هل يكون كورونا فرصة لتعديل قطاع الزراعة واستعادة الغابات

أحدثت الأزمة الصحية العالمية تغيّرات كبيرة في المجال البيئي، حيث مثلت فرصة لإعادة النظر في التعامل مع الطبيعة التي تجسد حصنا منيعا للإنسانية ضد الأمراض. وتحذر منظمات عالمية من مخاطر إزالة الغابات وأعمال الإنتاج الزراعي التي تكون نتائجها كارثية على البيئة.
كوالالمبور - قال الصندوق العالمي للطبيعة في أحدث تقاريره إن العالم خسر غابات استوائية تعادل حجم كاليفورنيا على مدى 13 عاما، داعيا إلى اعتماد خطط التعافي من فايروس كورونا لتنشيط جهود الحفاظ على الغابات.
وفي تقرير جديد، درس الصندوق العالمي للطبيعة نحو 24 نقطة ساخنة تعاني من إزالة الغابات عبر آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، وسجّل إزالة أكثر من 43 مليون هكتار (106 مليون فدان) من الغابات في تلك المناطق بين سنتي 2004 و2017.
وقالت فران رايموند برايس، رئيسة الممارسات العالمية في مجال الغابات في الصندوق العالمي للطبيعة، إن جائحة كوفيد – 19 جعلت الروابط بين إزالة الغابات وصحة الإنسان أكثر وضوحا في العام الماضي.
وتابعت “عندما نرى قدرا أكبر من إزالة الغابات وتغييرا في استخدامات الأراضي، نواجه خطر الإصابة بأمراض جديدة على الأرجح”.
ووجد تقرير الصندوق العالمي للطبيعة، الذي استخدم أدق البيانات المتاحة على مدار العقدين الماضيين، أن إزالة الغابات كانت بأسرع المعدلات في منطقة الأمازون البرازيلية وسيرادو والأمازون البوليفي وباراغواي والأرجنتين ومدغشقر وجزر سومطرة وبورنيو في إندونيسيا وماليزيا.
وقال التقرير إن الزراعة التجارية تعد السبب الرئيسي لإزالة الغابات على مستوى العالم، مع تطهير مناطق الغابات لرعي الماشية وزراعة المحاصيل.
وبينما كانت زراعة الكفاف المحرك في أفريقيا، كان التوسع في المزارع والزراعة التجارية في آسيا من العوامل الرئيسية التي تسببت في إزالة الغابات. وقالت برايس “إن الطريقة التي ننتج بها الطعام ونستهلكه تبقى جوهر التحدي الذي نواجهه”، مشيرة إلى إنتاج لحوم البقر وفول الصويا وزيت النخيل كأبرز الصناعات.
وقال الصندوق العالمي للطبيعة، إنه في جميع النقاط الساخنة أدى تطوير البنية التحتية، بما في ذلك توسيع الطرق والتعدين، إلى إزالة الغابات. ويُنظر إلى حماية غابات العالم على أنها حيوية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لأنها تحدّ من الكربون الذي يؤدي إلى تسخين الكوكب وتساعد في تنظيم المناخ.
وأشارت برايس إلى أن الغابات غطت ما يقرب من نصف مساحة اليابسة على الأرض منذ 8 آلاف عام، ولكن النسبة تراجعت إلى 30 في المئة. وأضاف التقرير أن جائحة كوفيد – 19 يمكن أن تكون بمثابة حافز للمزيد من الإجراءات لحماية الغابات.
وقالت برايس “مع هذا الوباء المدمر، أمامنا فرصة لإعادة البناء والنظر في علاقتنا مع الطبيعة ومعالجتها”.
وحث التقرير البشر على مكافحة إزالة الغابات من خلال حماية الطبيعة في المكان الذي يعيشون فيه وتجنب المنتجات المرتبطة بإزالة الغابات من خلال التدقيق في الملصقات الغذائية التي تحدّد مكوناتها ومصادرها. وأضاف أنه يتعيّن على الناخبين حثّ قادتهم على تبني سياسات تهدف إلى وقف إزالة الغابات.
وبالإضافة إلى ذلك، تتضاعف الحاجة إلى اتخاذ الحكومات والشركات والمنظمين لإجراءات عاجلة لتأمين حقوق الأرض للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، وتعزيز السيطرة المحلية على الغابات والحفاظ على المناطق الغنية بالتنوع البيولوجي، حسبما قال الصندوق العالمي للطبيعة.
وأضاف أنه ينبغي اتخاذ تدابير لضمان تداول المنتجات التي يتم الحصول عليها من الغابات بشكل قانوني وأخلاقي ومستدام، لإصلاح سلاسل التوريد ودفع المزيد من الشركات والمقرضين والمستثمرين إلى الالتزام بعدم إزالة الغابات.
وقالت برايس إن الطرق الأخرى للحد من إزالة الغابات تشمل الحد من هدر الطعام، واستخدام المساحات الخالية من الأشجار لإنتاج الغذاء، والانتقال إلى ممارسات الزراعة البيئية والتركيز على الجهود التي يقودها السكان الأصليون. وشددت على الحاجة إلى تغيير علاقتنا بالغابات.
وفي وقت سابق أظهرت دراسة أجرتها جامعة ولاية أريزونا لتحليل حوالي 1500 صفقة كبيرة للأراضي، يبلغ مجموعها 37 مليون هكتار (91 مليون فدان) عبر جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية، أن تطهير الأرض للزراعة ربما يكون قد أطلق حوالي 2.3 غيغا طن من انبعاثات الكربون.
ومع وجود لوائح للحدّ من تحويل الأراضي أو لحماية الغابات، كان من الممكن خفض الانبعاثات إلى 0.8 ميغا طن وفقا للدراسة التي نُشرت هذا الشهر في مجلة “ناتشر فود”. وقال تشوان لياو، الأستاذ المساعد في كلية الاستدامة بجامعة ولاية أريزونا والمؤلف الرئيسي للدراسة، “من غير الواقعي أن نقول إننا لا نستطيع تحويل المزيد من الأراضي، نظرا لأن سكان العالم يتزايدون، خاصة في الدول النامية. لكن لا يزال يتعيّن علينا تقليل انبعاثات الكربون مع متابعة التنمية الزراعية”.
وأدت الزيادة الحادة في أسعار المواد الغذائية في العام 2007 إلى اندفاع عالمي لزراعة الأراضي لزيادة الأمن الغذائي، مع قيام الدول الأكثر ثراء والشركات متعددة الجنسيات باقتناص الأراضي في الدول الفقيرة.
وفي جميع أنحاء العالم ووفقا لدراسة أجريت في العام 2020، تتركز الأراضي بشكل متزايد في أيدي عدد أقل من الشركات، لاسيما تلك الخاصة بالشركات الزراعية الكبيرة والمستثمرين، حيث تدير 1 في المئة من الشركات الزراعية أكثر من 70 في المئة من الأراضي الزراعية في العالم.