هل نحن محصنون ضد كوفيد؟ ربما… لكن هناك لغز طبي

واشنطن - منذ ظهور جائحة كوفيد - 19 قبل أكثر من عامين، وهناك ألغاز تتعلق بالإصابات، حيث يصاب البعض بالفايروس رغم تلقيهم اللقاحات، ولا يصاب آخرون رغم أنهم لم يتلقوا التطعيم، وغير ذلك من الأمور التي تثير تساؤلات كثيرة.
وتقول فاي فلام، الكاتبة المتخصصة في الشؤون العلمية في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن أحد أكثر الأشياء إثارة للدهشة التي تعلمها العلماء من تعرض المتطوعين لكوفيد - 19 عن قصد هو أن ما يقرب من نصف هؤلاء لم يصابوا أبدا، حتى عندما تم إدخال الفايروس مباشرة إلى أنوفهم.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن هؤلاء كانوا أشخاصا لم يصابوا أو يلقحوا من قبل. وكان ما يسمى بـ”تجربة التحدي” قد تم تصورها في الأصل كوسيلة لتسريع اختبار اللقاح، ولكن انتهى بها الأمر كنافذة على ديناميكيات الفايروس.
الجينات تؤثر على كيفية استجابة أجهزتنا المناعية لفايروس بعينه، وخصوصا، مجموعة من الجينات تسمى "إتش إل إيه"
وبعد أكثر من عامين من ظهور الجائحة، لم يصب حوالي نصف الأميركيين بالعدوى على نحو موثق، وفقا لبعض التقديرات.
ودون دراسة أكثر تعمقا من الصعب تحديد عدد الذين ثبتت إصابتهم باختبارات المستضدات في المنزل، أو بالعدوى من دون أعراض، أو ربما ظهرت عليهم أعراض خفيفة وتجاهلوها على أنها نزلة برد، دون إجراء اختبار.
لكن تجربة التحدي والدراسات التي أجريت على المخالطين المنزليين تظهر أن بعض الأشخاص تصعب إصابتهم بالعدوى. وفي إحدى الدراسات أصيب 38 في المئة فقط من الأشخاص غير الملقحين الذين يعيشون مع شخص مصاب بالفايروس. وكان هذا الرقم 25 في المئة للملقحين.
ويثير هذا الأمر تساؤلات بشأن المعرضين لهذه الموجة الأخيرة المدفوعة بالسلالة الفرعية من متحور أوميكرون (بي إيه 2)، الذي بدأ في زيادة حالات الإصابة في شمال شرق الولايات المتحدة.
وقدر الخبراء الذين أشارت إليهم صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي أن 45 في المئة من الأميركيين أصيبوا بكوفيد - 19 خلال موجة أوميكرون، وبالتالي افترضوا أن الـ55 في المئة الآخرين سيكونون عرضة للإصابة بالسلالة الفرعية (بي إيه 2). لكن الأمر ربما ليس بهذه البساطة، فالأشخاص الذين يجب أن يكونوا عرضة لذلك لا يصابون بالعدوى وأولئك الذين يجب أن يكونوا محصنين ضد أوميكرون يصابون مرة أخرى.
وتكشف البيانات المأخوذة من دراسة التحدي والمخالطين المنزليين أن هناك شيئا أكثر من مجرد توخي الحذر والتطعيم يفصل أولئك الذين يصابون ويعاودون العدوى عن هؤلاء الذين لم يصابوا بكوفيد.
وأحد التفسيرات التي تم طرحها له علاقة بنزلات البرد الشائعة. فنزلات البرد تحدث بسبب مجموعة كاملة من الفايروسات ، بما في ذلك أربعة فايروسات كورونا (229 إي) و(إن إل 63) و(أو سي 43) و(إتش كي يو 1). وأظهرت دراسة حديثة نشرتها مجلة نيتشر أن الأشخاص الذين لم يصابوا بكوفيد يميلون إلى الحصول على المزيد من الخلايا المناعية الناتجة عن المعارك القصيرة السابقة مع هذه الفايروسات المسببة للبرد. لكن دراسات أخرى أظهرت عكس ذلك.
والنتيجتان معقولتان، فقد تساعد المناعة التي يحفزها فايروس مماثل في منع كوفيد - 19، أو قد تتداخل مع الاستجابة المناعية من خلال زيادة إنتاج الأجسام المضادة التي لا تعمل تماما ضد هذا التهديد الجديد.
وممّا يعقد الأمور، أن الجينات تؤثر على كيفية استجابة أجهزتنا المناعية لفايروس بعينه، وعلى وجه الخصوص، مجموعة من الجينات المتغيرة للغاية تسمى “إتش إل إيه”، التي تحمل رمز البروتينات التي تسمح للخلايا بالإشارة إلى الجهاز المناعي بأنها مصابة وتحتاج إلى القتل.
وفي الخلايا المصابة يمكن لبروتينات “إتش إل إيه” الالتصاق بأجزاء من الفايروس، وعرضها على السطح الخارجي للخلية، وكأنها هدف.
وأشارت دراسات سابقة إلى أن الأشخاص الذين لديهم أنواع معينة من جينات “إتش إل إيه” أقل عرضة للإصابة بأعراض كوفيد - 19 وحددت دراسة أخرى الأنماط الجينية التي تترك بعض الأشخاص الذين تم تطعيمهم عرضة للعدوى الشديدة بأوميكرون. وبشكل عام، يمكن للأشخاص الأكثر عرضة لأحد مسببات الأمراض أن يكونوا أكثر مقاومة لغيرها.
وهناك أيضا متغيرات خارجية تؤثر على الجهاز المناعي. والحيوانات التي تخضع لأنواع معينة من الإجهاد، على سبيل المثال، تكون أكثر عرضة للأمراض المعدية.
وسيكون من الرائع إذا كان نصف البشرية لديه مقاومة طبيعية لجميع السلالات السابقة والمستقبلية لكوفيد – 19 ويمكن للعلماء دراستها لمعرفة كيفية تقليدها.
واقترح عدد قليل من العلماء في وقت مبكر من خريف عام 2020 أن عدم التجانس البشري يمكن أن يفسر سبب بدء طفرات الجائحة في الانحسار عندما يصاب جزء صغير فقط من الأشخاص بالعدوى. والطريقة الوحيدة لمكافحة الفايروس بفعالية هي فهمه بشكل أفضل، وفهمنا نحن أيضا.