هل يساعد الصيام المتقطع على إبطاء الشيخوخة؟

يؤكد فريق من العلماء الألمان أنه لا يوجد دليل ملموس يشير إلى أن التوقف عن تناول الطعام لفترات طويلة فعال في منع الشيخوخة. وأشاروا إلى أن نظام الصيام المتقطع العصري غير ذي جدوى في إطالة العمر. وأفاد الباحثون بأن خطة النظام الغذائي التي تعتمد على التقييد قد تزيد من ارتفاع الوفيات المبكرة بنسبة 30 في المئة.
برلين – توصلت دراسة جديدة إلى أن نظام الصيام المتقطع العصري، حيث يتخلى الشخص عن الطعام لساعات كل يوم، لا يمنع الشيخوخة.
والنظام الغذائي الذي يتطلب من الناس تناول الطعام في غضون فترة زمنية معينة والامتناع عن الطعام لفترة طويلة، مفضل لدى المشاهير لفوائده المزعومة في فقدان الوزن والحؤول دون ظهور علامات الشيخوخة. وقد تم الترويج له مثلا من قبل إيلون ماسك وكريس برات.
وقال فريق من العلماء الألمان إنه لا يوجد دليل ملموس يشير إلى أن التوقف عن تناول الطعام لفترات طويلة فعال في منع الشيخوخة.
وفي حين أن الصيام المتقطع منتشر بشكل كبير، لا يزال العلماء يقيّمون تأثيره على طول العمر. وفي الشهر الماضي أفاد باحثو جامعة تينيسي بأن خطة النظام الغذائي قد تزيد ارتفاع الوفيات المبكرة بنسبة 30 في المئة.
وبالنسبة إلى الدراسة أجرى فريق من المركز الألماني للأمراض التنكسية العصبية فحصا شاملا للتغيرات المرتبطة بالعمر والتي طرأت على مجموعة واسعة من وظائف الجسم في الفئران التي اتبعت النظام الغذائي.
وقام الفحص الصحي بقياس مجموعة من الحالات بما في ذلك حدة البصر وردود الفعل ووظيفة القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى السمات الأخرى بما في ذلك النشاط الاستكشافي للفئران والمعايير المناعية وعدد خلايا الدم ومظاهر المرض المرتبطة بالشيخوخة في الأنسجة.
وخلص الباحثون إلى أن النتائج التي تظهر عدم وجود فائدة ذات مغزى كانت “لا لبس فيها” وأنه حتى عندما بدت الفئران الأكبر سنا أصغر مما كانت عليه، فقد حدث هذا لأسباب أخرى غير النظام الغذائي.
وقال البروفيسور مارتن هرابو دي أنجيليس، رئيس معهد علم الوراثة التجريبية وعيادة الفئران الألمانية في هيلمهولتز زينتروم ميونخ “في الختام وجدنا أن مجموعتَيْ الفئران تتقدمان في العمر بطرق متماثلة. وبشكل عام كان للصيام تأثير ضئيل للغاية في هذا الأمر”.
وفي الوقت نفسه تم استخدام علاجين في مجموعتين مختلفتين، مجموعة لديها وصول غير مقيد إلى الطعام والماء والأخرى تتبع نظاما غذائيا محددا كل يوم.
وشهدت الفئران التي تتبع النظام الغذائي المحدد، عدا أنها لا تزال عرضة للأورام، نموا أبطأ للسرطانات مقارنة بالمجموعة الضابطة، وهو ما يمكن تفسيره بحقيقة أن فترات التقييد الغذائي تؤدي إلى تغيرات في التمثيل الغذائي. وتم منح المجموعة إمكانية الوصول غير المقيد إلى الماء، ولكن تم إطعامها فقط في أيام بديلة حتى نفوقها الطبيعي.
وقال الباحثون إن تصميم الدراسة جعل من الممكن معرفة ما إذا كان يمكن إبطاء عملية الشيخوخة الطبيعية وتدهور وظائف الجسم المهمة.
الصيام المتقطع بأشكال مختلفة، خاصة لفقدان الوزن، كان موجودا منذ زمن طويل ولكن شعبيته ارتفعت في العقد الماضي
لكنْ يبدو أن العلاجات تبطئ العملية لأنها مفيدة بشكل عام وليس لأنها تستهدف تحديدا عملية الشيخوخة.
وكانت الأبحاث السابقة تستخدم العمر كمقياس غير مباشر للشيخوخة، لكن فريق البحث الألماني قال إن هذا نهج معيب.
ومع ذلك عاشت الفئران التي خضعت لعملية النظام الغذائي المحدد مدة، تبلغ أكثر من مئة يوم بقليل (102)، زائدة عما عاشته المجموعة الضابطة.
ومعلوم أن الصيام المتقطع بأشكال مختلفة، خاصة لفقدان الوزن، كان موجودا منذ زمن طويل ولكن شعبيته ارتفعت بشكل كبير في العقد الماضي بفضل موافقة المشاهير جزئيا.
وعزا الكثيرون تحسن صحتهم إلى جداول الأكل المقيدة، مثل طريقة 16/8، التي تتطلب من الناس الصيام يوميا لمدة 16 ساعة وتقييد فاصل تناول الطعام كل يوم بثماني ساعات.
وقالت جينيفر أنيستون سابقا إنها “لاحظت فرقا كبيرا” من خلال عدم تناول الطعام لمدة 16 ساعة. وقال كريس برات إنه لن يأكل قبل الظهر من أجل استعادة لياقته لأدوار الأبطال الخارقين.
وقالت نجمة تلفزيون الواقع كورتني كارداشيان إنها لن تأكل بعد الساعة السابعة مساء ثم انتظرت حتى حوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا أو الحادية عشرة صباحا في اليوم التالي.
لكن الفريق، من خلال أبحاثه، وجد أن هذا النهج لا يبطئ مسار الشيخوخة.
وقال الدكتور دان إنينغر، معد الدراسة، “لا توجد ساعة داخلية للشيخوخة يمكنك تنظيمها بمفتاح بسيط ، على الأقل ليس في شكل العلاجات المدروسة هنا. حقيقة أن العلاج له بالفعل تأثيره في الفئران الصغيرة، قبل ظهور التغيير المعتمد على العمر في التدابير الصحية، تثبت أن هذه تأثيرات تعويضية تعزز الصحة عموما، ولكنها ليست بمثابة استهداف لآليات الشيخوخة”.
ويريد الفريق الآن إلقاء نظرة على تأثير العلاجات الأخرى التي يعتقد الخبراء أنها يمكن أن تبطئ مسار الشيخوخة.
وأعلن الدكتور كيريل بروشايف، أخصائي أمراض الشيخوخة، أن حمية البحر الأبيض المتوسط والنشاط البدني يبطئان عملية الشيخوخة.
وقال العالم الروسي “ظهر في ترسانتنا حاليا عاملان اثنان غير دوائيين؛ هما النظام الغذائي المحدد ونمط الحركة المحدد”. وأشار إلى أن مادة تنتج في الجسم أثناء الحركة النشطة تسمح بتجنب العديد من أمراض الأوعية الدموية.
وتابع “تحت تأثير عدد من العوامل ينتج الجسم الهرمون الغازي، أكسيد النتروجين، الذي يساعد على توسيع الأوعية الدموية وتخفيض مستوى ضغط الدم، ويعزز مقاومة جدار الأوعية الدموية لعملية تصلب الشرايين”.
وأضاف “كما أن النظام الغذائي هو أحد العوامل الرئيسية أيضا. لذلك توصي منظمة الصحة العالمية باتباع نظام غذائي متوسطي”.
وقد لا يكون من الممكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالكامل مع تقدم العمر، ولكن يمكن استنزاف بطاريتها قليلاً؛ حيث تُظهر الأبحاث أن بعض التغييرات السهلة في نمط الحياة والعادات الصحية يمكن أن تبطئ مسار الشيخوخة وتطيل العمر.
وتشير الدراسات إلى أن هناك حيلا في الحياة تعمل على إبطاء عملية الشيخوخة، من ذلك مثلا تخصيص 10 دقائق للتمارين اليومية.
ويرى الخبراء أن سر إبطاء الشيخوخة هو العدْو السريع وليس الماراثون؛ 10 دقائق فقط من التمارين اليومية كافية لإطالة الحياة، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في “جاما أنترنل ميدسين”. وقد وجدت دراسة أخرى أن الجري لمدة 10 دقائق له تأثيرات مضادة للشيخوخة على الدماغ؛ فهو يحسن الوظيفة الإدراكية التي تتراجع بتقدم العمر. والمزيد من التمارين الرياضية أفضل دائمًا؛ فقد وجدت دراسة أجريت عام 2018 أن كبار السن من الرجال والنساء الذين يمارسون الرياضة بانتظام كانوا من الناحية البيولوجية أصغر بحوالي 30 عامًا من أعمارهم الزمنية.