هل يكسر الشباب المستقل نمطية التهرّم السياسي في تونس

تونس – بدأ المشهد السياسي في تونس يتغيّر ويتشكّل بطرق مغايرة للمعهود والسائد منذ الانتخابات المحلية التي أجريت في أواخر عام 2018 وتحديدا حين وجّهت القائمات الشبابية المستقلة صفعة للأحزاب الكبرى وخاصة الحاكمة. وبنفس الطريقة تقريبا، يكابد الشباب التونسي المستقل اليوم لتكون له مكانة هامة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.
من بين الأطراف الشبابية المتحمّسة لخوض تجربة الانتخابات، نجد الائتلاف الانتخابي المستقل “النصر لتونس” والذي يسعى لتقديم برامج مغايرة لما تطرحه الطبقة السياسية التقليدية.
ويقول المنسق العام لهذا الائتلاف ومرشّحه للانتخابات الرئاسية أكرم المصمودي في حديث لـ”العرب” إن منطلقاته رفقة ثلة من الشباب لخوض المغامرة السياسية، كانت مبنية على ما لاحظوه من عجز تام لكل الأطراف الحزبية التي حكمت البلاد بعد الثورة عن تلبية تطلّعات الشعب.
وأفاد المصمودي بأنه لاحظ منذ نشأة ائتلافه وجود تحمس كبير لدى الشباب التونسي للانخراط في العمل السياسي وذلك لفرض تواجده في الصفوف الأمامية ولتمثيل الشعب في البرلمان تحت شعار “نائب في خدمة الناخبين لا في خدمة الأحزاب”.
وأكد على أهمية ترؤس الفئات الشبابية للقائمات الانتخابية المترشّحة للانتخابات، معتبرا أن المرحلة الحالية تقتضي استغلال الطاقات الشبابية في الحكم ولذلك وجب دعمها.
طيلة تسع سنوات عاشت فيها تونس على وقع انتقال ديمقراطي كان مكلفا ومتباطئا، وُصفت الطبقة السياسية المتصدّرة للمشهد سواء تعلق الأمر بأحزاب الحكم أو المعارضة بأنها لا تتسّق مع تطور نسق حياة التونسيين، كما وصفت بالطبقة السياسية المتهرمة نظرا لضعف مشاركة الشباب بالحكم، ما أدخل البلاد في مراحل صعبة وحبلى بالتناقضات سياسيا واقتصاديا.
وهنا يقول المصمودي “الحكم في تونس يمر بفترة تهرّم سياسي ساهمت بشكل كبير في تعطيل إمكانية استغلال الكفاءات الشبابية المتحمسة لخدمة البلد وجعله بالفعل منارة ومثالا يحتذى به في الديمقراطية”.
واستدل المنسق العام لائتلاف “النصر لتونس” بالنتائج الباهرة التي حققتها القائمات المستقلة في الانتخابات المحلية عام 2018 بقوله “المستقلون فازوا في الانتخابات البلدية السابقة وهم الآن يقدمون أداء جيدا مقارنة بالبلديات التي فازت بها قائمات حزبية شهدت في ما بعد خلافات واستقالات”.
ويثار في تونس جدل كبير حول مفهوم القائمات المستقلة، التي وصفها البعض بأنها بمثابة الخزان لبعض الأحزاب الكبرى التي تدعمها ماديا مثلما تدعم قائماتها الحزبية وكل ذلك أثير بصفة خاصة حول بعض القائمات الشبابية المستقلة التي ثبت تحيّزها لبعض الأحزاب كحزب حركة النهضة الإسلامية.
ويشير بعض المراقبين إلى أن الأحزاب الكبرى تنظر بقلق لما صرّح به الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) نورالدين الطبوبي الذي قال في عدة مرات إن الاتحاد سيلجأ لدعم قائمات انتخابية في ظل عجز الطبقة الحاكمة اليوم عن إدارة دواليب الدولة. هنا، أكّد أكرم المصمودي أن ائتلافه بصدد إجراء مشاورات مع عدد من قيادات سابقة باتحاد الشغل لتكوين قائمات انتخابية مستقلة لتقديمها في الانتخابات التشريعية المقبلة.
وأكد تقدم المشاورات مع بعض الوجوه النقابية للدخول في سباق الانتخابات التشريعية القادمة بقائمات موحدة شعارها الاستقلالية، قائلا “من أبرز الشخصيات النقابية التي نتفاوض معها الكاتب العام السابق للاتحاد الجهوي للشغل بمحافظة صفاقس محمد شعبان وبعض النقابيين المقربين منه”.
وفي سياق حديثه عن التنافس الانتخابي، اعتبر المصمودي أن حركة النهضة المشاركة في الحكم في تونس هي أكبر منزعج من كابوس المستقلين، خاصة أن نتائج سبر الآراء الأخيرة تبين تراجع التأييد الشعبي لها. وحسب المصمودي فإن الحركة بصدد شن هجوم سري على المستقلين الذين يرغبون في الترشح للانتخابات التشريعية القادمة، كما تعمد إلى التشكيك في استقلاليتهم.
وشدد على أن حركة النهضة بدأت تنتهج هذه الاستراتيجيا بعدما اتضح لها من خلال نتائج الانتخابات البلدية أن الشباب المستقل سيكون أبرز منافس لها في ظل تعثر بقية الأحزاب المنافسة لها وتخبطها في انشقاقات بالجملة.
وفي سياق متصل، أكد المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية أنه يترشح لمنصب رئيس الجمهورية لتفعيل دور الرئاسة في بناء الدولة الديمقراطية العصرية وللعب أدوار داخلية هامة دون الاقتصار على الدور الخارجي لرئيس الجمهورية وفقا للدستور.
وذكر أنه يترشح لرئاسة الجمهورية بصفة تطوعية، معلنا أنه سيتبرع براتب رئيس الجمهورية للجمعيات الخيرية في حال فوزه بمنصب الرئاسة وبأن لديه مقترحا هاما يصب في خانة سحب الثقة من نواب البرلمان في حال عجزهم عن أداء واجبهم البرلماني.
وبين أن ائتلافه سيقترح هذه المسألة لاعتمادها في المدة النيابية القادمة، وذلك بعد متابعته المشهد السياسي العام والبرلماني بصفة خاصة وأزمة فقدان الثقة لدى المواطنين في ممثليهم في مجلس نواب الشعب.
لقد مرت تونس وفق العديد من المراقبين بجانب الحدث لدى تصويت البرلمان في الأشهر الأخيرة على تعديلات قانونية جديدة تخص الانتخابات، حيث لم يتم التوافق والمصادقة على البند المتعلق بالسياحة الحزبية التي تعد من أكثر التصرّفات المتحيّلة على أصوات وإرادة الناخبين.
وطبقا للمصمودي، فإنه سيتقدم بمقترح جديد في هذا الصدد لمنع تكرر حالات السياحة الحزبية في مجلس نواب الشعب التي أضعفت وفق تأكيده أداء البرلمان وعبّدت الطريق لحركة النهضة للسيطرة على المشهد السياسي.