هل يرغم الوباء المدن على تغيير معمارها؟

المدن قد تعمل على تطوير الخيارات ستجعلها أكثر اعتمادا على الذات وأكثر مرونة مع التركيز على النقل والطاقة والأمن الغذائي.
السبت 2020/04/25
البنية التحتية أهم الأولويات

بانكوك - ساهم تفشى فايروس كورونا في تعرية الكثير من العيوب في عدد من المدن والعواصم في ما يتعلق بتصميماتها المعمارية والهندسية التي بدت غير قادرة على تسهيل الحرب على كورونا.

وتبحث مدن عدة في مختلف دول العالم الآن عن خيارات جديدة تمكنّها من تجاوز صعوبات جمة في قطاعات عدة كالنقل والطاقة والأمن الغذائي.

وفي الوقت الذي أدى فيه فايروس كورونا إلى اتخاذ إجراءات الإغلاق القسرية في مختلف أرجاء العالم، تكشف المدن من أمستردام إلى سنغافورة النقاب عن تدابير لتحسين الاستدامة والأمن الغذائي ومستويات المعيشة. وقال خبراء في شؤون المناطق الحضرية إن هذه القرارات ستتحوّل قريبا إلى قاعدة.

وبحسب إحصائيات رويترز، تجاوزت حالات الإصابة بكوفيد – 19 المبلغ عنها 2. 4 مليون شخص على مستوى العالم، وتوفي حوالي 170 ألفا منهم.

وقال توني ماثيوز، وهو محاضر أول في التخطيط الحضري والبيئي في جامعة جريفيث الأسترالية، إن هذه المرحلة الاستثنائية تتطلب ردودا غير عادية.

وأضاف “تاريخيا، انبثقت العديد من الابتكارات الرئيسية في التخطيط والتصميم الحضريين من الرغبة في تحسين الأوضاع الصحية. وسيبعث الفايروس المستجد بحزمة جديدة من الاقتراحات حول كيفية تحسين المشهد الحضري”.

وباء كورونا يعيد إلى الأذهان كيف أدى تفشي الكوليرا سابقا إلى تحسين الصرف الصحي في لندن وأماكن أخرى

ويتوقع أن تعمل المدن على تطوير الخيارات التي ستجعلها أكثر اعتمادا على الذات وأكثر مرونة، مع التركيز على النقل والطاقة والأمن الغذائي.

ووفقا للأمم المتحدة، فمن المتوقع أن يعيش أكثر من ثلثي سكان العالم في المناطق الحضرية بحلول سنة 2050.

وقال جون ويلموث، مدير قسم السكان التابع لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، إن التوقعات تشير إلى أن التوسع الحضري، والتحول التدريجي في الإقامة للسكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية يمكن أن يضيف نموا يقدر بحوالي 5.2 مليار شخص إضافة إلى الموجودين حاليا بالمناطق الحضرية وذلك بحلول سنة 2050، وأن آسيا وأفريقيا ستشهدان ما يصل إلى 90 في المئة من هذه الزيادة.

لكن التقرير وضع شرطا لضمان أن تكون فوائد التوسع الحضري مشتركة وشاملة، إذ تحتاج السياسات اللازمة لإدارة هذا النمو إلى ضمان وصول الجميع إلى البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، مع التركيز على الإسكان والتعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق والبيئة الآمنة.

وأظهرت الأبحاث أن الأزمة الحالية لم تكن المرة الأولى التي يؤدي فيها وباء إلى تغييرات في تخطيط المدن. حيث أدى تفشي الكوليرا في ثلاثينات القرن التاسع عشر إلى تحسين الصرف الصحي في لندن وأماكن أخرى، في حين مهد وباء السل في نيويورك في أوائل القرن العشرين الطريق لتحسين أنظمة النقل العام وأنظمة الإسكان.

اليوم، تبحث السلطات من بوغوتا إلى فيلادلفيا عن سبل لتحسين قطاع النقل، وتضيف المزيد من الممرات المخصصة للدراجات وتمنع حركة المرور في بعض الشوارع حتى يتمكن المزيد من الأشخاص من المشي بأمان أثناء عمليات الإغلاق، وهي إجراءات يقول المخططون إنها سيستمر تنفيذها لفترة طويلة.

وتفكر عمدة باريس آن هيدالغو في مشروع يهدف إلى تطوير المدينة بطريقة تصبح فيها معظم الاحتياجات اليومية على بعد 15 دقيقة من كل باريسي يسير على الأقدام أو يركب الدراجة أو يعتمد على وسائل النقل العام، للحدّ من الازدحام والتلوث وتحسين جودة الحياة.

ومن المرجح أن تستمر برامج التعرف على الوجه من الصين إلى جمهورية التشيك إلى جانب التقنيات الأخرى لتتبع تفشي المرض وفرض الحجر الصحي، ما يزيد من خطر مراقبة السلطات المبالغ فيه حسبما يراه الخبراء الذين يدرسون الحريات والخصوصية.

Thumbnail

أما في سنغافورة، فقد وضعت أزمة كوفيد – 19 الأمن الغذائي على الواجهة. وتستورد الدولة أكثر من 90 في المئة من غذائها، ودفعت قطاع الزراعة الحضرية بهدف إنتاج 30 في المئة من احتياجاتها الغذائية محليا بحلول 2030.

خلال الشهر الحالي، ومع إغلاق المدينة جزئيا للحد من خطر انتشار العدوى، أعلنت السلطات عن منحة بقيمة 30 مليون دولار سنغافوري (21 مليون دولار) لزيادة الإنتاج المحلي من البيض والخضروات الورقية والأسماك على مدى الأشهر الستة إلى الأربعة والعشرين القادمة.

وقالت وكالة الغذاء السنغافورية في بيان إن وضع كوفيد – 19 الحالي يؤكد على أهمية الإنتاج الغذائي المحلي. وأشارت إلى هدف البلاد الكامن في التخفيف من الاعتماد على الواردات، وتوفير احتياطي لحالة انقطاع إمدادات الغذاء.

وقال عميد المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة، بول تنغ، إن الزراعة الحضرية موجودة لكنها غير مستغلة، وأكد على أن لها العديد من الفوائد المحتملة بما في ذلك تحسين سبل العيش والتغذية لفقراء المدن.

وصرح بول تنغ لمؤسسة تومسون “ركزت أزمة كوفيد – 19 اهتمام العديد من الحكومات على التعامل مع الأمن الغذائي بجدية أكبر كمسألة تتعلق بالأمن القومي”.

وقال توني ماثيوز إنه مع تضرر صناعات السفر والسياحة من الفايروس، ستحتاج المدن التي تعتمد على عائدات السياحة إلى إصلاح نماذجها الاقتصادية.

وفي أمستردام، وهي واحدة من أكبر المراكز السياحية في أوروبا، قالت السلطات خلال الشهر الحالي إنها ستهدف إلى بناء قراراتها بشأن السياسة العامة على نموذج “الدونتس” الذي يعطي الأولوية للأهداف الاجتماعية والبيئية من أجل حياة أفضل.

واستنادا إلى هذا المخطط الذي وضعته الاقتصادية البريطانية كيت راورث، تمثل حلقة “الدونتس” الداخلية الحد الأدنى الذي يحتاجه الجميع للعيش، بما في ذلك الطعام والمياه والسكن اللائق والصرف الصحي والتعليم والرعاية الصحية. وتمثل الحلقة الخارجية أهدافا بيئية مثل المناخ والمحيطات والتنوع البيولوجي.

وتؤكد راورث في نظريتها على ضرورة دمج كل هذه الأهداف في المنظومة الاقتصادية وإعادة النظر في النظريات التي لا تراعي البعد الإنساني والحفاظ على البيئة. وقالت إنها حددت بين الحلقتين المكان الذي يمكن أن تزدهر فيه المدن مع تلبية احتياجات البشر.

6