هل هذه ماريا كاري، نيكي مينوج.. لا إنه الذكاء الاصطناعي

التعلم ليس انتهاكا لحقوق الملكية.. لم يكن كذلك في الماضي وهو ليس كذلك الآن.
الجمعة 2024/08/09
عمل إبداعي أم مجرد سرقة

بينما يبدي الموسيقيون ومؤلفو الأغاني والمغنون قلقهم من النجاحات التي حققها الذكاء الاصطناعي، ويستعينون عليه بالقضاء والمحاكم، يقول آخرون إن جهودهم ستذهب هباء، ولن يكون سهلا إن لم يكن مستحيلا حسم الخلاف داخل قاعات المحاكم.

لندن - طلبت رويترز من موقع موسيقى الذكاء الاصطناعي “أوديو” تأليف أغنية بأسلوب المغنية تيفت ميريت، تستحضر مشاعر الوحدة والعزلة بينما تقود سيارتها على الطريق، وتحمل عنوان “أسافر وحيدة”، وهي من أكثر أغانيها انتشارا على سبوتيفاي.

استجاب أوديو وقدم أغنية بعنوان “هولي غراوندز”، تتحدث عن “القيادة على طرق خلفية مهجورة” بينما تتابع بعينيك الحقول والسماء تتحرك ثم تتضاءل لتختفي خلفك.

وعندما توجهت رويترز إلى المغنية ميريت، وهي مغنية وكاتبة أغان مرشحة لجائزة غرامي، مستطلعة رأيها، أجابت دون تردد إن الفيديو “المقلد” الذي أنجزه أوديو لا يصلح لأيّ من ألبوماتها.

وهذا بالنسبة إليها دليل على مدى “فشل هذه التكنولوجيا بتوظيف البيانات التي تتلقاها”. مشددة على أن العملية مجرد “سرقة”.

تيفت ميريت: موسيقى الذكاء الاصطناعي تهمش الإبداع
تيفت ميريت: موسيقى الذكاء الاصطناعي تهمش الإبداع

ميريت، المعروفة بالدفاع عن حقوق الفنانين، ليست الفنانة الوحيدة التي دقت ناقوس الخطر. بل انضمت إليها منذ أبريل بيلي إيليش ونيكي مينوج وستيفي وندر، والعشرات من الفنانين الآخرين في رسالة مفتوحة تحذر من أن موسيقى الذكاء الاصطناعي المدرب على تسجيلاتهم “تخرب الإبداع” وتهمش الفنانين البشر.

شركات إصدار الموسيقى قلقة هي الأخرى. ورفعت سوني للترفيه والموسيقي ومجموعة يونيفرسال الموسيقية ومجموعة وارنر ميوزيك دعوى قضائية ضد شركة أوديو وشركة سونو المماثلة لها في يونيو.

شكّل رفع الدعوى بداية لدخول صناعة الموسيقى في معارك لحقوق الطبع والنشر، لن يكون كسبها سهلا، حول المحتوى الذي يصنعه الذكاء الاصطناعي. وتشق هذه المعركة طريقها نحو المحاكم.

بالنسبة إلى ميريت “إدخال حجم هائل من المادة الإبداعية في آلة لتقليده لا يعتبر إبداعا”.. الآلة “تسرقنا ثم تنافسنا وبالنهاية تحل محلنا”.

وأشار مندوبو سونو وأوديو إلى تصريحات سابقة دافعت فيها ميريت عن التكنولوجيا الجديدة عندما طلب منهما التعليق، وقدما ردودها الأولية في جلسة محكمة جرت الأسبوع الماضي. ونفت الشركتان أيّ انتهاكات لحقوق الطبع والنشر، وجادلتا أن الدعاوى القضائية هي محاولات لخنق المنافسين الأصغر. وقدمت الشركتان مخاوف سابقة أبدتها شركات الموسيقى حول أجهزة المزج الصوتي وغيرها من الابتكارات التي تعوض الموسيقيين البشر.

وأكد المسؤولون في الشركتين، اللتين اجتذبتا تمويلات ضخمة للاستثمار في التكنولوجيا الجديدة، أن الشركتين المعنيتين بالأمر تمنعان المستخدمين من إنشاء أغان تحاكي كبار الفنانين بشكل صريح. لكن أصحاب الدعاوى القضائية الجديدة ردوا أن باستطاعة مستخدم ما لسونو وأوديو طلب إعادة إنتاج مقتطفات من أغاني ماريا كاري وجيمس براون وآخرين، وتقليد أصوات فنانين مثل أفراد فرقة آبا السويدية، واعتبروا ذلك دليلا واضحا حول إساءة استخدام العينات المحمية بحقوق الطبع والنشر لتدريب أنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي.

وقال ميتش غلازيير، الرئيس التنفيذي لجمعية صناعة التسجيلات الأميركية، إن الدعاوى القضائية “توثق نسخا سافرا لمجموعة من التسجيلات هدفت إلى إغراق السوق بمنتجات مقلدة رخيصة واستنزاف دخل الفنانين وكتاب الأغاني الحقيقيين”. واعتبر أن الذكاء الاصطناعي لديه الكثير ليقدمه في هذا المجال، شرط أن تبنى التكنولوجيا الجديدة على أسس سليمة ومسؤولة ومرخص لها.

وتردد ادعاءات الشركات مخاوف الروائيين ووسائل الإعلام وناشري الموسيقى وغيرهم في دعاوى سابقة حول حقوق الطبع والنشر بمواجهة روبوتات الدردشة، مثل شات جي بي تي من أوبن أيه آي، وكلود من أنثروبيك التي تعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء النصوص. ولا تزال هذه الدعاوى معلقة وفي مراحلها الأولى.

وتطرح هذه القضايا أسئلة جديدة على المحاكم، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي أن ينصص القانون على استثناءات لاستخدام الذكاء الاصطناعي للمواد المحمية بحقوق الطبع والنشر في إنشاء مادة جديدة. كما تثير قضايا شركات التسجيلات أسئلة فريدة من نوعها لقطاع الموسيقى.

شركات الذكاء الاصطناعي المولدة للموسيقى قد تواجه صعوبة في إثبات الاستخدام العادل مقارنة بصانعي روبوتات الدردشة، الذين يمكنهم تلخيص النصوص وإعادة صياغتها بطرق قد تكون المحاكم أكثر استعدادا لتقبلها

وقال بريان ماك بريارتي، عالم الموسيقى المتخصص في تحليل حقوق النشر، “يمكن أن يخلق التفاعل بين اللحن والانسجام والإيقاع والعناصر الأخرى صعوبة في تحديد الانتهاكات التي تطال أجزاء من أغنية محمية بحقوق الطبع والنشر مقارنة بأعمال مثل النص المكتوب”.

وأضاف أن “للموسيقى جوانب تتجاوز تدفق الكلمات. وتشمل طبقة الصوت، والإيقاع، والسياق المتناغم. ويبقى هذا مزيجا أكثر ثراء من العناصر المختلفة التي تجعله أكثر تعقيدا”.

ويمكن أن تتوقف بعض المطالبات في قضايا حقوق الطبع والنشر على المقارنات بين مخرجات نظام الذكاء الاصطناعي والمواد التي يزعم انتهاك حمايتها لتدريبه، بينما يتطلب هذا في الموسيقى قدرة على التحليل تتجاوز قدرات القضاة وهيئات المحلفين.

وفي قرار صدر عام 2018 ووصفه قاض معارض له بـ”السابقة الخطيرة”، خسر روبن ثيك وفاريل ويليامز قضية رفعها ورثة المغني مارفن غاي الذي توفي سنة 1984 بسبب تشابه أغنية “بلورد لاينز” مع أغنيته المعنونة “غوت تو غيف إت آب” العائدة لسنة 1977. وواجه فنانون مثل كاتي بيري وإد شيران منذ ذلك الحين شكاوى مماثلة بشأن أغانيهم الخاصة.

وجادلت سونو وأوديو في ملفات محكمة متشابهة بأن مخرجاتهما لا تنتهك حقوق الطبع والنشر وقالا إن قانون حقوق الطبع والنشر الأميركي يحمي التسجيلات الصوتية التي “تقلد أو تحاكي” الموسيقى المسجلة الأخرى.

وقالت جولي ألبرت، المسؤولة عن قضايا الملكية الفكرية في شركة المحاماة بيكر بوتس في نيويورك التي تتابع القضايا الجديدة، إن حقوق الطبع والنشر لطالما خلقت فوضى في قطاع الموسيقى. وأضافت أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سريعة التطور تخلق حالة جديدة من عدم اليقين على كل مستويات قانون حقوق النشر.

وقد تكون تعقيدات الموسيقى أقل أهمية في النهاية إذا كانت حالات الذكاء الاصطناعي تتلخص – كما يتوقع الكثيرون – في دفاع عن “الاستخدام العادل” ضد مزاعم الانتهاك. وهذا مجال آخر من قانون حقوق الطبع والنشر الأميركي تسوده أسئلة مفتوحة لم تجد إجابات مقنعة بعد.

ويُعزّز الاستخدام العادل حرية التعبير عبر السماح بالاستخدام غير المصرح به للأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر خلال ظروف معينة، حيث تركز المحاكم غالبا على ما إذا كان الاستخدام الجديد يحوّل المادة التي بُنيت عليها الأعمال الأصلية.

وجادل المدعى عليهم في قضايا حقوق الطبع والنشر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بأن منتجاتهم تستخدم الإبداعات البشرية بشكل عادل، وأن أيّ حكم قضائي لا يرى ذلك سيكون كارثيا على صناعة الذكاء الاصطناعي التي يحتمل أن تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات.

وقالت سونو وأوديو في ردودهما على الدعاوى القضائية التي رفعتها شركات الإنتاج إن استخدامهما للتسجيلات الحالية لمساعدة المستخدمين على إنشاء أغان جديدة “يعدّ استخداما عادلا”.

فنانون كبار وجهوا رسالة مفتوحة تحذر من أن موسيقى الذكاء الاصطناعي المدرب على تسجيلاتهم "تخرب الإبداع" وتهمش الفنانين البشر

وقال خبراء قانونيون إن الاستخدام العادل يمكن أن يؤدي إلى ربح القضايا أو يكون سببا في خسارتها. لكن لم تصدر أيّ محكمة بعد حكما في هذه القضية في سياق الذكاء الاصطناعي.

وقالت ألبرت إن شركات الذكاء الاصطناعي المولدة للموسيقى قد تواجه صعوبة في إثبات الاستخدام العادل مقارنة بصانعي روبوتات الدردشة، الذين يمكنهم تلخيص النصوص وإعادة صياغتها بطرق قد تكون المحاكم أكثر استعدادا لتقبلها.

وأعطت ألبرت مثالا على طالب يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء تقرير عن الحرب الأهلية الأميركية يتضمن نصا من رواية حول هذا الموضوع، مقارنة بشخص طلب من روبوت الذكاء الاصطناعي إنشاء موسيقى جديدة بناء على قطعة موسيقية موجودة.

وقالت ألبرت إن للطالب هدفا مختلفا عن غاية شخص يريد إنشاء موسيقى على غرار فنان عالمي. وأضافت أن “الهدف يشبه كثيرا غاية الفنان في البداية”.

وقد يكون لحكم المحكمة العليا بشأن الاستخدام العادل العام الماضي تأثير كبير على قضايا قطاع الموسيقى، لأنه ركز على ما إذا كان للاستخدام الجديد نفس الغرض التجاري الذي أنشأ العمل الأصلي. وتعدّ هذه الحجة جزءا أساسيا من اعتراضات سونو وأوديو، حيث قالتا إن الشركات تستخدم موسيقى شركات الإنتاج “وهي تهدف في آخر المطاف إلى كسب المستمعين والمعجبين وجني الأرباح للتسجيلات الصوتية المنسوخة”.

وقالت ميريت إنها تشعر بالقلق من أن شركات التكنولوجيا قد تحاول استخدام الذكاء الاصطناعي للاستغناء عن خدمات فنانين مثلها. وترى أنه إذا كان من الممكن نسخ أغاني الموسيقيين مجانا واستخدامها لتقليدهم، فإن الغرض من ذلك واضح لأن “روبوتات الذكاء الاصطناعي لا تتلقى مقابلا لأتعابها”.

وقالت ميريت إنها تشعر بالقلق من أن شركات التكنولوجيا قد تحاول استخدام الذكاء الاصطناعي للاستغناء عن خدمات فنانين مثلها. وترى أنه إذا كان من الممكن نسخ أغاني الموسيقيين مجانا واستخدامها لتقليدهم، فإن الغرض من ذلك واضح لأن “روبوتات الذكاء الاصطناعي لا تتلقى مقابلا لأتعابها”.

12