هل يحفز القتل العشوائي في المدارس الأميركية التلاميذ على الانشغال بالسياسة

أندريا بارتهيلمي
واشنطن – في أحد هذه الأيام المشرقة بشكل لا يصدق في ولاية مريلاند الأميركية، رفرفت الفانلات البيضاء أمام مدرسة ريتشارد مونتجُمري الثانوية بمدينة روفيل.
نُشِرتْ العشرات من هذه الفانلات على سياج ساحة لكرة القدم، كما لو كان الأمر خاصا بإعلان عن مسحوق غسيل. وعلى هذه الفانلات كُتِبت أسماء التلاميذ الذين أصبحوا حتى بدء هذه الحملة في مايو عام 2018 ضحايا عنف السلاح في المدارس.
بلغ عدد هؤلاء حتى نوفمبر الجاري، وفقا لبيانات إحدى الجامعات، 54 قتيلا و105 مصابين، بما في ذلك الجناة أنفسهم. وطبقا لهذه البيانات، فإن العام الجاري هو أكثر الأعوام دموية في المدارس الأميركية.
المدرسة هي مكان للتعلم والنمو، لكنها أصبحت بالنسبة لعدد غير قليل من الناشئة في الولايات المتحدة مكانا لا يتحقق فيه وعد الحكومة بتقديم الحماية لهم من أجل التنشئة. بل إن هناك أوقاتا أصبحت فيها جرائم القتل الجماعي العشوائي في الولايات المتحدة تحدث بوتيرة شبه أسبوعية. وقد انتشرت في الولايات المتحدة منذ فترة التدريبات للتعامل مع جرائم القتل العشوائي.
وينتمي التلاميذ الذين قتلوا في مدرسة ريتشارد مونتجُمري الثانوية، والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما، إلى 80 دولة، ويبلغ عدد تلاميذ المدرسة نحو 2500 يتلقون دروسهم في مبنى يشبه المخبأ. والأصل أن الحالة النفسية لتلاميذ المدرسة جيّدة، ولكن الرعب يسيطر عليهم بسبب الجرائم السابقة.
كانت حملة الفانلات التي نُظِمت في مايو الماضي محاولة للتعامل مع هذا التهديد الذي يشعر به التلاميذ بشكل دائم، حيث تم ضبط مراهق في مدرسة ثانوية مجاورة يحمل في حقيبة المدرسة مسدسا نصف آلي من عيار 9 مليمتر.
نشأ هذا التلميذ البالغ من العمر 18 عاما في أسرة تمتلك العديد من قطع السلاح، التي يحتفظ بها والده داخل صندوق مغلق، ورغم عدم حدوث أيّ شيء، يتزايد عدم الشعور بالأمان.
54 قتيلا ضحايا العنف المدرسي في الولايات المتحدة إلى حدود نوفمبر الجاري
عندما نلقي نظرة سريعة إلى الوراء، سنعلم أنه كان هناك عام 2016 إنذار في مدرسة ريتشارد مونتجُمري ومدارس أخرى في نفس المنطقة، حيث كانت هناك سيارة مسرعة يقودها رجل على بعد بضعة كيلومترات وأطلق النيران على عدة أشخاص.
هناك نظام إنذار يربط بين الشرطة والمدارس والآباء مع بعضهم البعض عبر أجهزة الهاتف المحمول. وعبر هذا النظام، تلقت آلاف الأجهزة من الهواتف الذكية الموجودة في المنطقة رسالة تحذيرية، عندها أدرك الجميع أنه كان هناك تهديد، وهو ما استدعى رد فعل من المدارس.
كان من بين ردود الفعل على هذا التهديد استدعاء التلاميذ إلى فصولهم، وغلق الأبواب والنوافذ، وكان من المنتظر أن يستمر التعليم بشكل طبيعي قدر الإمكان. ولكن مدارس أخرى قررت اللجوء إلى مستوى دفاعي أكثر حذرا، وهو جمع التلاميذ في أبعد زاوية عن الباب، أو أن يجلس التلاميذ على الأرض منتظرين تحت المناضد، على مدى ساعتين.
وأصبحت هذه التدريبات، التي تتم بشكل منتظم على مثل هذه المواقف، تمارس في إحدى أكثر المناطق ليبرالية في الولايات المتحدة. وتجري مدرسة ريتشارد مونتجُمري تدريبا على كارثة القتل العشوائي كل ثلاثة أشهر. ولكن أصبح هناك منذ عام بداية 2018 جانب آخر معتاد للبالغين، ألا وهو التحرر من حالة العجز عن الدفاع عن النفس، بالإضافة إلى مواجهة انقسام المجتمع.
كانت المذبحة المدرسية التي وقعت في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا في شهر فبراير الماضي، السبب في انطلاق هذه المبادرة التي أدت إلى انطلاق مئات الآلاف من الشباب في الشوارع للاحتجاج ضد عنف السلاح والمطالبة بقوانين أكثر صرامة ضد امتلاك الأسلحة.
وهذه أربعة نماذج للصورة التي تولدت عن العالم لدى تلاميذ وتلميذات منذ وقوع تلك المذبحة؛ تقول لورين بوشي (17 عاما) في الصف الثالث الثانوي “انتابني الخوف فعلا في ذلك اليوم، كان ذلك بعد وقت قصير من الهجوم في باركلاند، انتشرت إشاعات بأن شخصا أعلن عبر برنامج إنستغرام، عزمه على فعل شيء مماثل في مدرستنا”. وخلافا لآخرين، كانت هذه مجرد إشاعة.
وأضافت “خرجت مع تلاميذ آخرين للتظاهر ضد عنف السلاح، ولكن وبشكل جاد… ماذا يفيد ذلك؟ فليس بوسعي أن أمارس حق الانتخاب… عندما يصبح من حقي أن أنتخب، سأفكر في من أعطيه صوتي، لأني أعتقد أن فكرة تزويد المدرسين بالسلاح فكرة جيدة”.
وأوضحت “لكني لا أريد أن أنتخب شخصا من أي من الحزبين، فالسائد في الولايات المتحدة الآن هو إما الحزب الديمقراطي وإما الحزب الجمهوري.. أود أن أستطيع انتخاب جهة أخرى”. وأضافت “أنا مسرورة من ناحية المبدأ بأني أميركية، وأعتقد أن ذلك ميزة عظيمة، أبي يخدم في الجيش، بل إني وطنية متحمسة بشكل ما”.
ولكن وفي ما يتعلق بقانون السلاح “فأنا لا أفهم بشكل تام ما هي المشكلة، أعني أن دستورنا قد صيغ قبل وقت طويل، ومن قبل بيض، كان الرق موجودا آنذاك، ولم تكن هناك حقوق للنساء”.
هناك نظام إنذار يربط بين الشرطة والمدارس والآباء مع بعضهم البعض عبر أجهزة الهاتف المحمول
أما التلميذة أناند شيتنيس (15 عاما) بالصف التاسع، فقالت “قمتُ بتحميل تطبيقات إخبارية مطلع العام الجاري على هاتفي الذكي. لاحظت أن السياسية تثير اهتمامي، وأنها تمسني بشكل ملموس جدا. أصبحت فجأة أدرك مدى الفارق الهائل بين الديمقراطيين والمحافظين في الولايات المتحدة”. وأضافت شيتنيس أنها أصبحت تدرك أيضا أنه من “المهم جدا التعرف على جميع الآراء والاستماع إليها. لديّ شعور بأن الجانبين مغيبان، ولا يستمعان سوى لرأيهما”. وأوضحت “اتحد الكثير من الشباب في مدرستنا وفي المنطقة كلها للنشاط، ننظم جولات وحملات هاتفية، ونخاطب النواب في الكونغرس وفي المنطقة هنا أيضا وفي ماريلاند”.
وقالت “أحيانا نختلف بشأن ما إذا كان ذلك كله مجديا. فلي صديقة، على سبيل المثال، تعتقد بأن هذه الحملات تفيد بشكل ما، ولكن علينا أن نُنمي، على الأقل، وعي الناس بأن على السياسيين أن يحققوا هذه التغييرات، أليس كذلك؟ أرى أنه من الواضح لي تماما أنه يجب ألا ننتظر.. نذهب اليوم للمشاركة في حركة الاحتجاجات، ثم يكون غدا هناك وبطريقة سحرية قانون جديد يلبي مطالبنا”.
وتابعت “أقنعنا مدير المدرسة بموقفنا بعد أن كان مترددا في البداية، وأعلم أنه ليس من حق المعلم أن يصرح برأيه السياسي أو أن يتبنى مواقف سياسية.. ولكنه في النهاية أب لأطفال، وربما بدأ يدعمنا وقتا ما، وجعل الكثير من الأمور ممكنة. لذلك نقوم بحملة الفانلات”.
وأشارت التلميذة تانيا كيبي (16 عاما) إلى أنها أول من حصل على الجنسية الأميركية من أفراد عائلتها، مضيفة “الأصل أن ذلك يعني بالنسبة لي أن لدي حرية التعبير عن الرأي، وأنه لا يمكن حرماني من حقوقي المدنية بكل بساطة.. ورغم ذلك، لا أزال أشعر بالدرجة الأولى أني مهاجرة لأني جئت من بلد آخر. ليست الولايات المتحدة البلد الذي كنت أتخيله. كنت أظن أن أميركا بلد مليء بالأمل. ولكن أشياء سيئة تحدث هنا دائما لأبرياء”.
وقالت “عندما يتغير ذلك، سيتغير موقفي من أميركا مرة أخرى. أما الآن فأرى أنه ليست البلد الذي أود العيش فيه بشكل دائم”.