هل يخشى أردوغان شكسبير وبريخت وبكيت

أنقرة- ذكر تقرير للمجلس الثقافي البريطاني أن شكسبير أكثر شهرة في تركيا منه في بريطانيا، وأن الأتراك يستوعبون مسرحياته بشكل أفضل من البريطانيين؛ ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو دائرته الحاكمة في تركيا، من بين هؤلاء الأتراك المطلعين على شكسبير وأيضا على بريخت وتشيخوف وداريو فو، ويعلمون مدى تأثير أعمال أمثال هؤلاء الكتاب سياسيا واجتماعيا، فأرتأوا منعها في تركيا.
وكان من المنتظر أن يشمل برنامج افتتاح الموسم المسرحي في تركيا، في الرابع من أكتوبر المقبل، عرضا لمسرحيات عالمية، لكن حملة التطهير الشاملة التي تعيش على وقعها تركيا، منذ الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، لم تستثن حتى المسرح والثقافة، بل هذا المجال يعتبر، وفق المراقبين، حجر الزاوية في سياسة التغيير التي ينتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويقول الكاتب البريطاني ويليام في مقال له ينتقد فيه القرار التركي بمنع مسرحيات شكسبير من العرض في مسارح الدولة إن “التحول الإسلامي يجعل تركيا تبدو مثل إيران جديدة في الشرق الأوسط”، فيما ردّ المسرحي الإيطالي داريو فو، على قرار حظر مسرحياته في تركيا بقوله ساخرا “أنا الوحيد من بين أربعة مسرحيين تم حظرهم في تركيا على قيد الحياة. آمل أن لا يكون الأتراك قد أدركوا ذلك”.
أنقرة ترى أن أعمال شكسبير وتشيخوف وداريو فو تتعارض مع الروح الوطنية ولا تشجع على الالتزام بالهوية التركية
واعتبر فو، الفائز بجائزة نوبل للآداب في 1997، أن حظر أعماله رسميا في تركيا، بمثابة فوزه مرة أخرى بجائزة نوبل، وأضاف الكاتب والممثل المسرحي الإيطالي، في تصريحات صحافية ساخرة، “إنه لأمر رائع أن تكون في صحبة هؤلاء المسرحيين الكبار. وأن نكون أحد أسباب المشكلات في تركيا”.
وذكر موقع “تركيا في دقيقة” أن نشأة بيريسيك، مدير عام مؤسسة المسارح الوطنية، أعلن أنه لن يتم عرض سوى “المسرحيات الوطنية هذه السنة، بحجة تعزيز المشاعر القومية وتجذير الروح التركية”، فيما اعتبر أن الكتّاب والمسرحيين الأجانب الذين وردت أسماؤهم على القائمة السوداء “تتعارض أفكارهم وكتاباتهم مع القيم الوطنية والمحافظة في البلاد”.
ولن يتم عرض نسخ أجنبية ولا تركية من مسرحيات مثل روميو وجولييت لشكسبير وهاملت، وماكبث، وغيرها الكثير في مسارح الدولة؛ وهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها القطاع المسرحي في تركيا لهذا الحظر، ففي سنة 2014 منعت مسرحية ماكبث لشكسبير لأنها تروي جشع السلطة وتحول الحكم إلى الظلم والقسوة.
بدوره، أكّد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن “مسارح الدولة ستفتح أسبوعها للمسرح بالأعمال التي تنتمي فقط إلى الفنانين الأتراك”، وحتى هؤلاء الفنانون سيتم اختيارهم بما يتناسب وتوجّهات الدولة التركية وطموحات رئيسها رجب طيب أدروغان. لذلك، لم يتوقف الحظر على الأجانب، بل تضم القائمة السوداء أيضا أسماء ممثلين ومسرحيين ومخرجين، تعتبرهم الحكومة، “منشقين” عن الروح التركية و”متمردين” على القيم الوطنية، وتنوي تسريح العشرات منهم، أو وقف تمويل أعمالهم ومسارحهم.
وقد أكّد الممثل المسرحي التركي أورهان آيدين، في تصريحات صحافية أن إدارة مسارح الدولة تعمل على تسريح المئات من الممثلين المنتسبين للمؤسسة المسرحية الوطنية، منذ أن أعدّ مديرها العام نشأة بيريسيك القائمة السوداء بأسماء المنشقين. ووصف آيدين هذه القرارات بـ”الفاشية”، مؤكدا أن الممثلين والمسرحيين لن يخضعوا لها. وسبق أن تم حظر مسرحيات تركية على غرار “صورة من تاريخ العثمانيين” للكتاب المسرحي تورغوت أوزكمان ومسرحية “الشارع الأعمى” لتنسر كوشن أوغلو، خلال الانتخابات التركية في يونيو 2015، وفق آيدين.
نشأة بيريسيك، مدير عام مؤسسة المسارح الوطنية، أعلن أنه لن يتم عرض سوى المسرحيات الوطنية هذه السنة، بحجة تعزيز المشاعر القومية وتجذير الروح التركية
و”تطهير” المسرح من “المنشقين”، ليس سوى جزء من حملة شاملة تطال مختلف مجالات الثقافة، تتم بالتوزاي مع تطهير القطاعات الأكاديمية والتعليمية والعسكرية ومختلف مؤسسات الدولة، في سياق السعي إلى إرساء تركيا العثمانية لكن بملامح أردوغانية. ولا يتردّد الرئيس التركي كلما سنحت الفرصة في الهجوم على الأكاديميين والمثقفين الأتراك الذين ينتقدون سياساته، وقضية الروائية التركية أصلي أردوغان المسجونة منذ منتصف اغسطس بسبب مقالات نشرتها في صحيفة مقربة من الأكراد، أحد أبرز الشواهد على ذلك.
وكان تم توقيف هذه الناشطة (49 عاما) المنخرطة في الدفاع عن الأقليات، في 16 أغسطس بسبب تعاونها مع صحيفة “أوزغور غونديم” المعارضة المقربة من الأكراد، مع عشرين من الصحافيين للسبب ذاته وذلك بعد شهر من الانقلاب الفاشل في تركيا الذي تلته عملية واسعة لطرد الآلاف من الموظفين والقضاة والعسكريين.
وقد أثار توقيفها موجة تنديد في تركيا والعالم انخرط فيها العديد من الفنانين والمثقفين والكتاب. وحصدت عريضة دولية للمطالبة بالإفراج الفوري عنها على أكثر من 30 ألف توقيع. كما تعددت الدعوات إلى الإفراج عنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لكن محكمة في إسطنبول رفضت، الاثنين، الطلب المضمن بالعريضة، بحسب ما قال جهاد دومان، أحد محامي الكاتبة، التي تم إيقافها بتهمة “الدعاية لمنظمة إرهابية” و”الانتماء إلى منظمة إرهابية” و”التحريض على الخروج عن النظام”.
وقال ايرول اونديروغلو، ممثل منظمة “مراسلون بلا حدود” في تركيا، “إنها بحاجة إلى دعم الكتاب الدوليين وتعبئة المجتمع المدني” مضيفا “يجب الاستمرار في ممارسة الضغوط” منددا بـ “مناخ التعسف” الذي أوجده فرض حالة الطوارئ في البلاد. واصلي أردوغان تلقت تعليما في مجال الفيزياء وحاصلة على عدة جوائز وترجمت رواياتها إلى عدة لغات. وأحدث كتبها “بناية من حجارة” يندد بالتعذيب وظروف الاعتقال في تركيا، ولا يعرف حتى الآن موعد محاكمتها، مثلما لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تصل حملة التطهير التي يشنها رجال الرئيس التركي.