هل تُساهم القروض الصينية في حل أزمات العرب أم ترهن سيادتهم؟

محاولة الاستفادة من عدم وضع بكين لشرط الديمقراطية قد تعطي نتائج عكسية.
الثلاثاء 2022/05/31
تسلل ناعم إلى الدول العربية

واصلت عدة دول عربية متأثرة بتداعيات فايروس كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا الاقتراض من الصين، التي لا تضع شروطا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان لمنح المساعدات والقروض، لكن هذه الورقة التي لجأت إليها تلك الدول قد تعطي نتائج عكسية، حيث قد تؤدي إلى ارتهان سيادة تلك الدول.

لندن - يثير حصول دول عربية عدة على قروض من الصين لإسعاف اقتصادها المنهك تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيساهم في حلحلة أزمات تلك الدول أم أنه سيتحول إلى عبء عليها كونه سيرهن سيادتها.

ولطالما حذرت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى الدول النامية ومن بينها الدول العربية مما تعتبره فخ الديون الصينية بينما تنفي بكين ذلك وذلك في خضم تنافس اقتصادي وتجاري قوي بين الطرفين.

وترى الصين في القروض التي تقدمها للدول العربية “مصلحة متبادلة”؛ لكن الخطر يكمن في وصول هذه الدول إلى مرحلة تجد نفسها غارقة في هذه الديون وعاجزة عن السداد.

وقد تجبر هذه الفرضية، الدول المدينة في مرحلة ما، على التخلي عن بعض أصولها للشركات الدائنة، أو تغيير مواقفها الدبلوماسية من قضايا معينة استجابة للضغوط الصينية، وربما حتى فتح المجال لبكين لإقامة قواعد عسكرية.

ويعتبر مراقبون أن فخ الديون الصينية لا يختلف كثيرا عن فخ الديون الأميركية والأوروبية.

والجمعة، حذّر المستشار الألماني أولاف شولتس من أن القروض التي تمنحها الصين منذ سنوات إلى بلدان فقيرة، خصوصا في أفريقيا، تشكل “خطرا جديا” يمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية جديدة.

وقال شولتس “يوجد حقا خطر جدي” من أن تنجم أزمة مالية في “دول الجنوب عن قروض منحتها الصين عالميا من دون أن تتمتع باطّلاع شامل عليها لكثرة الجهات الضالعة فيها”.

منفعة متبادلة

Thumbnail

تحتاج الدول العربية كغيرها من الدول التي ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية وهي عرضة بالفعل لهزات اجتماعية إلى قروض وتمويلات لمشاريعها، خاصة المتعلقة بالبنية التحتية أو الفوقية من طرق وسكك حديدية وموانئ وسدود وسكنات ومستشفيات ومدارس، بل وحتى لتمويل عجز الحساب الجاري.

وارتفعت الحاجة للسيولة النقدية، خاصة من جانب الدول العربية غير النفطية، خلال جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، من أجل الإيفاء بالتزاماتها.

وبالنظر إلى صعوبة الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشروطهما المعقدة، تصبح الصين أحد الخيارات المفضلة للحكومات العربية، خاصة أن بكين لا تفرض شروطا متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي المقابل، فإن الصين تستفيد من تشغيل فوائضها المالية الضخمة عبر قروض تفوق نسبة الفائدة فيها أحيانا تلك التي تشترطها المؤسسات الدولية.

الصين ترى في القروض مصلحة متبادلة، لكن الخطر يكمن في وصول الدول إلى مرحلة تجد نفسها عاجزة عن السداد

وتستهدف القروض الصينية بالدرجة الأولى البنية التحتية في الدول العربية، خاصة الموانئ والطرقات والسكك الحديدية، والتي تمكنها من تهيئة خطوط النقل والإمداد ضمن مبادرة الحزام والطريق، بالشكل الذي يضمن لها وصول دائم للطاقة وغزو سلعها للأسواق العربية.

وتتولى الشركات الصينية للمقاولة تنفيذ الكثير من المشاريع في الدول العربية التي تمولها بنوك صينية، ما يدرُّ عليها عوائد مالية هامة.

وساهمت سياسة القروض والتمويل في ارتفاع عدد شركات المقاولات الصينية من تسع شركات بين أكبر 100 مقاول عالمي في عام 2000، إلى 27 شركة في 2020.

وبينما لدى أوروبا 37 شركة، بانخفاض من 41 شركة، ولدى الولايات المتحدة 7، مقارنة بـ19 قبل عشرين عاما.

وتستهدف الصين أيضا بقاء عملتها المحلية (اليوان) ضعيفة، بالشكل الذي يبقي سلعها رخيصة وتنافسية مقارنة بالسلع الأميركية والأوروبية الغالية.

وتحقق الصين فوائض مالية ضخمة من تجارتها الخارجية، ودخول مئات المليارات من الدولارات إلى السوق الصينية سنويا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار اليوان مقارنة بالدولار.

ولذلك تُبقي الصين جزءا من هذه الفوائض المالية كسندات لدى الخزينة الأميركية بقيمة 1.1 تريليون دولار وفق بيانات الخزانة الأميركية في شكل احتياطات صرف.

كما تُقرض مليارات الدولارات للعديد من دول العالم بما فيها العربية، ما يسمح باستقرار عملتها وعدم ارتفاعها بالشكل الذي يضعف تنافسية سلعها.

المستشار الألماني أولاف شولتس حذر من أن القروض الصينية الممنوحة لبلدان فقيرة، تشكل "خطرا جديا" يمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية جديدة
المستشار الألماني أولاف شولتس حذر من أن القروض الصينية الممنوحة لبلدان فقيرة، تشكل "خطرا جديا" يمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية جديدة

ورغم نفي الصين استيلائها على أصول أي دولة في العالم بسبب تأخرها في سداد ديونها، إلا أنه كثيرا ما يتردد اسم ميناء “هامبانتوتا” جنوبي سريلانكا، الذي استحوذت شركة صينية على 70 في المئة من أسهمه كمثال على رغبة بكين في الاستحواذ على أصول الدول بعد إغراقها بالديون.

ولكن سريلانكا ليست المثال الوحيد، فهناك أيضا زامبيا، التي فشلت في دفع قيمة “محطة التوليد المائية” التي أنشأتها الصين، فاستحوذت عليها وعلى 60 في المئة من أسهم إذاعة زامبيا الحكومية.

وفي كينيا تعسّرت الحكومة في دفع قرض أنفقته في بناء خط للسكك الحديدية، ما قد يدفعها للتخلي عن بعض أصولها.

وتعد جيبوتي أكثر الدول العربية والأفريقية انكشافا أمام الديون الصينية، فوفق تقديرات “معهد التنمية الخارجية”، ومقره لندن، تمثل القروض الصينية 70 في المئة من الديون الخارجية لجيبوتي.

وتوقع تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية في 2018، أن تبلغ ديون جيبوتي 88 في المئة من ناتجها الإجمالي، والذي بلغ في نفس العام أقل من 3 مليار دولار، ما يجعل البلاد عرضة لتسليم جزء من أصولها إلى الصين في حال العجز عن السداد.

ولا تملك جيبوتي موارد طاقة تمكنها من تطوير اقتصادها، لذلك تستغل موقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب، في تأجير قواعد عسكرية لكل من فرنسا والولايات المتحدة والصين، لدعم اقتصادها المتواضع.

وهذه الديون مكنت الصين من بناء أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، وإدارة ميناء دوراليه، وتشييد سكة حديدية والعديد من المشاريع الأخرى، ما يجعل جيبوتي في موقع هش أمام تعاظم النفوذ الصيني الذي يقلق واشنطن.

ضغوط وشبهات

Thumbnail

على غرار جيبوتي، تعد السودان من بين الدول العربية التي تورطت في الديون الصينية السهلة والبالغة 10 مليارات دولار من إجمالي 60 مليار دولار.

وأدى تعثر الخرطوم في سداد هذه الديون، في ضغوط صينية تمثلت في وقف أو تجميد مشاريعها في البلاد، وعدم تقديم المزيد من المنح والقروض.

وفي الجزائر استغلت الصين أزمتها الاقتصادية الناتجة عن تراجع أسعار النفط والغاز، وسعت لتمويل مشروع تشييد أكبر ميناء تجاري في أفريقيا في منطقة شرشال (100 كلم غرب الجزائر العاصمة).

ورغم أن الجزائر تمكنت من سداد جميع ديونها قبل 2013، وتبنت سياسة عدم الاقتراض بعد تجربة مريرة مع صندوق النقد الدولي في التسعينات، أدت إلى غلق الآلاف من المؤسسات الحكومية وطرد نحو 400 ألف عامل، إلا أن الصين أقنعتها في 2016 بتمويل كامل لمشروع ميناء الحمدانية بشرشال بقرض قيمته 3.3 مليار دولار، على أن تتولى شركة صينية إدارته.

لكن المشروع أثيرت حوله بعض الشبهات ما أدى إلى تجميده بعد الحراك الذي أطاح بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورجاله (1999 – 2019)، وأعيد بعث المشروع في العام 2020 في عهد الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، الذي اشترط الشفافية.

وتتبنى الجزائر سياسة الشراكة مع الصين وفق قاعدة (51/49) بدل ترك الشركات الصينية تستحوذ لوحدها على مشاريع بتمويل بنوك صينية.

وهو نفس الأمر بالنسبة إلى مشاريع الفوسفات في شرق البلاد، والحديد الخام في الجنوب الغربي، الذي تم الاتفاق على استغلاله وفق قاعدة 51 في المئة للشريك الجزائري و49 في المئة للشريك الصيني.

لكن الوفرة المالية التي تمتلكها الجزائر سواء بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز أو من خلال احتياطات العملة الصعبة، فإن ذلك لا يتوفر في بلدان عربية أخرى مثل موريتانيا، التي تعد أيضا من البلدان المنكشفة على القروض الصينية، وإن استفادت في 2021 و2022 بإلغاء بعض ديونها المستحقة.

6