هل يؤسس بقاء إسرائيل في خمس نقاط لبنانية لوجود دائم

خرق إسرائيل لبنود وقف إطلاق النار يذكي مخاوف تغيير الحدود.
الأربعاء 2025/02/19
المؤقت قد يتحول إلى دائم

لا تزال إسرائيل تحافظ على تواجدها في خمس نقاط جنوب لبنان بعد انقضاء المهلة الثانية للانسحاب، ما أثار مخاوف من تأسيسها لبقاء دائم. وتشترط إسرائيل تفكيك ترسانة حزب الله العسكرية للمغادرة وهو مطلب لا يمكن للجيش اللبناني تلبيته في فترة وجيزة.

بيروت - يثير بقاء القوات الإسرائيلية في خمس نقاط عند الحدود اللبنانية مع انتهاء المهلة الثانية للانسحاب من جنوب لبنان الثلاثاء، شكوكا ومخاوف من أن الخطوة قد تؤسس لبقاء دائم ما يمهد لتغيير الحدود في نهاية المطاف.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيبقي “قوات محدودة منتشرة مؤقتا في خمس نقاط إستراتيجية على طول الحدود مع لبنان،” مبرّرا ذلك بمواصلة “الدفاع عن سكّاننا والتأكد من عدم وجود تهديد فوري” من حزب الله. وجاء الإعلان الإسرائيلي رغم تأكيد لبنان رفضه المطلق لبقاء القوات الإسرائيلية، ودعوته رعاة الاتفاق إلى التدخل للضغط على الدولة العبرية.

وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، كان على إسرائيل أن تنسحب من لبنان خلال مهلة 60 يوما. بيد أن إسرائيل تخلفت عن الالتزام بمقتضيات الاتفاق وطالبت بتمديد بقائها في جنوب لبنان حتى 18 فبراير، الطلب الذي أيّدته واشنطن ووافق عليه لبنان بشرط إطلاق سراح أسرى لبنانيين لدى إسرائيل.

ولم تحدد إسرائيل موعدا جديدا لاستكمال الانسحاب من جنوب لبنان، لكن هيئة البث العبرية الرسمية ذكرت أن تل أبيب طلبت من اللجنة الدولية المراقبة للاتفاق تمديد بقاء قواتها حتى 28 فبراير، أي 10 أيام إضافية، وهو ما رفضته بيروت.

وتتكون هذه اللجنة الدولية من لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة المؤقتة جنوب لبنان (اليونيفيل) وتشير إسرائيل إلى أن هذه المواقع ضرورية للسماح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على الأراضي المرتفعة على طول الخط الأزرق ومنع حزب الله من العودة إلى الحدود.

ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط نيكولاس بلانفورد إن مثل هذه الحجة قد تكون زائفة إلى حد ما، ومن الواضح أن قرار بناء هذه المواقع وتزويدها بالرجال استفزازي. ويضيف بلانفورد أن إسرائيل تتمتع بتغطية جوية كثيفة فوق جنوب لبنان، ولا تحتاج إلى بصمة على الأرض لأغراض المراقبة على مساحة محدودة نسبياً من الحدود.

نيكولاس بلانفورد: حجة إسرائيل للبقاء قد تكون زائفة إلى حد ما
نيكولاس بلانفورد: حجة إسرائيل للبقاء قد تكون زائفة إلى حد ما

وانسحبت القوات الإسرائيلية من غالبية قرى القطاعين الغربي والأوسط في جنوب لبنان، لكنها لا تزال تتمركز في بعض قرى القطاع الشرقي حيث تنفّذ بشكل شبه يومي عمليات تفجير واسعة النطاق، بالإضافة إلى تنفيذها عددا من الغارات الجوية والاستهدافات، ما تسبّب بسقوط قتلى.

وأدت ضربة إسرائيلية على مدينة صيدا في جنوب لبنان الاثنين إلى مقتل مسؤول عسكري في حركة حماس. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارة "قضت على محمّد شاهين الذي شغل منصب قائد مديرية العمليات لحماس في لبنان" بعدما "عمل في الفترة الأخيرة على الترويج لمخططات إرهابية بتوجيه وتمويل إيراني انطلاقا من الأراضي اللبنانية."

وتتوزع النقاط الخمس التي تصر إسرائيل على البقاء فيها في الداخل اللبناني، على القطاعات الثلاثة على الحدودية الجنوبية للبنان: في القطاع الشرقي تلة الحمامص المرتفعة التي تشرف على مستوطنتي المطلّة وكريات شمونة، وهي نقطة حاكمة ومن يمسك بها يمكنه الدفاع عن منطقة الخيام، والقطاع الأوسط، فهناك تلّتان، العزية وتشرف على نهر الليطاني، والعويضة وتشرف على القطاعين الشرقي والأوسط إضافة إلى نقطة جبل بلاط الواقع بين القطاعين الأوسط والغربي وهو قريب من الحدود، وجبل اللبونة في القطاع الغربي.

وتشمل هذه المواقع هياكل إسمنتية، وتحتوي على معدات تكنولوجية، وهي محمية بحواجز هسكو المضادة للانفجارات. ويوضح الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد المتقاعد خالد حمادة أن “الصفات المشتركة بين النقاط الإستراتيجية الخمس هي أنها تشرف على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية وتؤمن المراقبة.”

ويضيف حمادة أن “القوى العسكرية التي تتحكم بهذه النقاط تكون قادرة على مراقبة العدو وتحركاته وملمّة بجميع المناورات التي يقوم بها إذا كان العدو يهدف إلى القيام بهجوم بري.” ولفت إلى أن “هذه المواقع مرتفعة تسمح بتأمين كل هذه المعلومات الاستخبارية ومن هذا المنطلق أهمية وجود جيش لبناني يتمركز في هذه النقاط.” وشدد حمادة على أن “الجيش اللبناني سيتمركز بعد الانسحاب الإسرائيلي في حال تم،” مبيّنا أنه “كان متمركزا فيها منذ سبعينات القرن الماضي عبر مواقع عسكرية ثابتة.”

وقال لبنان إن القوات المسلحة اللبنانية لا تستطيع الانتشار في جميع القرى والبلدات حتى يغادر الجيش الإسرائيلي. ومنذ بدء وقف إطلاق النار، زادت القوات المسلحة اللبنانية من وجودها بشكل ملحوظ في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (التي تقع على بعد ثلاثة إلى ثمانية وعشرين كيلومترًا من الخط الأزرق) في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “إظهار للعزيمة”.

كما سيطرت القوات المسلحة اللبنانية على بعض المرافق السابقة لحزب الله في منطقة الحدود الجنوبية، بما في ذلك شبكة أنفاق ضخمة تحت الأرض، تسمى عماد 4، والتي تم عرضها في مقطع فيديو لحزب الله في أغسطس الماضي.

إسرائيل تشير إلى أن هذه المواقع ضرورية لمنع حزب الله من العودة إلى الحدود وسلامة مستوطناتها
◙ إسرائيل تشير إلى أن هذه المواقع ضرورية لمنع حزب الله من العودة إلى الحدود وسلامة مستوطناتها

ويرى محللون أن الدولة اللبنانية لا تمتلك خيارات كثيرة في التعامل مع خرق إسرائيل لبنود الاتفاق والانسحاب الكامل من جنوب لبنان. ويشير المحللون أن الدبلوماسية بمعية القوى الدولية والإقليمية من شأنها الضغط على تل أبيب للالتزام ببنود الاتفاق وتنفيذها كاملة.

ويقول مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور أن الدولة اللبنانية مطالبة بأمرين أساسيين. ويضيف في تصريحات لموقع الحرة لبنان، الذي يحظى بدعم دولي، “يجب أن يكثف الضغوط الدبلوماسية عبر الدول الداعمة له لإجبار إسرائيل على الانسحاب.”

ويقول إن “فرنسا بدأت بالتضامن مع لبنان وتسعى للضغط على إسرائيل، في حين يجري الحديث عن تمديد لبقاء القوات الإسرائيلية، سواء حتى 28 فبراير أو لما بعد عيد الفطر. إلا أن الإدارة الأميركية لم توافق على هذا التمديد حتى الآن، لذلك الموضوع دقيق جدا.”

ويذهب جبور إلى أن “لبنان في وضع جديد يتطلب التعامل بكثير من الرويّة السياسية بحثاً عن حلول تفاوضية مع المجتمع الدوليّ لانسحاب إسرائيل، وذلك يحصل إذا عملت الدولة اللبنانية على ضمان بلورة سلطتها جنوب لبنان والتصدي لكلّ محاولات إعادة تمدّد محور الممانعة فيه.”

والاثنين، أعرب الرئيس اللبناني جوزيف عون عن تخوفه من عدم استكمال إسرائيل انسحابها من الجنوب اللبناني الثلاثاء، وفق اتفاق وقف إطلاق النار. وجاء حديث عون خلال لقائه وفد نقابة المحررين الصحافيين، برئاسة النقيب جوزيف قصيفي، في قصر الرئاسة، وفق بيان لمكتب عون الإعلامي.

وتابع أن “خيار الحرب لا يفيد، وسنعمل بالطرق الدبلوماسية، لأن لبنان لم يعد يحتمل حربا جديدة، والجيش جاهز للتمركز في القرى والبلدات التي سينسحب منها الإسرائيليون.” وأردف “من المهم تحقيق الانسحاب الإسرائيلي، وسلاح حزب الله فيأتي ضمن حلول يتفق عليها اللبنانيون.”

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في لبنان وفلسطين وسوريا، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

7