هل يكفي تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية للحد من نفوذ إيران

طهران تهدد بالمزيد من الفوضى بعد الخطوة الأميركية التي ستعرض المصالح واشنطن في المنطقة للخطر.
الأربعاء 2019/04/10
عصا العقوبات الأميركية تنهال على النظام الإيراني

أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري، الجيش الأيديولوجي للنظام الإيراني، على لائحتها السوداء لـ”المنظمات الإرهابية الأجنبية”، في خطوة غير مسبوقة تأتي ضمن إطار زيادة الضغوط التي لم تؤثر على طهران التي ردت بخطوة مماثلة. ويعتقد خبراء أن الإجراء الأميركي، وإن كان يحمل تداعيات اقتصادية وخيمة على إيران، إلا أنه على مستوى سياسي وعسكري لن يردع النظام الإيراني الذي يعمل على تطوير برنامجه الصاروخي، بل سيمضي في تهديده وزعزعة استقرار المنطقة.

واشنطن – صنف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، في خطوة لم يسبق لها مثيل أثارت ردا من إيران في الشرق الأوسط الذي يزداد اضطرابا بسبب عدوانية النظام الإيراني وإصراره على لعب دور تخريبي يقوض استقرار المنطقة.

وهذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها واشنطن رسميا جيش دولة أخرى جماعة إرهابية. ويدخل القرار الأميركي حيز التنفيذ في 15 أبريل الجاري. وشدد  ترامب في بيان “الحرس الثوري هو أداة الحكومة الرئيسية لتوجيه وتنفيذ حملتها الإرهابية العالمية”.

 من جهتها سارعت إيران إلى الرد على القرار الأميركي. وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في كلمة بثها التلفزيون الرسمي الثلاثاء إن الولايات المتحدة أقدمت على “خطوة وحشية” عندما صنفت فرق الحرس الثوري الإسلامي الخاضعة لسيطرته منظمة إرهابية أجنبية. وتابع  خامنئي في الكلمة التي ألقاها أمام مجموعة من أفراد الحرس الثوري قائلا إن لدى الأميركيين “رغبة في التآمر على (حرسنا)… إنه (الحرس) في طليعة مواجهة أعداء ثورتنا (الإسلامية في عام 1979) ودافع دائما عن البلاد… أميركا فشلت في وقف تقدمنا”.

وتشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري يضم 125 ألف فرد ويشمل وحدات عسكرية وبحرية وجوية، يرضخون لإمرة المرشد الأعلى، كما يقود “الباسيج” وهي قوات متطوعين شبه عسكرية بالإضافة إلى أنه يسيطر على البرامج الصاروخية الإيرانية.

تزعم إيران أن الهدف المعلن من إنشاء الحرس الثوري هو حماية نظام الجمهورية الإسلامية، لكن تحولت هذه الأهداف مع قدوم قاسم سليماني قائد فيلق القدس إلى محاولة لتوسيع نفوذها وبسط سيطرتها في المنطقة والتدخل في شؤون الدول المجاورة، وسبق أن أقر سليماني بأن الحرس الثوري يسيطر على أربع عواصم عربية هي صنعاء وبيروت وبغداد ودمشق.

هذه الأسباب دفعت الولايات المتحدة إلى إدراج العشرات من الكيانات والأشخاص المتعاملين مع الحرس الثوري في قائمة الإرهاب، لكنها لم تحظر الحرس ككل. ومع مواصلة ترامب سياسة الضغط تجاه إيران وأمام تمسك النظام بعدوانيته ورعايته للإرهاب  رأى صقور الإدارة الأميركية في تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية حدًّا من أنشطتها العدوانية.

إستراتيجية ضغط

فيما يثمن خبراءٌ الإجراءَ الأميركي حيث اعتبر ريتشارد نيبو -وهو النائب السابق لمنسق سياسة العقوبات في وزارة الخارجية ومؤلف كتاب “فن العقوبات”- أنه من الصعب تخيل وجود عصا للعقوبات أكبر من ذلك، يتساءل آخرون هل أن تصنيف الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب كاف للحد من عدوانية إيران؟ خاصة أن قوات الحرس الثوري الخارجية المعروفة بفيلق القدس تخوض حروب إيران بالوكالة في المنطقة.

ويرى خبراء أن مدى الفرق الملموس الذي سيحدثه هذا التصنيف ما زال غير واضح. وتعتقد أريان طبطبائي، الخبيرة في الشؤون الإيرانية في معهد “راند”، أن ذلك علامة على استعداد الولايات المتحدة للمزيد من تصعيد ضغطها على إيران.

وحسب تقرير لمركز “أكسيو” الأميركي فإن تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية سيكون له تأثير سياسي واقتصادي، إذ سيعيق أعمال الحرس الثوري وسيضاعف من تأثير العقوبات الموجودة بالفعل ضد المجموعة. ومن نتائج  التصنيف تجميد أصول الحرس الثوري في كافة أنحاء العالم ووضع المنظمات المتعاونة معه والجنرالات أيضا على لائحة الإرهاب.

الحرس الثوري مسؤول عن برامج إيران النووية والمتعلقة بالصواريخ الباليستية
الحرس الثوري مسؤول عن برامج إيران النووية والمتعلقة بالصواريخ الباليستية

ونقل التقرير عن الخبير في الشأن الإيراني بهنام بن طالبيو قوله إن وضع الحرس الثوري على قائمة العقوبات الأميركية الخاصة بالمنظمات الإرهابية الأجنبية، متسق مع إستراتيجية الضغط القصوى لترامب، إذ أنه يزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران في الداخل والخارج.

ووفقا لصحيفة “وول ستريت” فإن التصنيف يمنع الشركات والأفراد من تقديم أي نوع من الدعم المادي أو الموارد للشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني، وسيخضع أولئك الذين يتعاملون معها لعقوبات مدنية أو جنائية، بما في ذلك الملاحقة القضائية.

وقد تؤدي مشاركة الحرس الثوري في النظام المصرفي الإيراني وصناعة الشحن البحري إلى تعقيد الأوضاع مع حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي أقام آلية جديدة لتسهيل المدفوعات مقابل الصادرات الإيرانية. ولم يتضح على الفور كيف ستؤثر الخطوة على علاقات أوروبا التجارية مع إيران.

ومن المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة مخاوف الشركات الأجنبية من التداول أو الاستثمار في إيران، مما يعمق من عزلة إيران. وقد يواجه من يقوم بالأعمال مع الحرس الثوري السجن لمدة تصل إلى 20 عاما بالإضافة إلى منعه من دخول الولايات المتحدة أو ممارسة الأعمال هناك.

ورفض قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري تصنيف واشنطن قوته منظمة إرهابية وقال الثلاثاء إن الحرس سيزيد قدراته العسكرية. ونقل التلفزيون الإيراني عن جعفري قوله “هذه الخطوة الأميركية مضحكة تماما لأن الحرس الثوري في قلوب الشعب… الحرس الثوري سيزيد قدراته الدفاعية والهجومية في العام المقبل”.

تهديدات إيرانية محتملة

الحرس الثوري تأسس عام 1979 لحماية النظام الديني الحاكم، وهو أقوى منظمة أمنية إيرانية ويسيطر على قطاعات كبيرة من اقتصاد الجمهورية الإسلامية والقوات المسلحة ولديه تأثير هائل على نظامها السياسي.

وذكر التلفزيون الرسمي أن إيران حذرت الاثنين من أن تصنيف الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية قد يعرض السلم والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم للخطر. وأقدمت طهران أيضا على إجراء مماثل بإعلان القيادة المركزية الأميركية منظمة إرهابية والحكومة الأميركية راعية للإرهاب.

وقالت السلطات الإيرانية إن القرار الأميركي خطأ كبير سيعرض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر، حيث تخوض إيران حروبا بالوكالة من سوريا إلى لبنان. وكرر قادة الحرس الثوري الإيراني القول إن القواعد الأميركية في الشرق الأوسط وحاملات الطائرات الأميركية في الخليج في مرمى نيران الصواريخ الإيرانية. وهددت إيران بتعطيل شحنات النفط في مضيق هرمز بالخليج إذا حاولت الولايات المتحدة خنق الاقتصاد الإيراني بوقف صادرات النفط.

 بدورهم، حذر منتقدون من أن تلك الخطوة قد تجعل مسؤولي الجيش والمخابرات الأميركيين عرضة لإجراءات مماثلة من جانب حكومات غير صديقة.

 لكن الباحث المقيم في معهد المشروع الأميركي مايكل روبين استبعد ذلك رغم إقراره بحجم القلق المبالغ فيه في واشنطن وفي عواصم أوروبية على خلفية هذا القرار. ورأى أن العديد من مواقف التذمر تتجاهل حقيقة الحرس الثوري.

وكتب في مجلة “واشنطن أكزامينر” الأميركية أنّه من السخافة إعطاء أي مصداقية لفكرة أنّ أعداء الولايات المتحدة قد يردون عليها عبر تصنيف الجيش الأميركي كيانا إرهابيا.

والحرس الثوري مسؤول عن برامج إيران النووية والمتعلقة بالصواريخ الباليستية. وتحذر طهران من أن لديها صواريخ يصل مداها إلى ألفي كيلومتر، مما يضع إسرائيل والقواعد العسكرية الأميركية في نطاق تلك الصواريخ. وقد يكون برنامجها الصاروخي تهديدا محتملا ورد فعل عقب الإجراء الأميركي بحق الحرس الثوري.

 وقد حذرت أريان طبطبائي من أن الحرس الثوري الإيراني يزدهر تحت الضغط وقد يستخدم الميليشيات الموالية له في المنطقة لتهديد القوات الأميركية. وأقر البنتاغون من جهته باتخاذ “إجراءات احترازية لضمان أمن” القوات الأميركية في جميع أنحاء العالم. ويتجه ترامب إلى إبقاء القوات الأميركية في العراق لمراقبة أنشطة إيران.

6