هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في الكشف المبكر عن الإصابة بالإنتان

يشهد العالم تحولا نوعيا نحو الذكاء الاصطناعي في صناعة الرعاية الصحية والتنبؤ بالأمراض والمساعدة في كشفها، ومن ذلك المساعدة في الرصد المبكر للإنتان. وقد طور الباحثون نظاما داخليا يتمثل في نموذج تعلم آلي تم تدريبه ليقوم كل ساعة بدراسة سجلات الرعاية الصحية الإلكترونية لمرضى الطوارئ بالمركز الطبي، وفحص عوامل عديدة مثل الأدوية الموصوفة.
لوس أنجلس (الولايات المتحدة) - يعد الإنتان حالة مرضية قد تهدد الحياة بسبب تدمير الجسم لأنسجته عند استجابته للعدوى، حيث يسبب التهابا شديدا وضررا واسعا للأعضاء الداخلية، ويقدر أن الإنتان يودي بحياة ما لا يقل عن 350 ألف أميركي سنويا.
وذكرت صحيفة ذا سان ديجو يونيون تريبيون أن الرصد المبكر لهذه الحالة يعد أمرا أساسيا لإنقاذ الأرواح، فقد أظهر بحث طبي أنه كلما أسرعت الفرق الطبية في رصد دلالات تكون الإنتان، كلما تمكنت بصورة أسرع من البدء في إعطاء المريض مضادات حيوية والسوائل الوريدية المنقذة للحياة، مما يدعم جهود الجسد لاستعادة التوازن.
ويعكف فريق من الباحثين والأطباء في مركز يو.سي سان دييجو الصحي على معرفة ما إذا كان يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في الرصد المبكر للإنتان، وقد توصل الباحثون في ورقة بحثية إلى أن نظاما تم تطويره داخليا يطلق عليه “كومبوزر الذكاء الاصطناعي” وهو عبارة عن نموذج تعلم آلي تم تدريبه باستخدام أكثر من 100 ألف سجل رقمي لمرضى الإنتان، يمكن أن يساعد في الحد من معدلات الوفاة.
ويقوم هذا النموذج كل ساعة بدراسة سجلات الرعاية الصحية الإلكترونية لمرضى الطوارئ بالمركز الطبي، وفحص عوامل عديدة مثل الأدوية الموصوفة وأحدث الإحصاءات المهمة التي تم جمعها للتنبؤ بمن ربما يكون في المراحل الأولى من الإنتان، بناء على السجلات الطبية التي تم جمعها سابقا.
ويوضح طبيب الطوارئ جابريال واردي والمتخصص في الإنتان وأحد المشاركين في الورقة البحثية أن قيمة اللوغاريتمات التعليمية الحقيقية تكمن في المنطقة الرمادية بين الإنتان والحالات الأخرى الكثيرة التي يمكن أن تشابه الإنتان.
وقال واردي “أغلبية حالات الإنتان التي تأتي لقسم الطوارئ، يمكن أن تجعل طالبا في كلية الطب أو متخرجا حديثا أن يفحصها”. وأضاف “هؤلاء الأشخاص يعانون من حمى، وتسارع ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، لا تحتاج للوغاريتمات الذكاء الاصطناعي لتتوصل إلى أن هذا الشخص يعاني من الإنتان”.
ولكن بعض الحالات لا تكون واضحة بما يكفي. غالبا ما يصل المرضى وهم يعانون من أعراض غير دقيقة، مثل الوهن العام، مما قد يشير إلى الإنتان المبكر أو الكثير من المشاكل الطبية الأخرى.
وأوضح واردي “في أغلب الأحيان، ما سوف يحدث هو أننا سوف نقوم ببعض تحاليل الدم، ربما بعض الدراسات الصورية، ولكن أقسام الطوارئ أماكن مزدحمة، من الصعب أن يقوم الطبيب الذي قام بالتقييم الأولي أن يقول دعني أعود لك وأحاول جمع المعلومات للتوصل إلى تشخيص”. وقال “هنا تظهر فائدة اللوغاريتمات”.
وأضاف “سوف تساعد اللوغاريتمات الأطباء في هذه المواقف، عندما يكون التشخيص غامضا. الأمر مثل القول يبدو أن هذا الشخص يواجه خطورة مرتفعة للإصابة بالإنتان خلال الساعات القليلة المقبلة، لماذا لا يتم فحصه مجددا وتحديد ما إذا كان سوف يستفيد من السوائل والمضادات الحيوية”.
وشملت الدراسة الخاصة بنموذج “كومبوزر” التي نشرت في دورية أن.بي.جيه ديجتال الطبية، 6217 مريضا بقسم الطوارئ في مستشفى يو.سي سان دييجو. وقارن الباحثون نتائج أكثر من 5 آلاف مريض طوارئ في الفترة من الأول من يناير 2021 حتى السادس من ديسمبر 2022 بـ1162 مريض طوارئ تم علاجهم أثناء استخدام نموذج كومبوزر خلال خمسة أشهر من السابع من ديسمبر 2022 حتى أبريل 2023.
وتوصل الباحثون إلى أن معدل الوفاة بسبب الإنتان بلغ 9.5 في المئة بالنسبة للذين تم علاجهم في وجود جهاز كومبوزر، بانخفاض بواقع 1.5 نقطة مئوية مقارنة بمعدل الوفاة المتوقع وهو 11.39 في المئة، وكان معدل الوفاة بين المجموعة التي تمت دراستها بدون نموذج كومبوزر 10.3 في المئة.
وقامت الدكتورة كارين مولاندير، مديرة تحالف الإنتان، الذي يعد منظمة غير ربحية تعمل على الحد من انتشار هذه الحالة في أنحاء البلاد بمراجعة الورقة البحثية، وقالت إن على الرغم من أنه مازال يتعين القيام بعمل أعمق، فإن ما تم التوصل إليه يعد مشجعا.
وأوضح الباحثون أن نسبة التراجع التي تقدر بـ1.9 في المئة في معدل الوفاة، على الرغم من صغرها، فإنها تعني نجاة 22 مريضا بالإنتان، كان من الممكن أن يتوفوا بهذه الحالة.

الإنتان هو حالة قد تهدد الحياة بسبب تدمير الجسم لأنسجته عند استجابته للعدوى. وعندما تهاجم عمليات مكافحة العدوى الجسم، فإنها تتسبب في عدم قيام الأعضاء بوظائفها بصورة سليمة وطبيعية.
وقد تتفاقم حالة الإنتان فتصير صدمة إنتانية. وينتج عن ذلك انخفاض كبير في ضغط الدم يمكن أن يسبب مشاكل شديدة في أعضاء الجسم وقد يؤدي إلى الوفاة.
ويعزز العلاج المبكر بالمضادات الحيوية والمحاليل الوريدية من فرص البقاء على قيد الحياة.
ويشهد العالم تحولا عالميا نحو الذكاء الاصطناعي في صناعة الرعاية الصحية. ويرجع جزء من ذلك إلى التحول الذي يشهده مجال الرعاية الصحية إلى بيئة سحابية لإدارة البيانات، ومع السحابة، أصبحت البيانات متاحة الآن على نطاق آني للمزيد من التحليل. ولكن بدلا من الاعتماد على الموظفين في التجميع الدقيق للبيانات، فإن الذكاء الاصطناعي يمكِّن الكثير من الكفاءة، وفي العديد من الحالات، العمليات الأكثر دقة بكثير.
مع زيادة إمكانيات الذكاء الاصطناعي، يستفيد كل شيء بدءا من العمليات الداخلية وحتى السجلات الطبية من دمج نمذجة تنبؤية وإنشاء تقارير تلقائية وميزات ذكاء اصطناعي أخرى.
يُستخدم مرضى الرعاية الصحية في جميع أنواع الأعمال الورقية، بدءا من استمارات القبول إلى بيانات المتابعة. ويصدق ذلك بشكل خاص في عصر كوفيد ـ 19، عندما تكون أسئلة الفحص المسبق ضرورية لتوفير الرعاية الصحية الآمنة والفعالة. مع تحول صناعة الرعاية الصحية نحو نموذج سحابي، يتم الآن جمع البيانات في الوقت الفعلي، لكن الذكاء الاصطناعي يسمح بأن يكون ذلك أكثر من مجرد عرض بسيط للنماذج.
مع الذكاء الاصطناعي، يمكن للفرق الطبية الحصول على التحديثات والتحليلات والتقارير التي يتم إنشاؤها تلقائيا، مما يوفر لها الوقت مع التركيز أيضا على مشكلات الرعاية الوقائية للتواصل مع المرضى خلال المواعيد الخاصة بهم. وهذا يتيح اتباع نهج أكثر استباقية وشمولا في الرعاية الصحية مع تقليل حمل العمل على الموظفين.
وأدى استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الرعاية الصحية إلى إنشاء عدد من ميزات إدارة البيانات. ومن خلال تطبيق هذه الأدوات على البيانات في الوقت الفعلي، يمكن إنشاء التقارير والقياسات الخاصة باستخدام الموارد تلقائيا، مما يوفر كثيرا وقت العمليات ووقت التفاعل. كما أن النمذجة التنبؤية على كلا النطاقين الجزئي والكلي تضمن أيضا توازنا أفضل في استخدام الموارد، فضلا عن تحديد الحالات والمواسم عندما تحتاج المؤسسات إلى زيادة حجمها. ومع النمذجة التنبؤية المستندة إلى البيانات، يمكن للمؤسسات التخطيط للمستقبل، وضمان حصول مجتمعاتها على رعاية أفضل.