فيها الأكاديمية جميع أفراد المجتمع. هكذا تبدع المرأة السعودية في مشاركتها ودعمها للفرق التطوعية.
ولكن مع ذلك، ما زالت الكثير من التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية تواجه المرأة السعودية. من الأمور المحبطة، رفض موقع وزارة العدل قبول المرأة كـ”شاهدة” أو “معرفة”، مع أن هذا الرفض يتناقض مع النظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها السعودية.
خلاصة الموضوع، ما زالت الصورة عن المستقبل القريب للمرأة السعودية غير واضحة في ظل تغييب دور المرأة الفاعل في التنمية الشاملة، وربط تمكينها بطوق ولي الأمر والكفيل الحصري على مستقبلها. الواضح (مجتمعيا على الأقل) أن المرأة السعودية ناضجة وجاهزة للزواج في سن العاشرة، لكنها في سن الأربعين قاصر وتحتاج لولي أمر لإدارة شؤونها.