هل يعرف محرك بحث غوغل الانحياز

خوارزميات غامضة لا يعرفها إلا العاملون في الشركة الأميركية، لكن هناك تكتيكات يستعملها المستخدمون المسوقون من أجل دفع محتواهم إلى أعلى النتائج.
الأحد 2018/09/16
الجواب يأتي استجابة لاستعلامات المستخدمين

بوب فيرجر

يجيب محرك البحث غوغل عن مليارات الأسئلة سنويا، ولكن طريقة عمله مثار شكوك وألغاز لا يعرف أسرارها إلا العاملون في مكاتب الشركة الأميركية.

ويرى البعض أن هذا التعتيم يعود إلى التحيز السياسي. وعلى الرغم من أن الخوارزميات التي يعتمد عليها محرك البحث غوغل في عمله غير معروفة، إلا أنه من الممكن الاطلاع على بعض الملامح العامة لعملها وتاريخها، كما أن هذا الغموض أمر جيد بالنسبة إلى مستخدم الإنترنت العادي حسب رأي بعض المحللين.

يعتمد نظام محرك البحث غوغل على خوارزميات خاصة بالشركة، تقدم اعتمادا على ما تعتقد أن الشخص يبحث عنه، ويمكن أن نقول بشكل عام إن هذه الآليات المخفية تأخذ بعض العوامل المنطقية بعين الاعتبار، مثل الكلمات المفاتيح التي تظهر في عنوان المقالة وفي رابطها وفي النص، إضافة إلى ترابط مواقع الويب بعضها ببعض.

وتحاول الشركة أن تخصّص نتائج لكل مستخدم وفقا لتاريخ الويب لديه أو موقعه الجغرافي، حيث أن البحث عن كلمة “قهوة” في مانهاتن يعطي نتائج مختلفة عن البحث عن نفس الكلمة في شيكاغو، ولا شك في أن الخوارزميات التي تقف خلف هذه العملية غامضة أيضا.

إذن فنحن لا نعرف كيف تعمل خوارزميات غوغل بالضبط، ناهيك عن أن الشركة تقول إنها تعدل هذه الخوارزميات مئات المرات سنويا، ولكن هناك تكتيكات يستعملها المستخدمون المسوقون وغيرهم من المحترفين من أجل دفع محتواهم إلى أعلى النتائج.

وتلعب محركات مثل “سي.أي.أو” دورا هاما في ترتيب ظهور النتائج، مما يعني أن الشركات الكبيرة ذات الموارد قادرة على أن تتقن هذه الممارسة، بل قد توجد أقسام كاملة في المنظمات الكبيرة مخصصة لهذا العمل، في حين تعتمد المنظمات والشركات الأصغر على أساليب أقل فاعلية، وتعتبر هذه الأمثلة ممارسة جيدة في مجال الأعمال، كما تمثل فرصة لذوي المهارات التقنية للاحتيال على النظام، مما يوقع شركة غوغل في ورطة حول المعلومات التي يجب أن تشاركها مع الآخرين في المقام الأول، ويكشف أهمية وجود محرك بحث يعطي الأفضلية للنتائج التي تستحق المراتب العليا.

البحث عن كلمة "قهوة" في مانهاتن مثلا يعطي نتائج مختلفة عن البحث عن نفس الكلمة في شيكاغو أو غيرها

يقول البروفيسور ميكلوس سارفاري متحدثا عن أمثلة محركات البحث وخوارزميات غوغل، “إذا استثنينا الخوارزميات نفسها، فإن محرك البحث أشبه بنظام بيئي يمكن فهمه بشكل جيد، كذلك (شركة) غوغل لا تهدف إلى تحقيق أي هدف سياسي” من خلال محرك البحث، خصوصا إذا كانت قادرة على الضغط على مسؤولي واشنطن من أجل مصالحها مثل أي شركة كبيرة، ويتابع سارفاري قائلا “تعمل (شركة) غوغل على أشياء أكثر أهمية، ولا يهمها أن تتسلى بمسائل التحيز السياسي بين اليمينيين واليساريين، بل إن هدفها هو أن تلبي حاجات مستخدمي محرك البحث”.

ويتفق هذا التحليل مع الموقف الرسمي لشركة غوغل في استجابتها لتغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد ورد في بيان الشركة “عندما يكتب المستخدمون استعلاماتهم في مستطيل البحث، فنحن نهدف إلى تقديم أفضل الأجوبة لهم خلال ثوان، ولا يستخدم البحث لتحقيق أهداف سياسية، ولا ننحاز في نتائجنا نحو أي فكر سياسي معين. كما أننا نطبق في كل سنة المئات من التحسينات على خوارزمياتنا، حتى نضمن أنها تقدم أفضل محتوى ممكن استجابة لاستعلامات المستخدمين، إضافة إلى أننا نعمل باستمرار على تحسين محرك البحث، ولا نقوم مطلقا بتغيير ترتيب النتائج من أجل التلاعب بالعواطف السياسية”.

الجدير بالذكر أيضا أن مصطلح “تحيز” يحمل معنى مختلفا عن “إيجابي” أو “سلبي” حيث يشير التحيز في حالة نتائج البحث إلى تصنيف متعمد يهدف خصيصا إلى الترويج لفكرة أو هدف معين، وعليه يمكن لنتائج البحث أن تكون غير متحيزة، وفي نفس الوقت فائقة الإيجابية أو السلبية.

غير أن المسألة الحقيقية هنا هي غموض الآليات التي تعمل في الكواليس بعد أن يكتب المستخدم شيئا في مستطيل البحث، ولكن لو لم تكن هذه الآليات غامضة لتمكن الناس من التلاعب بالنظام من أجل تحسين مرتبة ظهور مواقعهم الإلكترونية في النتائج.

صحيح أن موضوع محرك البحث غوغل أصبح حاليا مسألة سياسية حساسة، إلا أن جذوره تعود إلى حقبة مختلفة للغاية، عندما كان غوغل في بداياته، حيث يقول شومان جوسيماجومدر (المسؤول التقني الأساسي لشركة الأمن السوبراني شيب سكيوريتي، والمسؤول السابق لدى غوغل) “لقد كان أبرز ابتكارات (شركة) غوغل في ذلك الوقت هو عدم الاقتصار على النظر إلى الكلمات المفاتيح الموجودة على الصفحة، بل كانت تنظر أيضا إلى علاقة هذه الصفحة وهذا الموضوع ببقية النظام البيئي على الإنترنت”، فقد حققت الشركة على سبيل المثال خطوة نحو التدقيق على الصفحات التي تكرر الكلمات المفاتيح بلون كتابة أبيض على خلفية بيضاء (حتى لا يسهل كشفها)، والتأكد من أنها لم تدخل ضمن نتائج البحث لهذا السبب.

ومن المثير للاهتمام أن بذور ذلك العمل بدأت مع بحث كان يجريه لاري بيج (المؤسس المشارك لغوغل) في جامعة ستانفورد في التسعينات، ولم يكن يفكر حينها في عمليات البحث، يقول بيج عن تلك الفترة “من المذهل أنني لم أكن قد فكرت في بناء محرك بحث، بل لم تكن الفكرة مجرد احتمال حتى”.

غير أن الشركة أنشأت محرك البحث لاحقا، وتصف شركة غوغل اليوم ما تفعله بشكل عام كالتالي، “تحليل الكلمات المفاتيح، وتصنيف الصفحات المفيدة، وتقديم أفضل النتائج”.

يقول جوسيماجومدر “لا تكشف الشركة عن كل شيء في خوارزمية البحث، أو جميع الأنظمة التي يعتمد عليها محرك البحث، حيث أن سلبية الشفافية الكاملة تكمن في ظهور التلاعب، أي محاولة استغلال المعلومات التي تكشفها شركة غوغل من أجل رفع مرتبة بعض الصفحات في نتائج البحث بشكل غير مبرر، وقد يكون هذا مفيدا لبعض المستخدمين”.

17