هل يجتمع الحب والدين على أرض الياسمين؟

الاثنين 2017/08/21

وحدها أرض الياسمين، تونس تستطيع أن تخطو خطوات واسعة بإتساع الحلم لتمكين المرأة والحفاظ على كرامتها، جرأة تونس في الحفاظ على مكتسبات النساء على أرضها سبقت باقي الدول العربية بسنوات ضوئية من الكرامة والحلم، فقد منعت تعدد الزوجات حتى لا تجرح كرامة نسائها، وحافظت عليهن في كثير من الأمور.

إلا أن الثوابت الدينية التي لا يمكن المساس بها تظل أسلاكا شائكة وخطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، مثل عدم إباحة زواج المسلمة بغير المسلم أو المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، إذ أن هذه الأمور مذكورة صراحة في القرآن الكريم وتعد من أساسيات ما هو معلوم من الدين بالضرورة، بل لا يجوز الحديث عنها وطرحها للمناقشة بالأساس.

وفي رأيي أن مسألة تعدد الزوجات مسألة فقهية إجتهادية ولها قواعد وضوابط وشروط وكون تونس نصت قوانينها على عدم تعدد الزوجات فهذا من قبيل الفكر التنويري وعصرنة ما تراه مناسبا لواقع الحال، فيما لا يمس ثوابت الشرع، في تقدمية محمودة.

وقد طالب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بمراجعات قانونية على نطاق كبير، حتى يسمح للمرأة المسلمة بالزواج من الرجل غير المسلم، وأن تتساوى في الميراث مع الذكر، كون مجلة الأحوال الشخصية لم تنص على إختلاف الديانة كأحد موانع الزواج منذ ثلاثة عقود تقريبا، تحقيقا لتمكين المرأة ووجوب مساوتها بالرجل.

وعلى ما أذكر كانت حوالي 60 جمعية تونسية عاملة في مجال حقوق المرأة قد نادت في مطلع هذا العام بحرية الضمير الإنساني، وحرية إختيار شريك الحياة وأن من حق النساء تقرير مصيرهن في أمور مصيرية وعلى رأسها إختيار الزوج.

هل يجتمع الحب والدين، أم يفرقان قلبي المحبين، وهل الحب والغرام وحدهما قادرين على بناء بيت وأسرة مستقرة وعلاقات متينة دون حاجة للشرع؟، سؤال دار بيني وبين صديقة تونسية تعليقا على الجدل المثار حاليا على أرض تونس الخضراء جراء إعلان الرئيس “السبسي” لجواز زواج المسلمة بغير المسلم، والمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى توددا للنساء في يومهن.

فأجابتني: أنا متعلمة، ومثقفة وتقدمية ومثلي الكثير، ولكنني سأظل بالأساس مسلمة لا يمكنني نكران هذا وأخذ ما يخالف الشرع والدين الإسلامي كمنهج في حياتي ولا تغيير لكتاب الله تعالى حتى يتوافق مع رغباتي، وعلى من تريد مخالفة الدين الإسلامي الخروج منه وإتباع أي ديانة أخرى تتوافق مع ما تريده وتؤمن به وألا تخلع الصفة الدينية على ما تقوم به، ولا تلبسه رداء الدين مطلقاً.

فعلى الرغم من مشاهداتي، ومعايشتي لحالات كثيرة لفتيات مسلمات أحببن شبابا مسيحيين، ووقف الدين والأهل حاجزا لإتمام هذه الزيجات، ومنهن من تعذبت في حبها كثيراً ولم تسطع العيش بدون حبيبها وتألمت لأجله لفترة زمنية طالت أو قصرت ولكنها في النهاية إنتهت، وإستكملن الحياة مع حب حقيقي وحياة زوجية مستقرة لا يفرقها موانع شرعية أو إجتماعية، حين ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، أدركت معظمهن سراب البحث عن الحب وحده وأن إختلاف الديانة ليس أمراً ترفيهياً.

ولي زميلة دراسة إضطرت للسفر خارج البلاد والعيش في دولة أوروبية للفوز بحبها من زميل دراستنا المسيحي، وعاشت معه عدة أشهر في سعادة غامرة، قبل أن تطرق المشاكل باب بيتها، ففي كل لقاء مع الأصدقاء لا يفوت زوجها الفرصة حتى يبدأ في إتهام الدين الإسلامي بالتعصب والتشدد وأنه تفريخ لعقول إرهابية مريضة وغالبا ما تنتهي المناقشات بشجار يطول لعدة أيام، كما يرفض صيامها لشهر رمضان أو الصلاة، وبالرغم من محاولاتها إحترام ديانته وإجباره على إحترام ديانتها إلا أن الخلافات كانت دائماً سيدة الموقف وسرعان ما إنتهى زواجها بنفس الصورة الدرامية التي بدأ بها، وحالات كثيرة فشلت في زواجها بغير المسلم أو فشلت حتى في إستكمال باقي المشوار الطويل.

ومن تونس إلى جميع الدول العربية طار التأييد للقرار من تقدميين رأوا أنه تأخر كثيرا وكان يجب إتخاذه منذ سنوات، وشجعته حملة إلكترونية على مواقع التواصل الإجتماعي، فيسبوك، وتويتر، مطالبة مؤسسة الأزهر بمصر بعدم التدخل في شأن يعتبر داخليا لدولة أخرى، فيما رفض كثيرين القرار سواء كانوا مسلمين متدينين أم وسطين، معتبرين هذا النداء مخالفة صريحة لنصوص الدين الإسلامي ودعوة للخروج على الأصل في ثوابت الشريعة الإسلامية.

وكان عباس شومان وكيل الأزهر قد رفض هذه الدعوة لمخالفتها آيات قرآنية قطعية الدلالة لا تحتمل تأويلا أو إجتهادا، منتقدا للدعوة التونسية المتحررة، مؤكدا على أن هناك حالات كثيرة تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الأنصبة أو تزيد عليه.

كاتبة مصرية

21