هل كرر بايدن خطأ بنغازي في مطار كابول

الأزمة الأفغانية تتحول إلى سيناريو كارثي وتزيد الضغوط الداخلية على الرئيس الأميركي.
السبت 2021/08/28
مشهد يرسم صورة سوداوية

أظهرت التطورات الأفغانية المتسارعة حجم الأزمة التي تعيشها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وسط المخاوف داخل الولايات المتحدة من تكرار تجارب فاشلة لإدارات سابقة في تعاطيها مع أزمات وقعت في بلدان مختلفة. وتصاعدت حدة الانتقادات للإدارة الأميركية في وقت يجد بايدن نفسه مقيد اليدين أمام وضع لم يتوقعه أبدا.

واشنطن - لم يتوقع الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء تسلمه لمنصبه من إدارة سلفه دونالد ترامب في العشرين من يناير أوائل هذا العام أن أمر الانسحاب من أفغانستان سيكون مكلفا للغاية.

ووجد بايدن نفسه محاصرا بهجمات إرهابية في كابول أودت بحياة جنود أميركيين، وسوء إدارة برز في مطار كابول الدولي بمقتل مواطنين أفغان بعد سقوطهم من طائرة عسكرية أميركية.

ورسمت تلك المشاهد القاسية القادمة من كابول بعد سيطرة طالبان على السلطة صورة سوداوية في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم عما يمكن أن يصل إليه الوضع في أفغانستان الغارقة في الفوضى.

ووجهت انتقادات لاذعة لبايدن بسبب تسرعه في الانسحاب من البلد ضمن خططه الشاملة التي كشف عنها أثناء حملته الانتخابية والمتعلقة باستكمال التخفيض الشديد بعدد القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى حول العالم.

إيليز ستيفانيك: يدا بايدن ملطختان بالدماء وغير قادر على أن يكون القائد الأعلى

وفي ظل هذا الوضع، عاد الجمهوريون إلى توجيه سهام النقد اللاذع إلى بايدن لما اعتبروه فشلا ذريعا في إدارته لأزمة المطار والانسحاب بصفة عامة.

ومنذ تقدم حركة طالبان لم يتوان الجمهوريون عن تشبيه عمليات الإخلاء بأنها شبيهة بما جرى قبل أكثر من أربعين عاما في سايغون الفيتنامية، كما أنهم رأوا ما جرى في كابول نسخة أكبر وأوسع من هجوم بنغازي عام 2012، الذي وقع في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

ويتحول انتهاء المهمة الأميركية في أفغانستان مع مقتل ثلاثة عشر جنديا أميركيا إلى سيناريو كارثي بالنسبة إلى بايدن، الذي يواجه أخطر أزمة منذ بداية عهده، ويبدو مقيد اليدين أمام وضع لم يتوقعه أبدا.

ولم يخف بايدن، وهو الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، تأثره بما حدث في مطار كابول بعد الهجوم الإرهابي المزدوج. وقال أمام الكاميرات وعيناه تغرقان بالدموع بأنه “يوم صعب”. وأشاد بهؤلاء “الأبطال” الذين سقطوا في الهجوم الأكثر دموية بالنسبة إلى الجنود الأميركيين منذ أغسطس 2011.

وحاول الرئيس الأميركي الرد على هذا الهجوم، الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان، عبر التحدث بلهجة صارمة وكأنه يرد على الاتهامات بالضعف. وتوجه لمنفذي الهجوم بالقول “سنطاردكم وسنجعلكم تدفعون الثمن”، لكنه عاد للحديث مجددا بأنه “حان الوقت لوضع حدّ لعشرين عاماً من الحرب” في أفغانستان.

وبينما يتعرض بايدن أيضاً لانتقادات متزايدة لتجنّبه الردّ على أسئلة الصحافيين، أظهر انزعاجه فأغمض عيناه وأحنى رأسه مصغياً إلى صحافي من قناة “فوكس نيوز” المحافظة يسأله حول “مسؤولياته” الخاصة في هذه المسألة.

وكما فعل مرات عدة منذ أسبوعين، اضطرّ بايدن إلى تغيير جدول أعماله،  مرجئاً لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يوماً واحداً.

Thumbnail

ويرى رئيس مجموعة أوراسيا غروب البحثية إيان بريمر، أنها “أزمة كبيرة في عهده”، ومعتبراً أنه “فشل للاستخبارات، فشل للتخطيط، فشل للتواصل، فشل للتنسيق مع الحلفاء”.

وقبيل سقوط كابول ومدن أفغانية عدة بيد حركة طالبان المتشددة، كان بايدن يشيد بأن بلاده تركت وراءها نحو 300 ألف جندي أفغاني مدربين بشكل كبير على فرض “الاستقرار والأمن” في أفغانستان، لكن هذا التصريح كشف مدى العجز الأميركي عن فهم التطورات الأفغانية.

ولم “يتوقع” بايدن باعترافه الشخصي الانهيار السريع للجيش الأفغاني الذي دربته وجهزته ومولته الولايات المتحدة، كما ينطبق الأمر على عدم توقعه سقوط كابول سريعا بين أيدي طالبان.

إيان بريمر: ما جرى في أفغانستان فشل للاستخبارات والتخطيط والتواصل

وتمّ تأخير تصريحه الثلاثاء لحوالي خمس ساعات فيما كان العالم ينتظر معرفة ما إذا كان سيخضع للدعوات الدولية من أجل إرجاء الموعد الأخير للانسحاب الأميركي المقرر في 31 من أغسطس، وبالتالي لعمليات إجلاء كل من الأجانب والأميركيين المهددين بهجمات انتقامية من جانب طالبان. وأكد أخيراً إنهاء سحب القوات الأميركية في الموعد المحدد.ويبدو أن الغموض السائد منذ سيطرة طالبان على كابول في الخامس عشر من أغسطس الجاري، فاجأ بايدن الذي كان في كامب ديفيد حيث يمضي الرؤساء الأميركيون عطلهم. مذاك كثّف الرئيس الديمقراطي البالغ 78 عاماً تصريحاته، بعدما لزم في البداية الصمت، لكن ذلك لم يوقف الانتقادات.وتعطي إدارة بايدن انطباعا بأنها تواجه صعوبة في التكيف مع ما حدث بشكل غير متوقع على الساحة الدولية على غرار ما جرى في النزاع بين إسرائيل وحماس في مايو الماضي.

ويواجه بادين انتقادات من كل حدب وصوب لإدارته عملية الانسحاب من أفغانستان، ولعدم تنظيمه في وقت مبكر عمليات الإجلاء اللازمة، ما يرغم الجيش الأميركي على إرسال قوات على وجه السرعة لإدارة جسر جوي ضخم وسط الفوضى.

وأكد جو بايدن الذي انتُخب لكونه عبر عن رؤية جامعة، قرار سلفه الجمهوري دونالد ترامب بسحب كافة القوات الأميركية من أفغانستان. وقال ترامب الخميس، إن “هذه المأساة ما كان يجب أن تحدث”، بعدما دعا الأسبوع الماضي بايدن إلى الاستقالة.

ومن جهتها اعتبرت النائبة الجمهورية إيليز ستيفانيك أن “يدي جو بايدن ملطختان بالدماء”، مضيفةً أنه “غير قادر على أن يكون القائد الأعلى”. ويشبّه مراقبون كثرٌ هجوم كابول الأخير بهجوم بنغازي عام 2012 الذي أودى بحياة السفير الأميركي لدى ليبيا، وأفسد صورة إدارة أوباما.

وقبل أيام قليلة وصف النائب الجمهوري عن ولاية لويزيانا مايك جونسون ما حدث في أفغانستان بأنه “يجعل المشهد الذي وقع في بنغازي يبدو وكأنه صورة مصغرة وأقل خطورة بكثير”.

Thumbnail

واعتبر النائب الجمهوري في تصريح لشبكة “سي.إن.إن” الأميركية، أن ما جرى “قد تكون واحدة من أسوأ وأخطر كوارث السياسة الخارجية والأمن القومي في تاريخ الولايات المتحدة”.

ويقول مارك روم أستاذ العلوم السياسية “لا أعرف إن كان بايدن سيبقى ضعيفًا على المدى الطويل” جراء الأزمة الأفغانية، مشيراً إلى أنّ “الجمهوريين سيفعلون كل ما بوسعهم كي تكون الحال كذلك”.

وتشوش هذه الانتقادات الكثيرة على البيت الأبيض الراغب في التركيز على تقدم الخطط الاقتصادية الهائلة للرئيس التي يُفترض أن تسمح للولايات المتحدة بـ”الفوز” في المنافسة مع الصين، ما يُعتبر الأولوية الفعلية الوحيدة لسياسته الخارجية.

وتراجعت شعبية بايدن منذ عشرة أيام في استطلاعات الرأي، رغم أن جزءاً كبيراً من الأميركيين المرهقين من حروب الولايات المتحدة “التي لا تنتهي”، يعتبرون على غرار الرئيس، أنه كان ينبغي مغادرة أفغانستان.

ويرى مدير معهد ماركيت لو سكول لاستطلاعات الرأي تشارلز فرانكلن أن “السؤال السياسي هو أن نعرف بعد استكمال الانسحاب، إذا كانت الأغلبية راضية عن مغادرتنا” أفغانستان. ويضيف “إذا كانت هذه الحال، فالجدل يمكن أن ينتهي”.

7