هل مات بن لادن ليموت البغدادي

في 2 مايو من العام 2011 تم الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على أيدي البحرية والمخابرات الأميركية في منزله في أبوت آباد شرق باكستان، وتضاربت القصص حول تفاصيل عملية تصفيته ما ترك المجال مفتوحا ليشكك البعض بعدم مقتل بن لادن من الأساس.
وفي يونيو 2017 تضاربت المعلومات حول مقتل زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي في الرقة، وبقي هناك من يرجح أنه مازال متواريا عن الأنظار ويتنقل في المناطق التي يسيطر عليها تنظيمه، رغم نشر تنظيم داعش بيانا مقتضبا جدا يؤكد فيه مقتل زعيمه البغدادي.
بعيدا عن تباين القصص وتضارب المعلومات، ففي كلا الميتتين تتوارد الأسئلة الهامة والتي لا تقتصر على موت الجسد، إنما على نهاية ما بناه بن لادن والبغدادي من ركائز فكرية في الفكر الجهادي حَوّلت قيادتهما من قيادة تنظيمية لحركات جهادية إلى قيادة روحية فكرية لها أثر بالغ يتعدى عناصر هذين التنظيمين الذين يؤمنون بأن هذا القتل استشهاد، ويثبت أنهم على حق في جهادهم، ليصل إلى شرائح كبيرة في المجتمعات العربية المسلمة.
تكوين هذه الجماعات ليس قائما على الفرد، وإنما على قدسية الفكرة، فهي التي أكسبت بن لادن والبغدادي أهميتهما
ما أعلنه بن لادن في عدائه السافر للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها حوّله في نظر كثيرين من “جهادي بارز” إلى “الشيخ المجاهد”، كما أطلقت عليه بعض القنوات الإعلامية كقناة الجزيرة، ليكتسب فخامة اللقب ويصير “ثائرا” ضد الظلم والطغيان الأميركيين، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي أعطته قدرة على حشد طاقات المسلمين في الدول العربية وفي الغرب ومن أشخاص أسلموا حديثا وأبدوا استعدادهم للقيام بعمليات انتحارية في بلاد احتضنتهم، وجعلت من بن لادن أبا روحيا وملهما للعديد من التيارات الجهادية التي توافقه في الأصول والمبادئ، ومنها تنظيم داعش الذي اختلف بالمسار عن نهج تنظيم القاعدة الأم، لكنه اتبع نفس الفكر في إقامة الحكم الإسلامي المتمثل في الخلافة الإسلامية والذي لن يتحقق إلا بالجهاد.
وما حققه البغدادي في فترة قصيرة أكسبه أهمية رمزية أكثر من كونها استراتيجية عسكرية.
لقد استطاع البغدادي الارتقاء من مرحلة التنظيم والعمل المسلح، إلى مرحلة الدولة والتي سمحت له بالتوسع والانتشار والدعوة كدولة وليس كتنظيم وكان لها أثرها لدى المجاهدين، وبتكوينه لكوادر إدارية وإنشائه المحاكم الشرعية والشرطة وإدارة الهيئات والمعامل التابعة للدولة بجانب الكوادر العسكرية لضبط الأمور، أثبت أن الدولة تطبق الشريعة عمليا وليس مجرد شعارات.
وهذا أكسبه تأييد العامة وبيعات القبائل والكتائب، وساهم في تدفق المقاتلين الأجانب على مناطق “الخلافة” في العراق وسوريا، بحيث لم يعد ممكنا اعتباره كأي “جهادي” خريج مدرسة التطرف، فقدرته على إلهام المتشددين وتنفيذ هجمات باسم الدولة الإسلامية تظهر حجم تغلغل ما بناه من فكر في العالم، وإن غيابه كمؤسس وإن كان له تأثير معنوي سلبي على أفراد التنظيم، نتيجة ربط مستقبل جهادييه بمصير دولة الخلافة، فإن تكوين هذه الجماعات ليس قائما على الفرد، وإنما على قدسية الفكرة، فهي التي أكسبت بن لادن ومن بعده البغدادي أهميتهما رغم ما ألحقاه من ضرر بالعالم العربي والإسلامي في تحميله مسؤولية الإرهاب في العالم.
سواء قتل أسامة بن لادن أو لم يقتل فإنه لا يزال حيا بأفكاره وتنظيماته التي ملأت بلاد الشرق، ومصرعه لم يقتل تنظيم القاعدة. كما أن موت أبي بكر البغدادي لن ينهي ما غرسه من فكر ولن يقتل داعش، فكلاهما تحولا إلى ظاهرة “القائد/ الرمز” عند انصاره، حيث عبادة الرموز راسخة ومصانة في مجتمعاتنا بقوة الأعراف والتقاليد الاجتماعية، وما قدماه من مفهوم للزعامة التي ارتدت ثوبا إسلاميا- لا عربيا – حولهما إلى أبوين روحيين وملهمين لمن يصنفون العالم ضمن ثنائية “المؤمن والكافر”، وللذين جعلوا من العداء لأميركا والغرب الكافر هدفا لا يجب الحياد عنه، والذين وجدوا في حلم إقامة “الدولة الإسلامية” حلا لمشكلاتهم، وكل الذين يبررون فعل الإرهاب والعنف الدموي بمفهوم “الجهاد الإسلامي”.
وهذا ما يجعل من توقع نهاية العنف الجهادي بموتهما أمرا صعب المنال، فرحيل أسلوب بن لادن والبغدادي ومدرستهما الفكرية التكفيرية أهم من رحيل الأجساد، والعمل على إعادة الاعتبار لقدرة الإسلام والمسلمين على التعايش مع الآخر أفضل من ألف حرب.