هل من سبيل للخروج من مأزق غزة؟

الولايات المتحدة كما إسرائيل لا تمتلك أيضا تصورا سياسيا لإنهاء الصراع.
الخميس 2023/11/30
ماذا بعد الدخول؟

أبدت الولايات المتحدة في أول أيام الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة مخاوف من عدم وجود خطة لإنهاء الصراع، لكن بعد أكثر من شهر على الحرب في غزة يبدو أن واشنطن نفسها لا تمتلك خطة.

واشنطن - يرى محللون أن إسرائيل والولايات المتحدة أصدرتا بيانات ملؤها الثقة حول حرب غزة، لكنهما لا يملكان على ما يبدو تصورا سياسيا لإنهاء الصراع.

وكان الأميركيون قلقين منذ البداية حول ما إذا كان الإسرائيليون واضحين بشأن ما قد تؤول إليه عمليتهم العسكرية في غزة. فقد أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن الإسرائيليين خلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل بعد الهجمات التي نفّذتها حماس يوم السابع من أكتوبر بأن قراراتهم تستوجب “التفكير المتأني وتتطلب طرح أسئلة صعبة للغاية وتستلزم أيضا تحديد الأهداف بوضوح، وإجراء تقييم صادق حول ما إذا كانت الخطوات التي يتم اتخاذها تحقّق هذه الأهداف”.

وتمّ تفسير تصريحه بأنه تحذير مفاده أن إسرائيل، إذا كانت تفتقر إلى خطة إستراتيجية للخروج من غزة، قد تجد نفسها عالقة في مأزق، وقد تُحمَّل على نحو متزايد مسؤولية ارتكابها المجازر بحقّ السكان المدنيين، ما من شأنه أن يولّد ديناميكيات تؤدّي إلى صراع إقليمي.

من خلال التركيز على سحق حماس، يتبنى بايدن وجهة نظر إسرائيل التي قال إنها تفتقر إلى الوضوح حول كيفية تحقيق أهدافها

ويقول مايكل يونغ، مدير تحرير في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، إن الاجتياح الإسرائيلي لغزة لم يهدّئ هواجس الأميركيين، وتطرّقت صحف عدة إلى هذه المخاوف، منها صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي نقلت يوم السادس من نوفمبر ما مفاده “أعرب مسؤولون كبار في إدارة بايدن عن قلقهم وإحباطهم إزاء افتقار إسرائيل إلى ‘إستراتيجية للخروج’ من غزة. وقد طرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أسئلة حول هذا الموضوع على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتلقّى انطباعا بأن هذا الأمر لم يُطرح للمناقشة حتى الآن”.

ولكن سرعان ما اتّضح أن الولايات المتحدة نفسها لا تملك أيضا تصوّرا واضحا لإنهاء النزاع.

ونشر بايدن مقالا في صحيفة واشنطن بوست يوم الثامن عشر من نوفمبر سعى من خلاله إلى رسم مسار سياسي تتّبعه إدارته في المرحلة المقبلة. وكان الانطباع أن الرئيس يعيد تدوير أفكار سابقة لم تتكلّل بالنجاح. فقد كان جلّ تركيز بايدن على حرب أوكرانيا التي يبدو أن معظم الناس قد نسوها، لكنه في الشق الفلسطيني لجأ إلى المقاربة القديمة نفسها. فهو يرى أن “حل الدولتين، الذي يتمثّل في وجود شعبين يعيشان جنبا إلى جنب وبقدر متساو من الحرية والفرص والكرامة، هو النتيجة التي يجب أن يؤدّي إليها الطريق نحو السلام. لكن تحقيق ذلك سيتطلّب التزامات من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك من الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا. وهذا العمل يجب أن يبدأ على الفور”.

ولا ينطوي هذا الأمر على مفاجآت، مع أن بايدن لم يشرح كيف يمكن أن يحظى حلّ الدولتين بالزخم، نظرا إلى المزاج السائد الذي لا يبشّر بالخير في إسرائيل اليوم، إذ يخوض سياسيون إسرائيليون نقاشات حول مشاريع ترحيل الفلسطينيين قسرا إلى دول عربية أخرى.

ومع أن بايدن كرّر اللازمة نفسها عن ضرورة إلحاق الهزيمة بحماس، كتب قائلا “يجب ألّا يتعرّض الفلسطينيون إلى التهجير القسري من غزة، وألّا تتم إعادة احتلال القطاع، ولا فرض الحصار عليه، ولا تقليص أراضيه. بعد انتهاء هذه الحرب، يجب أن تكون أصوات الشعب الفلسطيني وتطلّعاته في قلب عملية الحكم في غزة في مرحلة ما بعد الأزمة”.

ويرجح يونغ أن ما سيبقى في أذهان الإسرائيليين من مقال بايدن هو تحديدا حديثه عن إرساء “مستقبل خال من حماس”، إذ إن نتنياهو وحلفاءه في اليمين المتطرّف وربما معظم السياسيين الإسرائيليين البارزين لا يأبهون في الغالب بحلّ الدولتين.

حرب إبادة جماعية
حرب إبادة جماعية

ونظرا إلى أن الأميركيين لم يفعلوا ذلك في السابق، من المستبعد أن يتلقّفوا الآن الفكرة التي أعادت دول إسلامية وعربية إحياءها مؤخّرا، وهي التمسك بمبادرة السلام العربية للعام 2002، التي تعرض على إسرائيل توقيع اتفاقات سلام مع كل الدول العربية مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلّتها في يونيو 1967، والتوصّل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتَّفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية.

ولن تمتحن إدارة بايدن أبدا نوايا حماس، على الرغم من أن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، أعلن في الآونة الأخيرة “نحن مستعدّون للدخول في مفاوضات سياسية تقود إلى حلّ الدولتين، على أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية”.

ولدى الرئيس الأميركي فكرة حول النتيجة التي يريد بلوغها، لكنه لا يعرف كيف يمكن تحقيقها. ومن خلال التركيز على سحق حماس، عاد بايدن إلى تبنّي وجهة النظر الإسرائيلية حول الصراع – وجهة النظر نفسها التي أعرب أثناء زيارته إلى إسرائيل في شهر أكتوبر عن تخوّفه من كونها تفتقر إلى الوضوح حول كيفية تحقيق أهدافها.

وكذلك، لم يأخذ بايدن في الحسبان واقع أن ما من أحد يثق بعد الآن بقدرة الأميركيين على الوفاء بالتزاماتهم. وإذا خسر بايدن الانتخابات القادمة، فغالب الظن أن كل ما يقوله سُرعان ما سيقلبه رأسا على عقب خصمه الجمهوري، ولاسيما إذا كان دونالد ترامب.

ولا يعلم أحد كيف سيتعامل مع غزة، حيث كل الخيارات تطرح مشاكل. فالسلطة الفلسطينية ليست متلهّفة لبسط سيطرتها على القطاع، ناهيك عن المصريين أو الأمم المتحدة.

وقد تريد إسرائيل إبقاء قوات لها هناك، لكن المهلة الزمنية التي ستلقى قبول الأميركيين غير واضحة.

كلما طالت الحرب على غزة، ازداد احتمال أن تمتدّ رقعتها لتشمل دولا أخرى في المنطقة
كلما طالت الحرب على غزة، ازداد احتمال أن تمتدّ رقعتها لتشمل دولا أخرى في المنطقة

وحتى لو أن إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية اتّفقتا على ضرورة القضاء على حماس، لا يبدو أنهما تأخذان في الاعتبار المشاكل التي قد تعيق هذه العملية.

والمشكلة الأولى هي، كلما طالت الحرب على غزة، ازداد احتمال أن تمتدّ رقعتها لتشمل دولا أخرى في المنطقة، ولاسيما لبنان.

وأظهر الأميركيون بوضوح تامّ أنهم لا يفضّلون هذا الخيار، وأرسلوا مبعوثين إلى المنطقة للتعبير عن ذلك. لكن كيف يتوافق هذا الأمر مع تصريحات بايدن بوجوب القضاء على حماس؟

وأصبح جليا أن هذه النتيجة ستشكّل انتكاسة لإيران، وبالتالي قد يعمد الإيرانيون وحلفاؤهم إلى تصعيد وتيرة الصراع لتجنّب وقوع هذا السيناريو. ولذلك، قد يضطر بايدن قريبا إلى الاختيار بين إما وقف العملية العسكرية الإسرائيلية، وإما السماح لها بالاستمرار وربما جرّ واشنطن إلى صراع إقليمي تسعى جاهدة إلى تفاديه.

والمشكلة الثانية المحتملة تتمثّل في تكلفة الحملة الإسرائيلية، التي تتوقّع بعض التقديرات أنها ستبلغ 50 مليار دولار إذا دام الصراع بين ثمانية أشهر واثني عشر شهرا.

وقدّرت وزارة المالية الإسرائيلية أن هذه الحرب تكلّف الاقتصاد 270 مليون دولار يوميًا، ما يعني أنها كبّدت البلاد ما بين 12 و13 مليار دولار حتى اليوم.

وستؤدي إطالة حماس أمد عملية تبادل الإسرائيليين في عهدتها مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، إلى إبطاء زخم التوغّل البري الإسرائيلي بشكل أكبر. ومع ذلك، ما لم يرسم الأميركيون مسارا سياسيا واقعيا للخروج من مأزق غزة، قد تستمر الحرب إلى ما لا نهاية.

 

اقرأ أيضا:

     • قصف الأنفاق يعقّد جهود حماس في تحديد مكان بقية المحتجزين

     • العاهل المغربي يدعو إلى قرار ملزم بوقف إطلاق النار في غزة

6