هل يغير البريطانيون رأيهم بعد مارس 2019

لندن - دعا ديفيد ديفيس، الوزير البريطاني المكلف بملف الانسحاب من الاتحاد الأوروبي الاتحاد، إلى التخفيف من حدة موقفه حول التوصل إلى اتفاق بشأن عملية الانسحاب، قبل بحث العلاقات المستقبلية؛ فيما أكدت متحدثة باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن بلادها على ثقة بأن محادثاتها للخروج من الاتحاد الأوروبي تحقق تقدما كافيا للانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات لبحث شراكتها المستقبلية بحلول أكتوبر.
وحددت الحكومة البريطانية العناصر الرئيسية لاستراتيجية انسحابها من الاتحاد الأوروبي، يأتي على رأسها تحديد “فترة انتقالية بعد مارس 2019”، وهو الموعد المقرر لمغادرة بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقالت المتحدثة باسم ماي إن الحكومة تدرس “عددا من السوابق” لمقترحاتها بشأن كيفية حل أي نزاعات مستقبلية بعد خروج بريطانيا من دائرة اختصاص محكمة العدل الأوروبية في مارس 2019.
وشهدت المفاوضات، التي ستنهي أكثر من 40 عاما من ارتباط بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، بداية بطيئة، في وقت تضغط فيه لندن من أجل إجراء محادثات تتركز على فترة ما بعد الانسحاب لطمأنة الشركات حول الأوضاع بعد خروجها من الاتحاد في مارس 2019.
وتأمل بريطانيا خلال تلك الفترة الانتقالية في إقامة “رابط وثيق” بينها وبين الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، حيث ستتعين على الحكومة البريطانية مغادرة ذلك الاتحاد الجمركي وستسعى إلى عمل ترتيبات جمركية جديدة تحافظ على حرية وسهولة سريان التجارة قبل أن تبدأ الحكومة فعليا في عقد اتفاقية للتجارة الحرة.
ولكن تواجه تلك المقترحات بعضا من الغموض والصعوبات على الرغم من أن الأعمال التجارية رحّبت بفكرة “الاتفاق الانتقالي”. ويخشى مؤيدو البريكست من أنه في نهاية الفترة الانتقالية سيكون من المرجح أن يتم تمديدها، وفي هذه الحالة، ستظل بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي لكن بحكم الأمر الواقع لا باعتبارها عضوا مشاركا.
الاتفاق الانتقالي
يعلق معارضو البريكست الكثير من الآمال على موضوع “الاتفاق الانتقالي”، حيث تسعى الأعمال التجارية دائما إلى التأكد من أن العمل الاستثماري الجديد يجد مناخا مناسبا بعيدا عن أي مخاوف من تغير ظروف السوق. وفي اعتقادهم، لا يمكن أن يوفر “الاتفاق الانتقالي” ذلك.
وستتردد الشركة التي تسعى إلى عقد الاستثمارات فور إخبارها بأن تلك الفترة الانتقالية، بدلا من أن تكون 18 شهرا، سيتم تمديدها لمدة عامين آخرين.
ولكن الأعمال التجارية تسعى أيضا إلى عقد اتفاقات ودية، وهو ما يبدو إشكاليا بعض الشيء. فإذا كانت بريطانيا تسعى فقط إلى عقد اتفاق تجارة حرة سيكون من الطبيعي أن تنضم إلى الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، التي تركتها بريطانيا عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973. لكن هذا أيضا لن يكون له تأثير على مستوى الخدمات أو الحواجز غير الجمركية التي تشكل الآن عنصرا مهما في التجارة الدولية الحديثة.
وهذا هو السبب في أن ثلاثة من أعضاء الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة الأربعة، وهم أيسلندا وليختنشتاين والنرويج، هم أيضا أعضاء في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تنص، مقابل الوصول إلى السوق الداخلية، على قبول مبدأ حرية الحركة جنبا إلى جنب مع العديد من قوانين الاتحاد الأوروبي.
ولم ينتم العضو الرابع في الرابطة، وهي سويسرا، يوما إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، ولكن يمكن القول إن لديها سلسلة من حوالي 120 اتفاقا ثنائيا ثقيلا عقدته مع بروكسل من أجل ضمان الوصول إلى السوق الداخلية.
وتتطلب هذه الاتفاقات نقل قانون الاتحاد الأوروبي إلى القانون المحلي السويسري، حتى تتقبل سويسرا أيضا الكثير من قوانين الاتحاد.
أما تركيا، التي ربما تتمتع بنوع من الترابط الوثيق مع الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، الذي تضعه الحكومة البريطانية في عين الاعتبار، فلديها اتفاق جمركي مع بروكسل.
ولكن عندما يوقع أعضاء الاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارة حرة مع دولة ثالثة، تُفتح أسواق تركيا الداخلية أمام هذه الدولة الثالثة، وبالتالي لا يتم إعطاء هذه الدولة الثالثة الحافز المناسب لتوقيع صفقات تجارية منفصلة مع تركيا.
ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تُفتح أسواق تلك الدولة الثالثة لتركيا، لأنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولا تملك حق التصويت على التجارة أو السياسة التجارية للاتحاد. كل ما عليها فعله هو الامتثال للقوانين دون إبداء أي آراء أو احتجاجات.
المفاوضون يأملون في التوصل إلى اتفاق يقدم مزايا الاتحاد الجمركي والسوق الداخلية دون التزام بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
بالإضافة إلى ذلك، لا تتمتع تركيا في المقابل بسهولة حركة تجارتها، والدليل على ذلك طوابير الشاحنات التي يمكن للمرء أن يراها تقف على الحدود البلغارية، تصل إلى ألف شاحنة يوميا، وسائقيها الذين يتذمرون من الإجراءات التي تظهر نهاية لها. لذلك لا تمثل تركيا نموذجا يُحتذى به بالنسبة إلى بريطانيا، بل على العكس تبدو أقرب إلى جرس إنذار.
بيد أن الحكومة البريطانية تفضل عقد اتفاق مُفصل للتجارة الحرة مصمّم خصيصا ليتناسب والاحتياجات البريطانية. ويأمل المفاوضون في التوصل إلى اتفاق يقدم بعض مزايا الاتحاد الجمركي والسوق الداخلية دون التزامات بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ولكن لماذا يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوافق على مثل هذا الاقتراح الذي يبدو للدول الأعضاء الآخرين مكافأة يحصل عليها من يريد أن يغادر لأنه ببساطة لم يعد يرغب في دفع الاشتراك أو قبول الالتزامات المرتبطة بالعضوية في الاتحاد. كما أن الاتحاد الأوروبي ليست لديه أي حدود جمركية محايدة مع أي بلد خارج سوق الاتحاد أو خارج الاتحاد الجمركي.
فوائد السوق الداخلية
يؤكد ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، أن مثل هذا الاقتراح غير مقبول بحكم المنطق، ولم يسمح الاتحاد الأوروبي حتى الآن لأي دولة بالحصول على فوائد السوق الداخلية أو الاتحاد الجمركي دون فرض التزامات قوانين الاتحاد تجاه هذه الدولة.
وما لم تكن بريطانيا مستعدة لقبول قوانين الاتحاد الأوروبي التي لا يمكن أن تتدخل في صياغتها، لا يبدو أن هناك طريقا وسطا يمشي بين قبول منطق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما يعني ترك السوق الداخلية والاتحاد الجمركي، أو البقاء فيه.
مع ذلك، يأمل مؤيدو البريكست في تحقيق ربح تجاري خارج الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة إلى العديد من دعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي من المحافظين كان منطق خروج بريطانيا بمثابة إحياء للثاتشرية؛ فهم يريدون لبريطانيا أن تصبح مركزا عالميا للتجارة الحرة، لتتحرر بذلك من التعريفات الجمركية والإعانات المالية والالتزام باللوائح والقوانين. ويريدون لبريطانيا أن تصبح سنغافورة الأوروبية. ولكن مهما كانت الميزات التي ستعود من خلال هذا الحل، فقد أظهرت الانتخابات بوضوح أن هذا الموقف لا يتمتع بأصوات الأغلبية في هذه الدولة.
ويبدو أن الميزات الأخرى التي يسعى إليها مؤيدو البريكست مازالت بعيدة المنال. حيث سيستغرق عقد الصفقات التجارية مع دول الطرف الثالث بعض الوقت للتفاوض.
ورغم أنه بات أمرا واقعا، إلا أن البريكست لا يزال يقسم الشعب البريطاني؛ ومازال كثيرون يتطلعون إلى إجراء استفتاء ثان يدحض نتيجة استفتاء يونيو 2016، فيما يتمسك آخرون بنتيجة هذا الاستفتاء ويؤكدون على ضرورة المضي قدما في طريق الخروج رغم وعورتها الشديدة.
ومهما كانت نتيجة المفاوضات، فقد تجد الحكومة صعوبة في تأمين الدعم البرلماني للصفقة التجارية المقترحة. وفي الواقع، قد تضطر إلى الاعتماد على أصوات حزب العمال فقط لتحقيق ذلك، مما سيتسبب في حدوث مشاجرات بين أعضاء حزب المحافظين. وبالتالي قد يرى المحافظون جيدا بحلول مارس 2019 أن هناك سببا قويا لإجراء استفتاء آخر.