هل خسرت الولايات المتحدة منطقة الساحل

تغيير الديناميكيات يتطلب الابتعاد عن الاعتماد المفرط على الجيش والتحول نحو الدبلوماسية التقليدية.
الاثنين 2024/05/20
نفوذ واشنطن على المحك ما لم يتم التدارك بسرعة

واشنطن - لأسباب مختلفة تهتم الكثير من الدول بمنطقة الساحل الأفريقي وتخوض منافسة شديدة على النفوذ، بينما يرى محللون أن موقف الولايات المتحدة في المنطقة آخذ في الضعف، الأمر الذي سيؤثر سلباً على قدرتها على التعامل مع الحركات الدولية المتطرفة وإفساح المجال أمام النفوذ الروسي.

ويقول تشارلز أ. راي، رئيس برنامج أفريقيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في تقرير نشره المعهد “إن تغيير الديناميكيات في منطقة الساحل سوف يتطلب تفكيراً حازماً وواضحاً وتغييراً في الإستراتيجية الحالية بعيداً عن الاعتماد المفرط على الجيش والتحول نحو الدبلوماسية التقليدية".

والساحل عبارة عن شريط من الأرض يبلغ طوله 3670 ميلًا يمتد من ساحل المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وهو عبارة عن منطقة انتقالية يبلغ متوسط عرضها 600 ميل بين السافانا الرطبة نسبيًا في الجنوب والصحراء القاحلة في الشمال، بينما المجموعة الأساسية لدول منطقة الساحل هي موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

وعانت منطقة الساحل تاريخياً من فترات الجفاف الطويلة، والحرارة المفرطة، وتآكل التربة، والتصحر بسبب مزيج من تغير المناخ والإفراط في الزراعة والرعي الجائر والاكتظاظ السكاني.

وتعد منطقة الساحل أيضًا مركزًا للعنف الإرهابي في أفريقيا. وبحلول عام 2021 صارت 35 في المئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب على مستوى العالم في هذه المنطقة، مع اعتبار بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من بين الجماعات المتطرفة. ونزح حوالي 3.5 مليون شخص في منطقة الساحل بسبب أعمال العنف المتطرفة وقُتل الآلاف.

وقد شهدت هذه المنطقة الفقيرة أيضًا أكبر قدر من عدم الاستقرار السياسي في القارة. وبحلول نهاية مارس 2022 كانت هناك خمسة انقلابات ناجحة في المنطقة -في بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالي والسودان- ومحاولات انقلاب في غينيا بيساو والنيجر.

وفي يوليو 2023، بعد أن هدد الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم بإقالة قائد الحرس الرئاسي، اعتقله الجيش، وعلق الدستور، وعين الجنرال عبدالرحمن تشياني، قائد الحرس، رئيسا للدولة. وتشكل الاضطرابات وعدم الاستقرار اللذان يمتدان عبر القارة مشكلة لأفريقيا بدرجة أولى ولبقية العالم بدرجة ثانية.

أهمية الساحل

هناك “تدافع جديد نحو أفريقيا”، مع التركيز على منطقة الساحل؛ فالدول الرئيسية التي تتنافس على النفوذ والوجود في منطقة الساحل هي الاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة التي تمثل الدول الديمقراطية، وروسيا والصين في الفريق المنافس، مع تحقيق إيران أيضًا تقدمًا. وعلى الرغم من كل المشاكل المذكورة سابقا إلا أن المنافسة شديدة.

ومنطقة الساحل مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي لأن دول المنطقة، وخاصة النيجر، ضرورية للمساعدة في وقف الهجرة الجماعية غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي. وتحرص فرنسا على الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية على مستعمراتها السابقة، والتي تهددها المشاعر المعادية لفرنسا المتزايدة في العديد منها.

وتتعلق مصلحة الولايات المتحدة بالأمن في المقام الأول. وكانت للولايات المتحدة قاعدة للطائرات دون طيار بقيمة 100 مليون دولار و1000 جندي في أغاديز. وطلبت حكومة النيجر من الولايات المتحدة سحب قواتها وإغلاق القاعدة.

◙ تحرك روسيا لسد الفجوة يضعف القدرة الأميركية على مكافحة الإرهاب ويعرض للخطر قدرتها على التأثير على الأحداث

وبالنسبة إلى روسيا توفر منطقة الساحل فرصة لاستعادة وجودها وهيبتها في أفريقيا بعد غزوها لأوكرانيا في عام 2022. والصين -على الرغم من أنها يمكن أن تكون بمثابة بديل عن التحالفات التقليدية في منطقة الساحل- مهتمة في المقام الأول بالوصول إلى الموارد الطبيعية في المنطقة الغنية.

وبشكل عام تعتبر منطقة الساحل مهمة للأسباب التالية: لديها وفرة من الموارد الطبيعية مثل النفط واليورانيوم والغاز الطبيعي والليثيوم، كما أنها تتمتع بموقع إستراتيجي بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.

وأدى التركيز العسكري للحكومة الأميركية على منطقة الساحل، وخاصة دعم عمليات مكافحة الإرهاب، إلى خلق معضلات أخلاقية ودفع الحكومة إلى الانخراط في تمارين لفظية يمكن أن تؤثر سلبًا على العلاقات الأميركية مع الدول الأفريقية الأخرى ولها القدرة على تقويض مصداقية واشنطن على مستوى العالم.

وعندما استولى الجيش على السلطة في النيجر في 26 يوليو 2023، ترددت حكومة الولايات المتحدة في وصف ما حدث بأنه “انقلاب”. ووصف متحدث باسم البنتاغون الوضع في النيجر بأنه “مائع”، وقال إنه “من السابق لأوانه وصف الاضطرابات بأنها انقلاب”.

وبالإضافة إلى 200 مليون دولار من الدعم الإنساني والاقتصادي الذي أصبح محدودا قانونيا بعد الانقلاب، كانت قاعدة الطائرات الأميركية دون طيار في أغاديز و1000 جندي أميركي يشاركون في مكافحة الإرهاب والمراقبة على المحك.

◙ الاعتماد المفرط على الجيش لن يقود إلى حل
◙ الاعتماد المفرط على الجيش لن يقود إلى حل 

وعلقت الإدارة الأميركية التعاون العسكري مع القوات النيجرية، لكن بدا أنها تعلق الأمل في استعادة القيادة المدنية المنتخبة. غير أن التوترات المتزايدة مع قادة “محاولة الانقلاب” ووصول المستشارين العسكريين الروس إلى النيجر في أبريل 2024، أحدثا تغييراً جذرياً.

ووافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها امتثالا لمرسوم أصدره المجلس العسكري النيجري في مارس بتعليق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. ولم يتم الإعلان عن حالة قاعدة الطائرات دون طيار.

وفي أوائل أبريل أمر قائد القوات الجوية التشادية بوقف جميع العمليات الأميركية في قاعدة جوية بالقرب من نجامينا، حيث كان 100 جندي أميركي يقومون بتدريب الجيش المحلي. ووصف البنتاغون سحب القوات بأنه “خطوة مؤقتة” ويتوقع استئناف محادثات التعاون الأمني مع تشاد بعد انتخابات مايو 2024.

◙ الديناميكيات في منطقة الساحل تتطلب تفكيرا حازما وواضحا وتغييرا في الإستراتيجية الحالية بعيدا عن الاعتماد المفرط على الجيش

وقتل حاكم تشاد السابق إدريس ديبي وهو يقود القوات ضد المتمردين. ونصب الجيش ابنه محمد إدريس ديبي، القائد السابق للحرس الرئاسي، رئيسا للبلاد، فيما وصفه الكثيرون بـ”الانقلاب المؤسسي”. ولا ينبغي تجاهل أنه في حالة كل من النيجر وتشاد جاء التراجع عن التعاون مع الولايات المتحدة في أعقاب قيام المجلس العسكري في كلا البلدين بتأسيس علاقات أوثق مع موسكو.

وبطرد فرنسا من معظم مستعمراتها السابقة في الساحل، ومع انجراف المزيد والمزيد منها إلى فلك موسكو، بالإضافة إلى حكمها من قبل الطغمات العسكرية التي لا تظهر أي علامات على التخلي عن السلطة، تواجه الولايات المتحدة معضلة خطيرة.

ومع خروج الولايات المتحدة وفرنسا، تتحرك روسيا (وفي بعض الحالات إيران) لملء الفجوة. وهذا من شأنه أن يضعف القدرة الأميركية على مكافحة الإرهاب الدولي ويعرض للخطر قدرة الولايات المتحدة على التأثير على الأحداث في المنطقة.

وتبدو الجهود المبذولة لإشراك حكومات الانقلاب في التفاوض على خرائط الطريق والجداول الزمنية للعودة إلى الديمقراطية محدودة. وعندما تؤدي المعلومات الروسية المضللة إلى تأليب السكان على الولايات المتحدة وتطالب الحكومات (سواء كانت انقلابية أو غير ذلك) بمغادرة البلاد، فإن الخيارات المتاحة أمام هذه الحكومات تصبح قليلة.

وحقيقة أن الوجود الروسي لن يحل المشاكل التي يزعم العديد من قادة الانقلاب أن فرنسا فشلت في حلها لا تعطي أي سبب للابتهاج. بل تعني فقط أن المنطقة غير مستقرة بالفعل ومن المرجح أن تنزلق إلى المزيد من الفوضى التي يمكن أن تمتد إلى البلدان المجاورة. ويبدو أن الموقف الأميركي في منطقة الساحل في الوقت الحالي ضعيف ولا يظهر أي بوادر للتعافي على المدى القريب.

إلى أين نذهب

من المحتمل أن يمتد حال الوضع في منطقة الساحل إلى البلدان المجاورة، كما أن الافتقار إلى التعاون من قِبَل دول مثل النيجر وتشاد يعرض للخطر قدرة الولايات المتحدة على منع الهجمات الإرهابية الدولية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن السماح لدول مثل روسيا وإيران بالوصول دون قيود أو منازع إلى منطقة تتمتع بالكثير من الموارد الحيوية يهدد صحة الاقتصاد العالمي الحر. لكن السؤال هو: ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله حقاً حيال هذا الوضع؟ وقد تكون نقطة البداية الجيدة تقليل الأنشطة المرتبطة بمكافحة الإرهاب وزيادة الجهود الدبلوماسية الموجهة.

◙ منطقة الساحل مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي لأن دول المنطقة وخاصة النيجر، ضرورية للمساعدة في وقف الهجرة غير الشرعية

ورغم أن المساعدة الأمنية الأميركية في منطقة الساحل في إطار الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب تعالج من الناحية النظرية مجموعة من القضايا التي تساهم في التطرف، إلا أن برامج الشراكة لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء كانت في الواقع عسكرية في الغالب، ولم يكن هناك الكثير مما يمكن أن تُظهره مقابل الملايين التي أُنفقت بخلاف الضحايا المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد.

وتتمثل الخطوة الأولى في إجراء تقييم متعمق وواقعي للوضع السياسي في منطقة الساحل، وتقييم دقيق لما حققته البرامج الأميركية (أو فشلت في تحقيقه) حتى الآن.

أما الخطوة الثانية فتتمثل في دمج دول شمال أفريقيا في مكتب أفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأميركية، اعترافاً بأنه فيما يتعلق بالأنشطة المتطرفة فإن العلاقة بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أقرب من علاقة شمال أفريقيا بالشرق الأوسط. وتتمثل الخطوة الثالثة في دمج برامج المساعدة، ولكن مع تصميمها لتناسب بلدانا محددة.

وهذا من شأنه أن يعترف بالترابط بين قضايا مثل تغير المناخ والاتجار بالمخدرات وأن يتيح المزيد من الجهود المنسقة، ولكن من خلال جعلها خاصة بكل بلد، يصبح من الممكن تصميمها لتناسب الوضع على أرض الواقع. ولن تحل هذه الخطوات الثلاث مشاكل منطقة الساحل، لكنها البداية.

والإجراء الأخير الذي يتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تتخذه هو أن تدرك أن الفوضى في منطقة الساحل لم تنشأ بين عشية وضحاها ولن يتم حلها في وقت قصير. ويجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للبقاء فيها على المدى الطويل، وإلا فإنها ستحقق المزيد من نفس الفشل المرير الذي حدث في الماضي.

7