هل يكمن حل أزمة جنوب السودان في إقصاء كير ومشار

جوبا - صنّفت مؤشرات دولية عديدة جنوب السودان باعتباره دولة فاشلة. وأرجعت ذلك إلى استمرار الصراعات الداخلية والتوترات السياسية التي لم تسمح للدولة، التي تم الاعتراف بها دوليا قبل خمس سنوات، بالنهوض وتحقيق ولو جزء يسير من الآمال التي تحدّث عنها الانفصاليون والوعود التي تقدّموا بها للمؤسسات الدولية والأممية لتساندهم في دعوتهم إلى تقسيم السودان وقيام دولة الجنوب.
ونال جنوب السودان الاستقلال عن السودان في 2011، لكنه هوى إلى الحرب الأهلية في 2013، بعدما أقال سلفا كير ميارديت رياك مشار من منصبه كنائب للرئيس، فتحول هذا الأخير إلى زعيم للمعارضة المسلحة، وبدأ الوضع الأمني في التأزم ودخلت الدولة في حرب أهلية بين أجنحة الجيش الموالية لكل من الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار.
وباتت قيادات داخلية بالحركة الشعبية لتحرير السودان وأطراف في الحكومة والمعارضة تدرك خطورة استمرار فشل الوفاق بين الرئيس ونائبه الأول، وتخشى انهيار تجربة الدولة التي نالت استقلالها عبر استفتاء لتقرير المصير في يوليو 2011.
أمام هذا الوضع، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” إن تقديرات قوى دولية مدعومة بعناصر داخلية في دولة جنوب السودان، خلصت إلى أن تغييب الخصمين اللدودين الرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار، من المشهد السياسي، قد يكون مقترحا لحل عملي للأزمة.
وكشفت المصادر أن المخاوف الداخلية تلاقت مع بحث دول خارجية عن حل للأزمة للحيلولة دون انهيار اتفاق السلام الذي أبرم برعاية الاتحاد الأفريقي، إلى جانب مخاوف بعض القوى من انهيار تجربة جنوب السودان، وأضحت تخشى من الآثار السلبية لتجدد الحرب الأهلية على مصالحها الاستثمارية في جنوب السودان.
ويعكس الصراع الذي بلغ ذروته في 8 يوليو الجاري، عبر اشتباك مسلح بين قوات من الطرفين بالقصر الرئاسي، وما تلاه من اشتراط مشار دخول 14 ألفا من القوات الدولية إلى جوبا لحمايته، ما تعانيه القيادة في رأس الدولة من انعدام الثقة وتخوين كل من الرئيس ونائبه للآخر بشكل خلق قناعات لدى أطراف دولية باستحالة بناء أركان الدولة الوليدة في ظل وجود القيادتين المتناحرتين ومحاولة الانفراد بالسلطة.
وأدى تجدد المواجهات المسلحة إلى مصرع نحو 300 من المواطنين، وفرار نحو 35 ألف مواطن خارج العاصمة جوبا، الأمر الذي يثقل من كاهل جنوب السودان الذي يعاني من انهيار اقتصادي وتهديدات فعليه بتفكك الدولة التي تضاءلت عملتها المحلية، وتخشى الحكومة من الإفلاس والعجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والجنود، مع تراجع في سعر النفط، وامتناع الدول المانحة عن تقديم الدعم المالي احتجاجا على عدم التزام الرئيس ونائبه بإحلال السلام.
ولكن بعض المراقبين يشيرون إلى أن هناك تفهّما سياسيا من قبل الرئيس سلفا كير لفكرة تنحيته، مقابل اختيار رئيس بديل لفترة انتقالية يحظى بثقته وينتمي إلى قبيلته الدينكا.
وعزّز هذا الخيار الحديث عن الأزمة الصحية التي يمر بها نتيجة تدهور وظائف الكبد، الأمر الذي وفر سببا مقنعا لتبرير تخليه عن مهام منصبه في ذلك التوقيت، كونه من الرافضين بقوة للتدخلات الخارجية في شؤون بلاده، ويحاول أن يأتي خروجه من الرئاسة خاليا من مظاهر الانصياع لإرادة خارجية أو رغبة خصمه مشار.
وفي المقابل، أوصي اجتماع لقيادات المعارضة المسلحة بجنوب السودان، بترشيح تعبان دينق قاي وزير التعدين ورئيس وفدها المفاوض لتولي مهام رياك مشار كنائب أول للرئيس إلى حين عودة مشار إلى العاصمة جوبا، بعد اختفائه في أعقاب المواجهات المسلحة الأخيرة.
سلفا كير قد يقبل بفكرة تنحيته مقابل اختيار رئيس بديل لفترة انتقالية يحظى بثقته وينتمي إلى قبيلته الدينكا
وبرأي بعض الخبراء قد يحدث اختيار دينق كبديل عن مشار شرخا داخل المعارضة المسلحة، حيث اتهم عدد من أنصار مشار تعبان بخيانة مشار، وهو ما دفع بعض عناصر المعارضة للتأكيد على بقاء مشار زعيما للمعارضة لاحتواء الغضب.
لكن متابعين لشأن جنوب السودان يرون أن مثل هذا القرار صدر بالتوافق مع مشار كمناورة سياسية لتخفيف الضغوط الدولية وحماية مشار من أي أخطار محتملة تهدد حياته في حال العودة إلى جوبا.
وهناك من يعتقد أن ما يحدث يتم دون إرادة مشار، وناجم عن تفاهمات قيادات في المعارضة المسلحة مع جهات دولية تستهدف إقصاء مشار من المشهد برمته، بعد أن بات طموحه في الوصول إلى الرئاسة يعيق جهود بناء الدولة، ما يعني إمكانية بزوغ تمرد مسلح جديد تحت قيادة مشار وعدد من القوات المسلحة المؤيدة له، ومن ثمة تتزايد الانقسامات.
وتجري داخل الجبهة الشعبية مباحثات جديدة لاختيار خليفة لسلفا كير، تمهيدا لتنازله طواعية عن مقعد الرئيس، ويعد مستشارا الرئيس، بونا ملوال ونيال دينق أبرز مرشحين لخلافته، لما لهما من تاريخ سياسي إلى جانب الانتماء العرقي لقبيلة الدينكا ذات الأغلبية في دولة جنوب السودان.
ولا تستبعد المشاورات بول ملونق رئيس هيئة أركان الجيش الجنوبي لخلافة سلفا كير، حيث تعزز خلفيته العسكرية وولاء القوات المسلحة له من فرص توليه منصب الرئيس بشكل مؤقت إلى حين استكمال بنود اتفاقية السلام وإجراء انتخابات الرئاسة.
وفي الوقت ذاته تبذل بعض دول الجوار مساعي حثيثة مع قيادات جنوب سودانية تثق فيها لدفعها في بورصة المرشحين، أبرزهم كاستيلو قرنق، مساعد جون قرنق الزعيم السابق للحركة الشعبية، الذي عاد منذ فترة وجيزة من ألمانيا ويمكث في الخرطوم.
وأوضح عطية عيسوي، الخبير في الشؤون الأفريقية، أنه لا يوجد ما يؤكد إمكانية ترك سلفا كير لرئاسة الدولة طواعية، فهو يحظى بدعم كبير من قبيلته، إلى جانب تمسك مشار بموقعه كنائب للرئيس.
وأضاف لـ”العرب” أن اختفاء مشار عقب أحداث 8 يوليو، ترك فراغا في السلطة سعى تعبان دينق إلى شغله بشكل مؤقت حتى عودة مشار إلى جوبا، فتعبان وعدد من قيادات المعارضة ضاقوا ذرعا بالقتال واستراحوا للجلوس على مقاعد السلطة، ويخشون من انهيار اتفاق السلام، وهذا ما دفعه ومن معه إلى البحث عن حل لتعويض اختفاء مشار.
لكن المؤكد أن مشار لن يسمح بذلك وبالفعل فقد اتخذ قرارا بإقالة تعبان من منصبه. وهنا يرجح بقوة حدوث انشقاق بين أعضاء المعارضة، قلة منهم يمكن أن تنحاز إلى تعبان وموالاة الحكومة والأغلبية تتبع مشار وتعود معه للقتال في الغابة.
وأشار إلى أن حل الوصاية الدولية غير قابل للتحقق إلا بإبعاد كير ومشار من المشهد لرفضهما بقوة ذلك الخيار، لافتا إلى أن الحل الأمثل هو إقناع سلفا كير بتواجد قوات دولية ولو باختصاصات أقل يقبلها ولا تنزع من الحكومة أعمال السيادة، وطمأنة مشار بالعودة إلى جوبا لاستكمال مسار السلام.