هل يتحول التقارب الحالي بين دول شرق المتوسط إلى تعاون دائم

دول المنطقة أمام تحدي احتواء تهديدات إيران وروسيا وحماس.
الأربعاء 2022/05/25
روسيا تعزز حضورها العسكري في شرق المتوسط

التغيرات التي تعرفها منطقة شرق المتوسط تثير تساؤلات عن إمكانية تحول التقارب الحالي بين بعض الدول، وهو تقارب مدفوع بلا شك بعوامل داخلية، إلى تعاون دائم للتصدي للأطراف التي قد تنغص أو تمثل أنشطتها خطرا على ذلك التقارب على غرار إيران وروسيا والصين وغيرها.

لندن - تثير التحركات التي تشهدها منطقة شرق المتوسط الرامية لترسيخ تعايش مشترك بين فاعلين لطالما كانوا على طرفي نقيض تساؤلات عن فرص تطور ذلك إلى مستوى تعاون دائم.

وإذا كان هذا التقارب مدفوعا بإكراهات داخلية، كما هو الشأن بالنسبة إلى تركيا التي كانت أجنداتها وراء عدة خلافات في المنطقة مع دول مثل اليونان وقبرص، فإن التساؤلات تُطرح أيضا حول مدى قدرة هذه الدول على احتواء التهديدات التي تمثلها روسيا وإيران وحركة حماس.

وكثفت روسيا من حضورها العسكري في شرق البحر المتوسط الذي يُعد قاعدة خلفية للبحر الأسود ومنطقة النزاع في أوكرانيا، فيما شنت حماس التي تسيطر على قطاع غزة بعض الهجمات على أهداف إسرائيلية وهو ما يشكل تحديا أمنيا هائلا أمام دول المنطقة.

ويُمهد التقارب الأخير الذي يعد تغير الموقف التركي من عدة ملفات في المنطقة أحد أبرز محركاته، الطريق لاستفادة دول شرق المتوسط في مجالات مثل الطاقة وغيرها في وقت تتصاعد فيه التحديات الداخلية خاصة في أنقرة حيث يستعد الرئيس رجب طيب أردوغان للانتخابات الرئاسية العام المقبل وسط تدهور اقتصادي كبير.

فرص واعدة

ديفيد بولوك: التكهن الأكثر منطقية هو الهدوء النسبي وليس التعاون الفعال

تتراجع قيمة الليرة التركية بينما يناهز التضخم في البلاد 40 في المئة. كما تمّ تخفيض تصنيف تركيا الائتماني إلى الدرجة غير الاستثمارية، والآن بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده أردوغان الانتخابات في المدن الرئيسية، يبدو أن قاعدة مؤيديه من الطبقة الوسطى في المحافظات قد انحسرت أيضا بشكل كبير ما زاد من الضغوط على أردوغان.

وجعل هذا الوضع أردوغان يلجأ إلى سياسة تصفير المشاكل مع دول الإمارات والسعودية لتقديم حبل نجاة اقتصادي له مقابل تنازلات تشمل على سبيل المثال خفض الدعم لجماعة الإخوان المسلمين وإظهار تعاون أكبر في ملفات مثل ليبيا وغيرها.

ويبدو أن أردوغان مستعد أيضا للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل في استكمال لتغيير سياسته الخارجية حيث قال في فبراير الماضي “بإمكاننا استخدام الغاز الطبيعي الإسرائيلي في بلادنا… كما يمكننا الانخراط في جهود مشتركة تتعلق بمروره إلى أوروبا”.

وقال ديفيد بولوك وهو باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن “هذا في الواقع مجرد حلم بعيد المنال أكثر من كونه احتمالا جادا، لكنه نابع من أسباب اقتصادية ولوجستية وليست سياسية. وتتمثل النقطة الأساسية في وجود إرادة سياسية الآن في أنقرة للتقارب من دول البحر المتوسط، مدفوعة بمحركات اقتصادية وسياسية محلية التي من المحتمل أن تستمر على مدى السنوات القليلة المقبلة”.

وفي المقابل، يبدو أن لبنان أيضا سيستفيد من التغيرات التي تعرفها منطقة شرق المتوسط حيث أن من البنود المطروحة هي مخطط لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى لبنان، من خلال مسار خط أنابيب بري ملتف للغاية يمر عبر الأردن وسوريا، على أن يكون مصدر الغاز من المياه المصرية والإسرائيلية. ويجري البحث بهذا المشروع المعقد بوساطة أميركية وبهدف معلن هو تخفيف الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يشهدها لبنان.

ومن الأهداف غير المعلنة الأخرى هي تشجيع إحراز تقدّم على صعيد الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان أو على الأقل استئناف المفاوضات بشأنها.

وفي أوائل العام 2022 وافقت الحكومة اللبنانية، التي يهيمن عليها حزب الله، على العودة إلى طاولة المحادثات، بوساطة أميركية. وعلى الرغم من أن الطرفين لن يتوصلا إلى اتفاق عما قريب على ما يبدو، فمجرد بروز هذا الاحتمال قد يمنع تصاعد حدة التوترات.

التقارب الأخير الذي يعد تغير الموقف التركي من عدة ملفات في المنطقة أحد أبرز محركاته يُمهد الطريق لاستفادة دول شرق المتوسط في مجالات مثل الطاقة وغيرها

وقال بولوك إنه “على الرغم من احتمال تطوير قدرات لبنان على سحب الغاز من المياه بعد الاتفاق على ترسيم الحدود مع إسرائيل، والذي قد يستغرق سنوات، إلا أنه قد يعِد في النهاية بتحقيق مكاسب كبيرة لاقتصاد البلاد الغارق في الصعوبات. علاوة على ذلك، قد يحمي أيضا الأصول الإسرائيلية في البحر من بعض الأعمال العدائية تجاهها؛ فالجانب اللبناني، وحتى حزب الله، يدركان تماما أن أي شركة لن تستثمر في منطقة حرب”.

أما اليونان وقبرص اللذان جمعتهما خلافات حادة مع أنقرة بسبب أنشطتها الاستكشافية وغيرها، فإنهما ترحبان بالتغيرات الجديدة خاصة التي طرأت في الموقف التركي.

ولم يتم بعد حل أي من الخلافات الشائكة، وليس من المحتمل أن يتم حلها في وقت قريب. ولا يزال التوصل إلى تسوية نهائية ورسمية بشأن تقسيم قبرص أو توحيدها بعيد المنال، إلى جانب المطالبات البحرية المتضاربة التي ينطوي عليها الأمر. وبالمثل، لم يُحرَز سوى تقدم ضئيل في توسيع منتدى غاز شرق المتوسط ليضمّ تركيا.

وقال بولوك إن “التكهن الأكثر منطقية على المدى القريب هو الهدوء النسبي ولكن ليس التعاون الفعال بين هذه الدول”.

أما مصر فقد تكون من أبرز المستفيدين من خارطة التحالفات الجديدة في منطقة شرق المتوسط حيث بدأت تتقلص حدة التهديدات التي تمثلها تدخلات أنقرة في ليبيا وأيضا إمكانية حصولها على عروض طاقة جديدة من مختلف الأطراف وهي بتمويلات خارجية، علاوة على مصلحتها في ضمان أمن العبور عبر البحر الأحمر وقناة السويس وصولا إلى البحر المتوسط.

احتواء التهديدات

حتى تتمكن من قطف ثمار التقارب الأخير في شكل تعاون فعال سيكون على دول شرق المتوسط أخذ بعض المعطيات في الحسبان واتخاذ إجراءات في هذا الصدد، على غرار كبح جماح التهديدات التي تمثلها أطراف مثل إيران وروسيا وأيضا حركة حماس.

◙ مصر قد تكون من أبرز المستفيدين من التحالفات الجديدة في المنطقة حيث بدأت تتقلص تهديدات التدخلات التركية في ليبيا وأيضا إمكانية حصولها على عروض طاقة جديدة
◙ مصر قد تكون من أبرز المستفيدين من التحالفات الجديدة في المنطقة حيث بدأت تتقلص تهديدات التدخلات التركية في ليبيا وأيضا إمكانية حصولها على عروض طاقة جديدة

وفيما لدى روسيا وإيران نوايا توسعية في المنطقة من خلال أنشطة للميليشيات وغيرها، فإن لدى حماس أيضا أنشطة قد تساهم في تقويض الاستقرار في شرق المتوسط.

وتعرض ميناء أشدود الإسرائيلي القريب على البحر المتوسط والمنشآت الرئيسية على غرار محطة خط الأنابيب، ومحطة الطاقة، ومحطة تحلية المياه في عسقلان لهجمات خطيرة سواء من حماس أو حركة الجهاد الإسلامي، إلا أن معظمها كانت خارج المسار أو تم اعتراضها من قبل “القبة الحديدية” والدفاعات الأخرى.

وقال بولوك “في المستقبل القريب يمكن توقع أن يؤدي الجمع بين الردع الإسرائيلي والدفاع عن النفس، بالإضافة إلى التنسيق المصري المعزز في احتواء حماس، إلى الحد من هذا التهديد، على الأقل في الساحة المباشرة للبحر المتوسط”.

وتمثل إيران تحديا أخطر حيث تدعم عدة ميليشيات وحتى حركة حماس والجهاد الإسلامي بالأسلحة والتمويل والتدريب. وفي حال تجدد أي مواجهات عسكرية كبيرة بأي شكل من الأشكال، فقد تُستخدم بعض هذه الإمدادات من دون شكّ ضدّ الساحل الإسرائيلي والمنشآت البحرية من جديد.

وفي المقابل، تكثف الصين وروسيا من حضورهما في المنطقة حيث يشكل شرق المتوسط محطة أساسية في “مبادرة الحزام والطريق” التي أصبحت مركزية لسياسة الصين الخارجية.   

وبالنسبة إلى روسيا فإن شرق البحر المتوسط يمثل قاعدة خلفية للبحر الأسود وأوكرانيا حيث تتدخل القوات الروسية، علاوة على المنفذ الرئيسي الذي تمثله المنطقة إلى الموانئ في سوريا التي تتدخل فيها أيضا روسيا منذ تفجر النزاع هناك في إطار موجات ما يعرف بانتفاضات الربيع العربي.

6