هل يتغلب الخوف على غريزة الأمومة

تونس – تجابه المرأة أو الفتاة التي تنجب خارج إطار الزواج العديد من المشكلات التي تبدأ من صراعها مع نفسها ومع شريكها في علاقة غير شرعية وصولا إلى أسرتها والمجتمع. وتتخذ أغلب الفتيات في هذه الحالة قرارا بالتخلص من الابن غير الشرعي إما بالإجهاض قبل ولادته وإما برميه والتخلي عنه أو قتله بعد ولادته.
وتكشف جلّ الدراسات والإحصائيات والأبحاث الاجتماعية أن غالبية الأمهات العازبات في المجتمعات العربية يتخلّين عن مواليدهن بل ويقدم بعضهن على ارتكاب جريمة في حقه.
وتبين هذه البحوث الأسباب التي تدفع هؤلاء للتخلي عن أبنائهن فتتحدث عن الخوف وعن وقوع الفتاة ضحية للمعاشرة دون رضاها أو للاغتصاب وعن صغر سن هذه الفئة من الفتيات عموما حيث يكنّ في أغلب الحالات مراهقات، وعن مستوياتهن التعليمية المتواضعة أو عن أميّتهن وجهلهن بالعلاقات الجنسية، وعن انتمائهن لطبقات اجتماعية متوسطة أو فقيرة ولأحياء ومناطق شعبية.
وفي نفس الوقت فالدراسات التي تطرح موضوع الأمهات العازبات اللائي ينتصرن لغريزة الأمومة ويحتفظن بالابن غير الشرعي ويدخلن في صراع مع المجتمع، وخاصة مع أسرهن، تكاد تكون غائبة. وتتحمل الفتاة التي تقرر الاحتفاظ بمولودها غير الشرعي في ذلك مسؤوليتها وفي الخطأ الذي ارتكبته عندما حملت عقب علاقة جنسية محرّمة شرعا.
ويحيل غياب البحوث التي تثير مسألة احتفاظ الأمهات العازبات بأبنائهن على العديد من الاستنتاجات والتساؤلات أولها هل أوضاع هذه الفئة من الأمهات العازبات لا تستحق الدراسة والتتبع والعناية كباقي فئات المجتمع؟ ثانيها هل يضمر إغفال البحث في تفاصيل حياة الأم العزباء التي تحتفظ بابنها عدم تأييد لهذا القرار حتى من قبل الباحثين وإن كان لا يخلو أيّ من المجتمعات العربية من الأمهات العازبات ومن الإنجاب خارج إطار الزواج، لكن هناك من المجتمعات من يثير الموضوع للنقاش والبحث والدراسة لفهم وتحليل الظاهرة في سبيل مساعدة الحكومات على إيجاد الحلول للحد من الظاهرة ووضع استراتيجيات للإحاطة بهذه الفئة من النساء وبالأبناء غير الشرعيين.
وفي ذات السياق نجد بعض المجتمعات والحكومات التي تحاول غض الطرف عن الظاهرة وتتكتم عن حقيقتها وتدرجها ضمن التابوهات التي لا تجب إثارتها ولا مناقشتها ولا تشجّع على الإحاطة بهذه الفئة من النساء على اعتبار أن في ذلك تشجيعا على الزنا وعلى الانحلال الأخلاقي وتعرية لنزوع البعض من الشباب إلى تقليد الغرب والابتعاد عن دينهم وعن القيم والعادات الاجتماعية السائدة.
الدراسات التي تطرح موضوع الأمهات العازبات اللائي ينتصرن لغريزة الأمومة ويحتفظن بالابن غير الشرعي ويدخلن في صراع مع المجتمع تكاد تكون غائبة
وفي تونس التي يعدّ قانونها من بين أكثر القوانين العربية احتراما لحقوق المرأة يقر المشرع الإجهاض ويتيحه لجل النساء ومنهن العازبات اللائي يحملن خارج إطار الزواج بغرض الحدّ من أعداد الأبناء غير الشرعيين والأمهات العازبات. كما يسمح القانون التونسي لهذه الفئة من النساء بمتابعة وضعهن الصحي وبالولادة في المستشفيات تحت مسمى “حالة اجتماعية”.
وبالرغم من هذه المساندة القانونية على المستوى الصحي تتم أغلب حالات الولادة في سرية ودون زيارة المستشفيات خاصة في حال قررت الأم التخلص من مولودها.
وبحسب آخر الإحصائيات الرسمية فقد تم تسجيل ما بين 1200 و1500 ولادة خارج إطار الزواج العام المنقضي، وهذه الأرقام لا تعكس الواقع لأن أغلب الولادات تتم في سرية ودون علم الجهات الرسمية. وتختار نسبة ضئيلة جدا من الأمهات العازبات الاحتفاظ بالابن ولكل منهن أسبابها الشخصية والتي يعد من أهمها بحسب المختصين في علم الاجتماع الرغبة في الأمومة خاصة في ظل تأخر سن الزواج أو اليأس من إمكانية الارتباط الرسمي بسبب الظروف الاقتصادية التي دفعت الشباب التونسي إلى العزوف عن الزواج.
ويؤكد الباحثون في علم الاجتماع أن من بين أهم أسباب رغبة الأم في الاحتفاظ بابنها غير الشرعي تمسكها بشريكها في العلاقة وأملها في أن يتزوج بها رسميا لتتمكن من تحقيق حلمها ببناء أسرة مثل قريناتها. وكذلك اعتقادها بأنها عاشت قصة حب رومانسية وجنونية ترفض التخلّي عنها بسهولة.
ويرجح الخبراء أن النسبة القليلة من الأمهات العازبات اللائي يخترن الاحتفاظ بالابن غير الشرعي تكون في أغلب الحالات من الفتيات اللائي خضن العلاقة مع الشريك عن قناعة وحب وليس من الفتيات اللائي يعرضن للاغتصاب أو للتغرير واستغلالهن جنسيا.
وتكون هذه الفئة عموما من الفتيات الراشدات لا من المراهقات أي من الفئة العمرية من العشرين عاما فما فوق. كما تتمتع أغلبهن بقوة شخصية تسمح لهن بالدخول في صراع ضد الرفض الأسري والمجتمعي لوضعهن الشاذ عن الدين والأعراف.
وفي أغلب الحالات يكون لديهن عمل أو مستوى تعليمي ثانوي أو عال يسمح لهن بكفالة أنفسهن والابن ويمكنهن بالتالي من الاستقلالية المادية. وفي بعض الحالات نجد منهن الأكثر حظا من حظيت بمساندة من أسرتها أو من أحد الأصدقاء ومن أطراف من المجتمع المدني مثل الجمعيات التي تكفل الأمهات العازبات وأبناءهن.
وتكشف الإحصائيات أن أغلبية الأمهات العازبات ينتمين إلى الفئة العمرية بين 20 و24 عاما وذلك بنسبة 33 بالمئة من مجموع الأمهات العازبات، تليها الفئة العمرية بين 15 و19 عاما، وذلك بنسبة 27 بالمئة. وتوجد أكبر نسبة من الأمهات في صفوف الفتيات ممن لهن مستوى تعليم أساسي أي بنسبة 46 بالمئة، يليها التعليم الثانوي بنسبة 35 بالمئة، في حين أن الأمهات العازبات الأميات لا تتجاوز نسبتهن 15 بالمئة. أما الأمهات اللائي لهن مستوى تعليم عال فيبلغن 3 بالمئة.
صحافية من تونس