هل يعرقل الحراك السياسي المصري الضغوط الخارجية

الدعوة إلى حوار ينطلق من حسابات داخلية تضاعف من اللُحمة الوطنية.
الأحد 2022/05/08
إنهاء الضغوط المرتبطة بالملف الحقوقي

النظام المصري يحرص ويؤكد على أن الدعوة إلى الحوار مع المعارضة تأتي كحاجة مصرية خالصة وليست تحت ضغط من أي جهة خارجية، وأن هناك مسعى لبناء جمهورية جديدة، وهذا يتطلب إغلاق ملف الاعتقالات وقضايا الرأي، لكن من دون أن يمنع ذلك النظام من توجيه رسائل إلى الخارج، وخاصة إلى واشنطن، بأنه مستعد ليمضي في الإصلاحات بما يتناسب مع بيئته، وهو لا يحتاج إلى ضغوط.

ربط البعض من المتابعين بين دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إجراء حوار وطني شامل يضم قوى سياسية مختلفة وبين ممارسة بعض الجهات الغربية لضغوط مستمرة على القاهرة في ملفي الحريات وحقوق الإنسان، وذهب هؤلاء إلى أن الدعوة مردها امتصاص موجات غضب خارجية تطفو على السطح من حين لآخر أكثر منها تلبية لحاجة تستمد دوافعها من حسابات داخلية.

وبين الموقفين توجد مساحة رمادية تتفاعل محدداتها مع عملية الحوار وتجعله يبدو استجابة وحاجة في الوقت نفسه، لأن الأجواء التي أحاطت بالفكرة تجعلها تحتمل الطريقين، وهو ما تظهر معالمه عندما تتحدد أجندة الحوار وأهدافه والقوى المشاركة فيه، فضلا عن مخرجاته والآليات اللازمة لتطبيقها كي تصبح منتجة سياسيا.

ومن المنتظر أن يؤسس الحوار بين النظام المصري وقوى معارضة لعلاقة جديدة تقود إلى إصلاحات تنهي الصخب الحاصل في مسألة المعتقلين في قضايا رأي وتمهد لغلق ملف المحبوسين السياسيين وحل إشكالياته وتوقف عزوف بعض الأحزاب عن المشاركة في فضاء عام قلصت الحكومة هامش الحركة فيه الفترة الماضية.

الابتزاز والاستفزاز

النظام أدرك أن الاعتماد  على أحزاب الموالاة حقق أهدافه وفقا لطبيعة مرحلة بناء هياكل الدولة، لكن تهميش المعارضة يتنافى مع القواعد التي حاولت أن ترسيها ثورتا يناير ويونيو
النظام أدرك أن الاعتماد على أحزاب الموالاة حقق أهدافه وفقا لطبيعة مرحلة بناء هياكل الدولة، لكن تهميش المعارضة يتنافى مع القواعد التي حاولت أن ترسيها ثورتا يناير ويونيو 

نفت دوائر رسمية أن يكون الحوار الوطني استجابة لأجندة خارجية أو نابعا من رضوخ لضغوط بعض الدول الغربية، وأن الفكرة جاءت من تقديرات مصرية صرفة، بدليل أن الضغوط لم تتوقف خلال السنوات التي كان فيها النظام المصري يعيد ترتيب أوراقه ولم تكن أوضاع البلاد على ما يرام في النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، ولم يكشف عن استعداد لتقبل الابتزاز أو الانجرار وراء الاستفزاز، وواصل المضي في طريقه بشأن تعامله مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة.

ويحاول النظام المصري صك مفاهيمه الخاصة وتعزيز مصطلحاته المتعلقة بتعريفات الواسعة لحقوق الإنسان المرتبطة بخصوصية البيئة المصرية، ومن دون اعتداد بما يتردد على مسامعه قادما من الخارج، وفي كل مرة تتعالى فيها العواصف الحقوقية يتعامل معها بالوسائل التي تتسق مع رؤيته، مستفيدا من تعزيز جبهة المصالح مع قوى إقليمية ودولية أسهمت بدور ما في تخفيف حدة الضغوط على القاهرة.

وتشير هذه المعادلة إلى أن قرار الحوار جاء من رحم الحاجة المصرية إليه، ويتماشى مع تطلعات النظام الحاكم لإدارة المرحلة المقبلة، والتي يريد التأسيس فيها لجمهورية جديدة ولن يكون من المناسب أن تعتمد على أركان ومقومات الجمهورية الأولى، بل تستوجب التخلي عن الكثير من التصورات التي أفضت إلى التضييق على المعارضة الوطنية وإعادة تعريفها بالطريقة التي تحقق استفادة مزدوجة.

وأدرك النظام المصري أن الاعتماد على أحزاب الموالاة حقق جانبا من أهدافه وفقا لطبيعة المرحلة التي كان يقوم فيها ببناء هياكل الدولة، لكن تهميش المعارضة أضر به ويتنافى مع القواعد التي حاولت أن ترسيها ثورتا يناير 2011 ويونيو 2013، واللتان فتحتا المجال لولادة النظام الحاكم حاليا، بما يستدعي الاستعانة بالقوى الوطنية التي آمنت بالثورتين أملا في الوصول إلى قواسم مشتركة تضع مصر على طريق إصلاح سياسي بعيد عن أي ضغوط خارجية خاضعة لمصالح من يقفون خلفها.

الحاجة إلى تحولات حقيقية

الدعوة إلى حوار وطني يمهد الطريق لغلق ملف المحبوسين السياسيين
الدعوة إلى حوار وطني يمهد الطريق لغلق ملف المحبوسين السياسيين

فسرت دوائر شبه رسمية الاتجاه نحو الحوار على أنه ضرورة محلية، وغالبية القوى المدعوة للمشاركة فيه على قناعة بأهميته، والضوابط الموضوعة له لا علاقة لها بأولويات خارجية، لأن ملفي الحريات وحقوق الإنسان وما يرتبط بهما من قضايا فرعية يستمدان أفكارهما من البيئة المصرية وحاجتها إلى حدوث انفراجات عميقة في هذه المرحلة تشمل أطيافا سياسية لم تتورط في جرائم عنف وإرهاب.

كما أن الخطوة المصرية جاءت في توقيت تنشغل فيه غالبية القوى الغربية بالأزمة الأوكرانية، ودرجت على التلويح بممارسة ضغوط على النظام المصري في هذه النوعية من الملفات، بمعنى كان بإمكان القاهرة غض الطرف عن الحوار وتجاهل الإصلاحات ومواصلة منهجها في التعامل مع المعارضة بالوسائل التي تريدها، غير أن هناك دوافع محلية أدت إلى تغيير هذا المنحى واللجوء إلى آخر يتواءم مع طبيعة المرحلة المقبلة التي تحتاج فيها الدولة إلى آليات فرعية تساعد على تثبيت أقدامها.

وقد تكون بعض الجهات الغربية مشغولة بالحرب في أوكرانيا، لكن أعينها لن تغفل عما يجري في مصر، وعلى العكس ربما تزيد الضغوط إذا أرادت من القاهرة موقفا أكثر حسما حيال روسيا وإجبارها على التخلي عن سياسة الحياد الإيجابي التي تتبناها منذ بداية التدخل الروسي، فالمعركة لم تعد بين موسكو وواشنطن ومن يدورون في فلك الأخيرة، فهناك حاجة إلى تكتيل موقف دولي داعم لتصوراتها ضد روسيا.

وتجعل هذه الحسابات الجانبية قضايا الحريات وحقوق الإنسان موضوعة على الطاولة باستمرار، فهي من المداخل الحيوية التي يمكن الاستفادة منها سياسيا إذا أرادت الإدارة الأميركية عدم انحياز القاهرة إلى موقف موسكو مستقبلا، وبالطبع ضمن أدوات أخرى اقتصادية وعسكرية لا تقل تأثيرا.

ترتيبات ناعمة

Thumbnail

ومن هذه الزاوية يأتي الارتباط بين الحراك السياسي الداخلي والتقديرات الخارجية، حيث يريد النظام المصري نزع فتيل ما يجلبه التضييق على الحريات من تعقيدات في العلاقة مع الولايات المتحدة التي يؤكد مسؤولون كبار فيها أنه لا يزال ضمن أولوياتها في التعامل مع الدول الصديقة وغير الصديقة.

وتقود الترتيبات الجارية لمسألة الحوار في مصر إلى إعادة توحيد الصف الوطني بطريقة ناعمة، وقطع الطريق على تعاون أي من القوى المحلية مع أخرى خارجية، وتفريغ خطاب الثانية من مضامينه السياسية.

وإذا كان هذا الخطاب يحمل محتوى ينتقد الأوضاع الداخلية ويتعاطف مع القوى السياسية، فالأخيرة باتت تشارك في حوار جاد مع الحكومة ولم تعد مهضومة الحقوق أو يجري تقويض حركتها في الشارع، ناهيك عن التحولات في ملف المعتقلين الذي سيحتل مساحة كبيرة من الحوار المنتظر.

وتؤثر الضغوط الخارجية على الحكومة المصرية عندما تكون الأجواء العامة ملبدة بالغيوم وتحيط بها علامات استفهام كبيرة، أما إذا تم تجاوز الغيوم ووضعت إجابات بدلا من علامات الاستفهام تصبح العلاقة أكثر سهولة وقادرة على مقاومة الاختراقات، الأمر الذي توليه القاهرة عناية واضحة وسوف تتكفل الأيام المقبلة بتأكيد أو نفي الحرص على تعميق أطر الإصلاحات السياسية.

ولا تستبعد بعض الدوائر المتابعة لما يدور من اتصالات بين القاهرة وواشنطن خلف الكواليس أن تحمل خطوة الحوار الوطني، ولو كان نابعا من دوافع محلية خالصة، إشارة خفية للإدارة الأميركية بأن النظام المصري مستعد ليمضي في مجال الإصلاحات السياسية وفقا للآلية التي تتناسب مع بيئته ولا يحتاج إلى ممارسة ضغوط خارجية عليه بحجة أن الحزب الديمقراطي يضع عملية الحريات على رأس أولوياته.

وتحمل هذه الرسالة معنى مهما يتعلق بالقابلية المصرية للانفتاح الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه يزيل من أمام علاقتها مع القاهرة منغصا مركزيا يجعلها تتردد في تطوير علاقتها على المستوى العسكري لتفادي جماعات الضغط.

4