هل حوّل منتدى دافوس العالم إلى مكان أفضل

سلطة منتدى دافوس الهشة تقوم على معادلة مفادها أنه إن كنت تريد أن تكون جزءا من الطبقة الراقية العالمية، فلا بد لك من التواجد هنا.
الاثنين 2019/01/21
انتقاد كلاوس شواب مؤسس منتدى دافوس لارتباطه بعالم الأعمال فقط

يتوجه قادة الحكومات والأعمال إلى جبال الألب السويسرية البالغة البرودة، الاثنين، للمشاركة في منتدى دافوس السنوي وسط موجة من الشعبوية التي يجسدها الرئيس البرازيلي الجديد اليميني المتطرف، والنزاعات التجارية وخروج بريطانيا الوشيك من الاتحاد الأوروبي ووسط غياب كبار القادة، إذ من المنتظر ألا يكون رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين بين حوالي 3200 شخصية سياسية واقتصادية عالمية ستشارك في المنتدى، وستقع مناقشة موضوعات مثل التوتر التجاري بين واشنطن وبكين والتوتر الدبلوماسي والاقتصادي بين موسكو وواشنطن وحلفائها الغربيين، وستطغى بذلك السياسة على الاقتصاد، وستدور مناقشات دافوس هذا العام، على عكس السنوات السابقة، أمام تساؤلات عما قدمه هذا المنتدى للعالم في ظل تصاعد الاستياء من خضوعه لسلطة رجال الأعمال وأصحاب النفوذ والمصالح، في حين لم ينجح بعد في توفير حلول عملية لإنقاذ العالم من التحديات التي تهدده.

جنيف- كشف كلاوس شواب، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، أن طفولته التي عاشها في ظل الحرب العالمية الأولى دفعته إلى التفكير بتأسيس منظمة قادرة على تحويل العالم إلى مكان أفضل.

ولا شك في أن مؤسسته التي تستضيف أشهر شخصيات العالم وأكثرها نفوذا وثراء في اجتماعها السنوي في منتجع دافوس السويسري الشتوي تركت أثرا، لكن الشكوك تزايدت حول ما إذا كانت المنظمة تحقق هدفها المعلن وهو “تحسين حال العالم” في ظل تصاعد الاستياء حيال أجندة دافوس الداعمة لقطاع الأعمال وميل الناخبين للتصويت لقادة شعبويين.

وبين الانتقادات الدائمة أن اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، بما في ذلك الاجتماع السنوي الذي سيجري في دافوس الاثنين، خلقت بكل بساطة فضاء آمنا لعالم الأعمال لكي يضغط على الحكومات دون رقابة. فيما دافع مدير منتدى دافوس آدريان مونك في رسالة عبر البريد الإلكتروني لوكالة فرانس برس عن المنتدى قائلا “إن المنظمة “تدعم أعلى معايير الحوكمة”.

سلطة هشة

كان شواب، الذي ولد في بلدة رافنزبورغ الألمانية عام 1938 أستاذ في إدارة الأعمال في جامعة جنيف عندما أسس عام 1971 “منتدى الإدارة الأوروبي” الذي مهد الطريق لإقامة المنتدى الاقتصادي العالمي. ووسع لائحة الحضور لاحقا عبر دعوة قادة عالم الأعمال الأميركيين، فشكّل قائمة مرموقة محولا التجمع إلى مناسبة لإقامة شبكة علاقات وتبادل الأفكار.

وفي كتاب صدر عام 2018، أرّخت أستاذتان من جامعة ستوكهولم عملية تطور المنتدى الاقتصادي العالمي مع انضمام سياسيين تدريجيا إلى رجال الأعمال في دافوس ما أضفى طابعا أمميا على المنتدى مع وجود عدد من المشاهير على قائمة الحضور.

تصاعد الاستياء حيال أجندة دافوس الداعمة لقطاع الأعمال
تصاعد الاستياء حيال أجندة دافوس الداعمة لقطاع الأعمال

وكتبت كل من كريستينا غارستان وآدريين سوربوم في كتابهما “السلطة الخفية: كيف يشكل المنتدى الاقتصادي العالمي أجندات السوق”، أنه “على وقع ما يعد قصورا في مؤسسات الحوكمة العالمية وتعثر صناعة السياسات الدولية، يقدم المنتدى الاقتصادي العالمي نفسه على أنه يوفر بديلا”.

وعلى مدى السنوات، ولّد النجاح مزيدا من النجاح للمنتدى الاقتصادي العالمي حيث يسعى أصحاب النفوذ لقضاء الوقت مع بعضهم البعض في جبال الألب السويسرية وهم يشاركون في حلقات نقاش ويقيمون علاقات اجتماعية بعد التزلج. وانضمت اجتماعات إقليمية جديدة لبرنامج دافوس.

وقالت سوربوم إن سلطة المنتدى الهشة تقوم على معادلة مفادها أنه “إن كنت تريد أن تكون جزءا من الطبقة الراقية العالمية، فلا بد لك من التواجد هنا”. وأشارت إلى إن المنظمة تبدو وكأنها تقدم شيئا تفتقر إليه هيئات دولية أخرى، مكان يجتمع فيه قادة الأعمال التجارية والحكومات “ليخرجوا ببعض الأفكار الجيدة”. لكنها نوهت إلى أن لذلك “جوانب مقلقة”.

وكتبت غارستان وسوربوم أنه مع قدوم العشرات من رؤساء الدول والحكومات إلى دافوس كل عام، يمكن النظر إلى المنتدى الاقتصادي العالمي على أنه هيئة “لا تملك تفويضا قانونيا للتأثير على الحوكمة العالمية بعد، لكنها تطمح لذلك”.

بدوره، يشير أوليفييه كلاسن من منظمة “بابليك آي” السويسرية غير الحكومية، التي قادت التظاهرات والحملات الأخرى المناهضة لاجتماع دافوس إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي لطالما كان “معتمدا بشكل كامل” على الشركات الألف التي تموله.

وتتراوح رسوم عضوية المنتدى من ما يعادل 60 ألفا إلى 600 ألف دولار تسمح لممثلي الشركات بحضور دافوس وغيره من الاجتماعات على مدار العام. وقال كلاسن “يبدو أن لدى شواب قناعة ثابتة بأن جعل الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض هو هدف يبرر كل شيء”.

وأضاف “ما لا يدركه هو أنه (…) عندما تكون لدى أغلبية هؤلاء الأشخاص مصالح تجارية، يصبح الأمر برمته مجرد إبرام للصفقات لا أكثر”.  لكن مونك يؤكد أنه بالنسبة للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن “مشاركة أصحاب المصالح المتعددة (…) تعني احترام آراء ومصالح الآخرين”.

وتفيد تقارير أن اجتماع دافوس واجه تهديدا وجوديا مطلع الألفية بعدما نفد صبر السكان المحليين جراء الاحتجاجات المتواصلة. وردا على ذلك، فتح شواب الاجتماع أمام مجموعات المجتمع المدني وأتاح لوسائل الإعلام توسيع حضورها في الحدث الذي كان يعقد بمعظمه في السابق خلف الأبواب المغلقة.

وقال رئيس تحرير مجموعة “بليك” الإعلامية السويسرية كريستيان دورير الذي سُمح له مؤخرا بالوصول إلى شواب لكتابة نبذة عنه في خطوة نادرة، إن التحرك لم يكن “طوعيا”.

اتهام المنتدى بالميل لقادة شعبويين وإبرام صفقات بدلا من حلول
اتهام المنتدى بالميل لقادة شعبويين وإبرام صفقات بدلا من حلول

وأوضح دورير أن شواب “أدرك أن عليه القيام بذلك وإلا فسيموت المنتدى”، مضيفا أن مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي تغيّر على مدى السنوات. وقال “كان مرتبطا بعالم الأعمال فقط، لكنه بات الآن أكثر انفتاحا”.

أكثر انفتاحا

ذكرت سوربوم أن بحثها أظهر تسامح المنظمة مع المعارضة إلى حد ما. وقالت “بإمكانك توجيه الانتقادات، لكن في حال كثرت انتقاداتك، فسيتم طردك إلا إذا كنت (المغني الشهير) بونو”. وقال آدريان مونك إنه إذا “كنت غير قادر على مجاراة” مبدأ مشاركة أصحاب المصالح المتعددة، “فإن المنتدى ليس المنصة الأمثل لك”.

ويبدأ أسبوع دافوس للتعارف بين الحاضرين الاثنين وسيشهد مجموعة من المناقشات حول قضايا بينها التعليم الجيد في العصر الرقمي، والوحدة المزمنة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون الإضرار بالوظائف.

وسيخلي غياب كبار المسؤولين – باستثناء أنجيلا ميركل التي بدأت انسحابها السياسي – الساحة للحضور الصيني، ويخلي كذلك الساحة للرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أيضا لسرقة الأضواء في أول زيارة له إلى الخارج منذ توليه منصبه في وقت سابق من هذا الشهر.

ونظراً لأنه أول تجمع دولي في العام 2019 فقد كان من المفترض أن تهيمن مسألة المناخ على المنتدى، بحسب ما قالت المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس جنيفر مورغان.

لكن بالنسبة لشواب المؤسس والرئيس التنفيذي لمنتدى دافوس الاقتصادي، فإن تجمع النخبة يحتاج كذلك إلى التطرق إلى “الخاسرين” من العولمة وإيجاد طرق لرعاية “الذين تركوا في الخلف”. وكانت مسألة “من تركوا في الخلف” محور الموجة المناهضة للمؤسسات الحاكمة التي أدت في 2016 إلى قرار الشعب البريطاني في الاستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي.

6